من هو خطيب الرسول
الخِطابة في الإسلام
يُعتبر ظهور الدّعوة الإسلاميّة من أهم الأحداث التي شهدها التاريخ الإنسانيّ؛ حيث بعث الله -سبحانه وتعالى- بنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- برسالة خاتمة للرّسالات السماويّة السابقة، وأمره بتبليغها لجميع البشريّة، فكان منهم من شرح الله صدره للإسلام، وكان منهم من صدّ عن الدّعوة وكذّبها، فما كان من الموالين للدّعوة إلاّ أن دَعوا النّاس في محافلهم واجتماعاتهم ومنتدياتهم؛ فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يذهب إلى قريش في ناديهم ويُخاطبهم ويُسمعهم كلام الله -تعالى- الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، وما كان من الصّحابة -رضي الله عنهم- إلاّ أن اقتدوا بهدي نبيّهم، ومخاطبة أرباب العقول وبيان ما يدعون إليه بالحُجّة والبُرهان، ومنذ ذلك الوقت كان للخِطابة دورٌ بارزٌ في نشر الدّعوة الإسلاميّة وبيانها، والدّفاع عن مبادئها، واعتمد الإسلام على الخطابة في نشر الدّعوة لِما لها من أثر في ارتقاء الدّعوة الإسلاميّة وانتشارها وسموّها، وكانت الخِطابة تمثِّل ذروة سنام الدّعوة؛ وذلك بسبب استمدادها من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة المطهّرة،[١] وقد كان من الصّحابة من يُعرف بقوّة خطابته حتى لُقّب بخطيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمَن هو الصّحابي الذي أُطلق عليه ذلك اللّقب؟
خطيب الرّسول
أُطلق لقب خطيب الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على الصّحابي ثابت بن قيس رضي الله عنه، وهو الصّحابي ثابت بن قيس بن شمّاس الأنصاريّ الخزرجيّ، ويُكنى بأبي محمّد، وقيل: إنّ كنيته هي أبو عبد الرحمن، وقد كان من الصّحابة النُّجباء، وكان خطيباً للأنّصار، وخطيباً للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث كان صاحب صوتاً جهوراً، ولساناً بليغاً، وكان خطيباً مفوَّهاً، وقد بشّره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-
بدخول الجنّة؛ وذلك بعد نزول سورة الحُجرات التي ورد فيها النّهي عن رفع صوت الصّحابة -رضي الله عنه- فوق صوت النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والسبب في ذلك ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاريّ عن الصّحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث إنّه لما نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)،[٢] فلَزِم ثابت بن قيس -رضي الله عنه- بيته، وحبس نفسه عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقال عن نفسه: إنّه من أهل النّار، فسأل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- جاره سعد بن معاذ -رضي الله عنه- عنه، فأخبره أنّ ما به شيء، فذهب سعد بن معاذ -رضي الله عنه- إلى ثابت بن قيس يُخبره بسؤال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عنه، فأخبره بسبب لزومه بيته وحبس نفسه عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فذكر سعد بن معاذ ذلك الأمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن ثابت بن قيس أنّه من أهل الجنّة لأجل ذلك.[٣]
مواقف من حياة ثابت بن قيس
لقد كانت حياة الصّحابي الجليل ثابت بن قيس -رضي الله عنه- حافلةً بالمواقف التي لها الأثر الكبير في حياة المسلم، ومن هذه المواقف ما يأتي:[٤]
- إيثار ثابت بن قيس وإنفاقه في سبيل الله تعالى؛ فقد جاء في الأثر أنّ رجلاً من المسلمين بقي صائماً لمدة ثلاثة أيّام ولم يفطر لعدم وجود ما يفطر عليه عندما يمسي، فتذكره الصّحابي الجليل ثابت بن قيس؛ فأخبر أهله بقدوم ضيف عليه، وأخبرهم أنّه إذا جاء فليقم منهم من يتظاهر بإصلاح السّراج فيطفؤه، ثمّ يتظاهرون بتناول الطعام مع الضيف، حتى يشبع ضيفهم، فكان ذلك، وفي غداة اليوم التالي ذهب ثابت بن قيس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله: (يا ثابتُ، لقد عجِب اللهُ -عزَّ وجلَّ- البارحةَ مِنكم ومِن ضيفِكم)،[٥] فنزل قول الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٦]
- فصاحة ثابت بن قيس وبلاغته وقوّة خطابته؛ فممّا جاء في كتب التاريخ أنّه عندما جاء وفد من بني تميم إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وافتخر خطيبهم، فقال النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- لثابت بن قيس: (قم فأجب خطيبهم)، فقام ثابت بن قيس فحمد الله -تعالى- وأبلغ في كلامه، حتى سُرَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة -رضي الله عنهم- من كلامه.
- خشية ثابت بن قيس من غضب الله -تعالى- وعذابه؛ حيث كان ثابت بن قيس رجل يُحبّ الجمال واللبس الحَسَن، فعندما نزل قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)،[٧] فاشتدّ الأمر على ثابت بن قيس وأجهش بالبكاء، فأخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بما كبُر على نفسه من هذه الآية، فقال له رسول الله: (إنّك لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير، ويدخلك الله الجنّة).[٨]
وفاة ثابت بن قيس
بعد وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ارتدَّ عدد من المسلمين عن الدين الإسلاميّ، فاستنفر أبو بكر الصّديق خليفة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين لقتال المرتدّين، فلمّا كان اللقاء قام الصّحابي الجليل ثابت بن قيس، وسالم مولى أبي حذيفة وقالا: (ما هكذا كنّا نقاتل مع رسول الله)، فجعلا لنفسيهما حفرة ودخلا فيها، فأخذا يقاتلان من ارتدّ عن الدّين حتى استشهدا، وكان ذلك في واقعة تُعرف بيوم اليمامة، في السّنة الثّانية عشرة من الهجرة النبويّة.
المراجع
- ↑ د. إسماعيل علي محمد (26-6-2016)، “الخطابة في صدر الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 2.
- ↑ يحيى بن محمد الزهراني، “ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2018. بتصرّف.
- ↑ “ثابت بن قيس”، www.islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن ثابت بن قيس، الصفحة أو الرقم: 5/500، له شاهد.
- ↑ سورة الحشر، آية: 9.
- ↑ سورة لقمان، آية: 18.
- ↑ رواه الشوكانيّ، في درّ السحابة، عن ثابت بن قيس بن شمّاس، الصفحة أو الرقم: 345، رجاله رجال الصحيح.