مآثر عمر بن الخطاب وأقواله

صحابة رسول الله

بعث الله تعالى النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- برسالة الإسلام، وبدأ يدعو إليها أهله والأقربين في مكَّة المكرَّمة، ثمَّ جاء الأمر الإلهي بالجهر بالدَّعوة، ولقي النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في تبليغ هذه الدعوة ونشر الدين ما لقي من سخرية واستهزاءٍ وأذى، ولولا تأييد الله تعالى وتثبيته وحفظه، والثُّلة الخيِّرة التي آمنت برسالته واتبعته وصدقته، ولزمت صحبته، لَمَا استمرت هذه الدَّعوة ولا كان لها من الغلبة والتَّمكين والانتشار؛ وهذه الثُّلة الخيِّرة هي جيل الصَّحابة الذين عاصروا النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، فآمنوا به وصدَّقوه ونصروه، فكانوا بشهادة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- خير القرون، كما جاء في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: (خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، ثم الَّذِينَ يَلُونَهم، ثُمَّ يَجِيءُ قومٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمينَهُ، ويَمينَهُ شَهَادَتَهُ)،[١] وتالياً حديثٌ عن أحد أقطاب هذا الجيل العظيم، جيل الصَّحابة رضي الله عنهم، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، وبيانٌ لمآثره، وسردٌ لبعض أقواله التي غدت مثلاً وحكمةً.

تعريفٌ بعمر بن الخطَّاب

هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الرَّاشدين عمر بن الخطَّاب بن نفيل بن عبد العزَّى بن رباح بن قُرْط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي، وأُمُّه حنتمة بنت هشام المخزومية، أخت أبي جهل، وقد أسلم عمر -رضي الله عنه- في السَّنة السَّادسة من بعثة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهو في السابعة والعشرين من عمره، وقد كان -رضي الله عنه- في الخِلقة طويلًا، قوي البنية، شديد البياض تشوب بياضه حُمرَةٌ.[٢]

أمَّا عن أهل بيته من الأزواج والأبناء، فقد تزوَّج -رضي الله عنه- من زينب بنت مظعون، وقد أنجبت له حفصة أم المؤمنين وعبد الرحمن وعبد الله رضي الله عنهم جميعاً، وتزوَّج من جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريَّة، وكان له منها ولده عاصم، وتزوَّج من عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي وقد ولدت له عياضاً، وتزوَّج من أمِّ كلثوم بنت علي بن أبي طالبٍ وأنجبت له زيداً ورقيَّة رضي الله عنهم أجمعين.[٣]

مآثر عمر بن الخطَّاب

إنَّ لعمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- مناقب جليلة ومآثر عظيمة جعلت من حياته وسيرته مثلاً يحتذى وأثراً يقتدى، ويمكن الإتيان على جملةٍ من أشهر هذه المناقب والمآثر التي عُرف واشتهر بها عمر -رضي الله عنه-، ومنها:

  • جراءته في الحقِّ ونصرته له: تشهد مواقف كثيرةٌ من سيرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على جراءته في الحقِّ ونصرته له وعدم خشيته فيه لومة لائم، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال في عمر: (إنَّ اللهَ جعَل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلبِه)،[٤]، وشاهد ذلك من حياته -رضي الله عنه- إسلامه الذي لم يخشَ أن يعلنه ويظهره أمام كفَّار قريش، وكان في إسلامه ظهوراً للإسلام وعزَّةً ونصرةً وقوَّةً للمسلمين الذين كانوا قلَّةً مستضعفين، وأوردت الروايات عن الصَّحابة -رضي الله عنهم- أنَّهم ما تمكنوا من الصَّلاة بالبيت إلا بعد إسلام عمر بن الخطاب، وأمَّا عن هجرته إلى المدينة المنوَّرة، فهي من أَجلى المواقف على جراءته -رضي الله عنه- في الحقِّ، فعندما هاجر الصحابة والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصاحبه أبو بكر -رضي الله عنه- سرَّاً، همُّ عمر بن الخطَّاب بالهجرة معلناً أمام الملأ من كفَّار قريش ومتحدٍّ لهم ومتوعِّداً لكلِّ من سيمنعه أو يلحق به.[٥]
  • موافقة الحقِّ له: في كثيرٍ من المسائل التي طرحت بين النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأصحابه رضي الله عنهم، كان النَّص الإلهي ينزل موافقاً لرأي عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- واجتهاده، ولذلك أُثر عنه أنَّه قال: (وافقتُ ربي في ثلاثٍ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتخذنا من مقامِ إبراهيمَ مُصلَّى، فأُنزِلتْ: “واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى”، وآيةُ الحجابِ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمرتَ نساءَك أن يَحتجبن، فإنَّه يُكلِّمُهُن البرُّ والفاجرُ، فنزلتْ آيةُ الحجابِ، واجتمع نساءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغيرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ:عسى ربَّه إن طلقَكُن، أن يُبدِلَه أزواجًا خيرًا مِنكُن، فأُنزِلتْ هذه الآيةُ)،[٦] ووردت في الآثار والمرويات مواقف أخرى وافق فيها الحقُّ قول عمر -رضي الله عنه- غير الثلاثة السابقة، ولعلّ أشهرها رأيه في أسرى بدرٍ كما جاء في صحيح مسلم: (قال عمر: وافقتُ ربي في ثلاثٍ: في مقامِ إبراهيمَ، وفي الحجابِ، وفي أَسَارى بدرٍ)،[٧] فعقب انتهاء غزوة بدرٍ استشار النَّبي أصحابه في الأسرى من المشركين، فكان رأيه -عليه الصَّلاة والسَّلام- ورأي أبي بكر الصِّديق أن يأخذوا الفدية منهم، وأن يعلّم من كان عالماً منهم القراءة والكتابة لفتيان المسلمين، وكان رأي عمر قتلهم، فأنزل الله تعالى حكمه في المسألة موافقاً لرأي عمر بن الخطَّاب، في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[٨][٩]
  • عفَّته وزهده: كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- مثلاً في التَّعفُّف والزُّهد في الدنيا وملذَّاتها، وزخرت حياته بمواقف توثِّق زهده في ملذات الدُّنيا وترفعه عنها، وقد شهد له أصحابه بذلك، فقال فيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (كان أزهدنا في الدُّنيا وأرغبنا في الآخرة).[١٠]
  • هيبته ووقاره: كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- وقوراً ذا هيبةٍ، يهابه من عرفه، حتى أنَّ الشيطان كان يهابه، كما قال النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام في حقِّه، عندما قدم إليه وعنده جمعٌ من النِّساء، فلمَّا سمعن صوت عمر اختبأن منه، فقد ورد في رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (استأذن عُمَر بن الخطابِ على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعِندَه نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عُمَر بن الخطابِ قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدخل عمر ورسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسولَ اللهِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “عجبت من هؤلاء اللاتي كن عِندَي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب”، فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسولَ اللهِ، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقُلْن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك).[١١]
  • حرصه على رعيَّته في خلافته: شواهد كثيرةٌ من فترة خلافة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- تظهر حرصه على رعيَّته، ومضيَّه في حاجاتهم وقضائها لهم، ولعل من أشهرها ما رواه أسلم مولى عمر بن الخطَّاب، أنَّه خرج ليلاً معه، فوجدوا آثار نارٍ من بعيد، فذهب عمر -رضي الله عنه- ليطمئن، علَّ أصحابها ركبان قطعت بهم الطريق في الليل والبرد، وحين ذهب إلى جهة النَّار وجد عندها امرأة وصبية يبكون، فسألها عنهم وأجابته أنَّهم يبكون من الجوع وقد أضرمت النَّار على القدر علَّها تشغلهم فينامون، فأسرع عمر -رضي الله عنه- وأسلم وأحضروا مؤونةً من طعامٍ يحملها عمر ولم يرضَ أن يحمل أسلم معه شيئاً، حتى وصل إلى المرأة وصبيانها، وأعدَّ لهم الطعام بنفسه، ولم يغادرهم حتى أكلوا وشبعوا.[١٢]

من أقوال عمر بن الخطَّاب

إنَّ لعمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أقوالٌ وحِكمٌ أُثرت عنه، ونُقلت في الكتب، فيها من الموعظة والعبرة الكثير، ومن هذه الأقوال:[١٣]

  • أعقل النَّاس أعذرهم للنَّاس.
  • إياكم والبطنة، فإنَّها ثقل في الحياة، نتن في الممات.
  • ثلاثٌ مهلكات: شحٌّ مُطاع، وهوى متَّبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه.
  • لا يقعد أحدكم عن طلب الرِّزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أنَّ السَّماء لا تمطر ذهباً ولا فضَّةً.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3651.
  2. شمس الدين الذهبي (2006)، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 397، جزء 2. بتصرّف.
  3. مركز الفتوى (6-5-2007)، “زوجات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب”، http://fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2017. بتصرّف.
  4. رواه ابن حبَّان، في صحيح ابن حبَّان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6889.
  5. محمد رضا (1936)، تاريخ وسيرة ومناقب أمير المؤمنين: الفاروق عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية، صفحة 18-21. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 402.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2399.
  8. سورة الأنفال، آية: 67.
  9. “فقه عمر بن الخطاب”، ar.islamway.net، 1-4-2015، اطّلع عليه بتاريخ 29-9-2017. بتصرّف.
  10. ابن الأثير الجزري (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 653، جزء 3. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 3683.
  12. ابن جرير الطبري (1387 هـ)، تاريخ الطبري (الطبعة الثانية)، بيروت: دار التراث، صفحة 205-206، جزء 4. بتصرّف.
  13. محمد رضا (1936)، تاريخ وسيرة ومناقب أمير المؤمنين: الفاروق عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية، صفحة 64-66.