بحث عن زيد بن حارثة
زيد بن حارثة
لمع خلال دعوة الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام العديد من الصحابة الكرام الذين غيّروا مسار الدعوة، والذين لولاهم لما وصل إلينا الإسلام بالطريقة التي وصل إلينا بها، ومن هؤلاء الصحابة زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه مولى الرّسول عليه الصلاة والسلام؛ إذ قام بتبنيه قبل البعثة، وزيد بن حارثة رضي الله عنه هو الصحابي الوحيد الّذي جاء ذكر اسمه في القرآن الكريم تكريماً له بعد قصّة التبني التي سنأتي على ذكرها بعد قليل.
اسمه ونسبه
هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافِ بن قضاعة.
أمه : سعدى بنت ثعلبة بن عبد بن عامر بن أفلت بن سلسلة بن عمرو بن سلسلة بن غنم بن ثوب بن معن بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
نشأته
كان زيد رضي الله عنه مع أمّه قبل بعثته صلى الله عليه وسلم حين خطف من بين يديها وهي في طريقها لزيارة أهلها، فبيع في سوق عكاظٍ وانتهى به الأمر بين يدي السيدة خديجة رضي الله عنها غلاماً لها، وعندما تزوجت من سيدنا محمدٍ وهبته له صلى الله عليه وسلم، وقد كان يعامله أفضل معاملة؛ إذ كان الناس ينادونه زيد بن محمد، وعندما أتى جماعةٌ من قومه عرفوه، فسارعوا بإخبار أبيه الذي أتى هو وعمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعتقوه، فاختار رضي الله عنه النبي بعدما رآه منه من حسن الخلق والتعامل على عمه وأبيه والحرية، وعندها خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وقال:” يا أهل قريش اشهدوا، هذا زيد ابني يرثني وأرثه”، فأصبح بعدها الناس ينادونه رضي الله عنه بزيد بن محمد.
وأمّا عندما نزلت الآية التي تحرم التبنّي عاد الناس ينادونه بزيد بن حارثة، وهو ما جعله يحزن على ذلك؛ إذ إنّ هذه مرتبةٌ عظيمةٌ وشريفةٌ قد أبطلت منه، فأن تكون ابن النبي صلى الله عليه وسلم وتنادى باسمه هو أشرف ما يمكن لمرءٍ تصوره، ولذلك ذكر الله تعالى اسمه في القرآن الكريم تطييباً لخاطره، فقال تعالى: “فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً“، وأمّا قصة هذه الآية فهي أنّ الناس كانوا يحرمون على أنفسهم زوجات أبنائهم في التبني كما تحرم زوجة الابن على الأب، وليبطل الرسول هذا الفكر، زوّج زينب بنت جحش إلى زيد بن حارثة فطلّقها وتزوجها عليه الصلاة والسلام بعده.
كان زيد بن حارثة رضي الله عنه من أوائل الناس الذين دخلوا الإسلام ومن أشدّ الناس دعماً له صلى الله عليه وسلم خلال دعوته، فكان أمين سرّه والقائد في غزواته، وقد كان ابنه أسامة يُلقّب بحب رسول الله وابن حبه، فقد كان يفرح عليه السلام فرحاً شديداً بلقائه ومقابلته فيشتاق إليه إذا غاب عنه أسبوعاً واحداً، وقد كان زيد بن حارثة رضي الله عنه هو الّذي رافق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ودفع عنه الحجارة التي رماها عليه الناس حتى جرح رأسه.
الغزوات التي شهدها
شهد زيد بن حارثة بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر، وكان من الرماة المعروفين. كما أرسل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم زيد بن حارثة أميراً في سرية إلى مكان يُسمى (الفَردة)، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً. ثم أرسله في سرايا أخرى، كانت الأولى إلى (الجَموم)، والثانية إلى (العيص)، والثالثة إلى (الطَّرَف)، والرابعة إلى (حشِمي)، والخامسة إلى (الفضافض)، وغيرهن من السرايا.
زواجه
زوَّج النبي صلّى الله عليه و سلّم زيد بن حارثة من زينب بنت جحش، فطلقها زيد، وتزوّجها من بعده النبي عليه الصلاة و السلام ، واختار لزيد زوجة جديدة هي ( أم كلثوم بنت عقبة ) .
و الحكمة من ذلك أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم كان قد تبنى زوجها زيد، وكان العرب يعتقدون أن آثار التبني هو نفس آثار البنوة الحقيقية، فيحل له، ويحرم عليه، ويرث، ويعامل كالابن الحقيقي تماماً من دون فرق. فأمر الله الرسول بالزواج من زوجة ابنه بالتبني هو للتخلّي عن هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم.
استشهاده
كان استشهاد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة؛ إذ إنّه كان أول القادة الثلاث الذين وضعهم عليه الصلاة والسلام في الغزوة، فعندما استشهد زيد رضي الله عنه في الغزوة والقادة الثلاثة ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهلهم ليعزيهم فعندما قدم إلى بيته رضي الله عنه تعلقت به ابنته وهي مجهشة بالبكاء، وكانت عندها المرة الوحيدة التي بكى فيها صلى الله عليه وسلم حتى انتحب أي ارتفع صوته، وهو ما وصفه عليه الصلاة والسلام ببكاء الحبيب على حبيبه، فقد كان زيد بن حارثة من أحب الناس إلى قلبه صلى الله عليه وسلم وأعزّهم مكانةً عنده قبل الإسلام وبعده.