أين دفن خالد بن الوليد
خالد بن الوليد
سيف الله المسلول، هكذا لقّب الرسول صلى الله عليه وسلم خالداً بن الوليد بعد معركة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة حين قاد المسلمين بإجماعهم في تلك المعركة بعد موت أمراء الجيش الثلاث الذين عينهم عليه الصلاة والسلام، فانسحب بهم في وجه مائتي ألف مقاتل وهم ثلاثة آلافٍ حينها، فانسحب بالمسلمين بخطةٍ عسكريةٍ لا يأتي بها في ذلك الوقت إلّا عقلٌ عسكريّ فذ، فجعلت تلك الخطة الروم يخشون من المسلمين، وجعلتهم يبدون هم المنسحبون من المعركة، وقد كسرت في تلك المعركة أكثر من تسعة سيوف.
كان رضي الله عنه من أعظم القادة الذين مرّوا في التاريخ الإسلامي وتاريخ العالم بأسره، وربّما أعظمهم، فكان من القادة القلائل الذين لم يهزموا في معركةٍ قط طوال حياتهم، فقاد خالد بن الوليد أكثر من مائتي معركةٍ انتصر فيها جميعها على قواتٍ تفوقه عدداً بأضعاف مضاعفة وتتحصّن بحصون شاهقة، وتمتلك أسلحة مخيفة وحتى قبل إسلامه، فكان هو من الأسباب وراء فتح الأمصار المختلفة؛ فهو سيف الله المسلول الذي سلّطه على أعدائه، فكيف لسيف الله أن ينكسر؟!
وفاة خالد بن الوليد
كانت وفاته رضي الله عنه عاديةً على فراش الموت، فبعد أن عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قيادة الجيوش وهو في قمة تألقه العسكري، أصبح خالدٌ في جيش أبي عبيدة رضي الله عنهما، وقد كان سبب عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لخالد ليس كما يًشاع بين الناس من مشاكل بينهما، فكلاهما صحابيان جليلان من خيرة الصحابة، ولكن عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد رضي الله عنهما قد حُصر في ثلاث أسباب كما اجتهد العلماء وأصحاب السير وهي:
- كان خالد بن الوليد شديداً، وطباعه في الشدة تشابه طباع عمر بن الخطاب بشكلٍ كبيرٍ جداً، فلما كان أبو بكرٍ رضي الله عنه خليفة المسلمين وكما نعرف أنّ طباع الصديق رضي الله عنه كانت تميل إلى اللين- كان يؤثر إبقاء خالد بن الوليد كنائبٍ له ليعتدل الأمر، فالحكم يجب أن يحتوي على الشدة واللين معاً، ولكن عندما تولّى عمر بن الخطاب الحكم أصبح أمر المسلمين كلّه فيه شدة إن كان من ناحية عمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد، فآثر عمر جعل أبي عبيدة نائباً له، والذي كانت طباعه تشبه طباع أبي بكرٍ في اللين.
- خالد بن الوليد كان يتصرّف بأموال الغنائم من دون الرجوع إلى الخليفة حتى في أيام أبي بكر الصديق.
- كان عزل عمر لخالدٍ رضي الله عنهما اجتهاداً منه خيفة أن يظن الناس أنّ الانتصارات المتتالية التي يحققها المسلمون والفتوحات هي من عند خالد بن الوليد وليس من الله تعالى، فهو الذي لم يخسر قط في حياته؛ فهو صاحب العقل العسكري الفذ الذي قلّما تجد مثله في التاريخ البشري بأكمله.
بعدما عُزل خالد بن الوليد عن القيادة انتقل إلى حمص والتي عاش فيها لما يقلّ عن أربع سنوات، فدفن هنالك وقبره في جامع خالد بن الوليد، فعندما توفي أصاب المسلمون حزنٌ شديد، وكان عمر بن الخطاب من أشدّهم حزناً على ذلك، وعندما توفي خالد بن الوليد قال كلمةً تبين ملامحه وتزلزل الأرض من تحت أقدام كلّ جبانٍ يفكر لحينٍ واحدٍ أن يتراجع أو يتخاذل عن الدفاع عن أرضه من أجل مصلحته أو خوفاً على نفسه من الموت، فقال رضي الله عنه: (لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء).