مكانة المرأة المسلمة

كمال الإسلام وشموليته

جعل الله تعالى الإسلام ديناً كاملاً، ونعمةً تامّةً امتنّ بها على عباده، حيث قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[١] وقد اكتسب الإسلام كماله من القواعد والأسس الربانية التي جاء من خلالها، فشكلت تلك القواعد في مجموعها منهج حياةٍ شاملٍ للبشرية كلّها، ومنهجاً يحقق مصالحها، ويهب لمن آمن به واتبعه حياةً طيبةً، تصان في تلك الحياة كرامته، وعقله، وعرضه، وماله، ونسله، ونفسه، وتطهره من كلّ مفسدةٍ، وشركٍ وعصيانٍ، ومن تمام عظمة الدين الإسلامي؛ أنّه جاء متوازناً، لم يطغ فيه جانبٌ على آخرٍ، وأنّه متكاملٌ ليس فيه نقصٌ من إحد الجوانب، فالدين الإسلامي لم يترك رغبةً جسديةً أو روحيةً للإنسان إلّا يسّر لها أفضل السبل الموصلة إلى غايته منها، خاطب الدين الإسلامي الإنسان بجميع ملكاته؛ من جسدٍ، وروحٍ، وعقلٍ، وفكرٍ، وشعورٍ، وشرّع لكلّ عنصرٍ من عناصر المجتمع ما يناسبه، فلم يغفل عن الرجل ولا عن المرأة، ولا عن الغني ولا عن الفقير، ولا عن القوي ولا عن الضعيف، بل عامل كلاً منهم بما يناسبه ويصلح له.[٢]

ومن تمام الإسلام وشموليته أنّ فيه من مقوّمات بقائه واستمراره الشيء الكثير، فإنّ أحكامه صالحةٌ لكل زمانٍ ومكانٍ، فإنّها تتوافق مع كلّ أحوال الإنسان، وإنّ في الدين الإسلامي البراهين والحجج الدالة على صدقه، وإنّ فيه جهاد السيف والسّنان، الذي يستمد قوته من ذات الحقّ الذي يدافع عنه، وإنّ الإسلام نسقٌ ربانيٌ متفردٌ، لا تتناقض أحكامه، ولا تختلف مقاصده، وقد ارتبطت جلّ أحكامه العظيمة بالأخلاق والآداب، وكانت أحكام المعاملات في الدين الإسلامي قائمةً على إقامة وتحقيق الحقّ والعدل، ومن كمال الدين الإسلامي أن جعل الله تعالى له تطبيقاً عملياً نافعاً وهو سيرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه الكرام، فكان تطبيقاً عملياً لما في الإسلام من أخلاقٍ رفيعةٍ، وتوثيقاً دقيقاً لما فيه من أحكامٍ ووصايا وتشريعاتٍ.[٢]

مكانة المرأة في الإسلام

من شمولية الإسلام وكماله أنّه لم يغفل عن المرأة في تشريعه وأحكامه، فقد جاء الإسلام رافعاً لشأن المرأة، ومكرماً لها كما لم تكّرم في أيّ دينٍ أو حضارةٍ قبله، فإنّ النساء في الإسلام شقائق الرجال، والأنثى من صغرها مشمولةً بأحكام الإسلام، التي تحفظ لها حقّها وكرامتها، فمنذ طفولتها حفظ لها حقّها في الرضاع، والرعاية، وحسن التربية، ثم لمّا كبُرت كانت عُززت عند أهلها، فأحاطها وليها برعايته ، فلم يسمح لأحدٍ أن يمُد إليها يد السوء أبداً، وعندما تزوجت جعل الله -تعالى- ميثاق زواجها ميثاقاً غليظاً، وأمر زوجها بإكرامها، والإحسان إليها، وعندما أصبحت أمّاً كان برّها من أوجب الواجبات؛ فهو مقرونٌ بحقّ الله تعالى، وكذلك إن أصبحت أختاً أو خالةً أو جدةً، فكان الإنسان مأموراً بصلتها، وبرّها، والإحسان إليها.[٣]

وقد كرّم الإسلام المرأة حين جعل لها حقّ التملّك، وحقّ الإجارة والبيع والشراء ونحو ذلك، وكفل الإسلام حق المرأة في التعلم والتعليم، بل من العلم ما هو فرضٌ على كلّ مسلمٍ ذكراً كان أم أنثى، كما أنّ من كمال الكرامة الممنوحة للمرأة في الإسلام، أن شرع الله -تعالى- لها من الأحكام ما يصونها ويحفظها من الألسن البذيئة، والأعين الخائنة، والأيدي التي تريد أن تمتد إلى المرأة بسوءٍ، فأمرها بالحجاب، وتجنب الاختلاط بالرجال، وغير ذلك مما يحفظ عليها عفّتها، وإنّ الإسلام يبيح للمرأة أن تفارق زوجها؛ إن ظلمها، وبغى عليها، وأساء معاشرتها، فلها أن تصطلح مع زوجها على شيءٍ معينٍ وتفارقه، وإنّ للمرأة في الشريعة الإسلامية حقّ في الميراث أيضاً، فلا يملك أحدٌ أن يمنعها إياه، والحاصل من كلّ ما سبق، أنّ المرأة المسلمة مكرمةٌ في الإسلام في كلّ أحوالها، وسائر حياتها، فتعيش في كنف والديها، ورعاية زوجها، وبرّ أولادها.[٣]

مظاهر تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء

كرّم الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- النساء في تعامله معهن، فكان في منهجه وسيرته -صلّى الله عليه وسلّم- أسوةً حسنةً، ومنهجاً سوياً لمن أراد أن يعلم قدر النساء، وكيفية التعامل الشرعي معهن، وفيما يأتي بيان ذلك:[٤]

  • خصّص النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للنساء يوماً خاصاً بهنّ؛ ليعلمهن به أمور الدين.
  • بيّن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ للفتاة أن تختار شريك حياتها بنفسها، فليس لأحدٍ أن يفرض عليها زوجاً ما لم تقبل به، فقد ورد أن فتاةً قدمت إلى عائشة رضي الله عنها، فأخبرتها أنّ أباها أجبرها على الزواج بابن أخيه، وهي له كارهةً، فأجلستها عائشة -رضي الله عنها- إلى حين قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جاء أخبرنه بما حصل، فدعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والد الفتاة، وأخبره أن يجعل الأمر إليها، فقالت الفتاة: (قد أجَزتُ ما صنَعَ أبي ولَكِن أردتُ أن تعلَمَ النِّساءُ أن ليسَ للآباءِ منَ الأمرِ شيءٌ).[٥]
  • أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنساء خيراً، في آخر وصاياه يوم حجة الوداع، فقال: (استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا).[٦]
  • أوضح النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ المرأة لا تقل مسؤوليةً أمام الله -عزّ وجلّ- عن الرجل، فكلاهما مسؤولان عن رعيتهما يوم القيامة، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّكم راعٍ ومَسؤولٌ عن رَعيَّتِه؛ فالإمامُ راعٍ ومَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والرَّجلُ في أهلِه راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والمرأةُ في بيتِ زَوجِها راعيةٌ وهي مَسؤولةٌ عن رعيَّتِها).[٧]
  • دعوة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للرفق بالنساء، فقد شبّه النبي النساء بالقوارير؛ للدلالة على رقّتهن، وسهولة كسرهن.

المراجع

  1. سورة المائدة، آية: 3.
  2. ^ أ ب إيهاب كمال أحمد (2014-4-29)، “منزلة الشريعة الإسلامية وارتباط أحكامها بالأخلاق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-20. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد بن ابراهيم الحمد، “من صور تكريم الإسلام للمرأة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-20. بتصرّف.
  4. د. أمينة نايت سي (2017-3-13)، “منهج تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المرأة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-20. بتصرّف.
  5. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 160، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 960، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2558، صحيح.