شروط كفالة اليتيم
كفالة اليتيم
جعل الإسلام الإحسان لليتيم وكفالته من أبواب الخير العظيمة، وحثّ المسلمين على المسارعة إلى كفالة الأيتام ورعاية مصالحهم، وذلك تعويضاً لهم عن ما خسروه من حنان الأب، ولا يشترط في الكفالة أن يعيش اليتيم في بيت كافله وتحت جناحه، إنّما يكفي أن يتولّى الكافل كفاية اليتيم ماديّاً والقيام على شؤونه وإن كان في مكان آخر،[١] كما تتمثل الكفالة برعاية اليتيم أخلاقيّاً ودينيّاً والإحسان إليه حتى يكبّر؛ فإن كان بنتاً حتّى تتزوج، وإن كان ذكراً حتى يبلغ مبلغاً يستطيع به أن يعيل نفسه.[٢]
شروط كفالة اليتيم
لكفالة اليتيم العديد من الشروط، ومنها ما يأتي:
- يُشترط في كفالة اليتيم أن تكون من قِبل شخصٍ حيّ ولا تكون من الميّت، فإن كفل الحيّ اليتيم كان له أجرُ كفالته.[٣]
- يشترط أن يُطعم الوصيّ اليتيم من مالٍ حلال ويجتنب المال الحرام.[٤]
- يعتبر اليتيم صاحب المال ومالكه، ولا يجوز التصرّف في مال اليتيم إلّا بحق شرعيّ، وعلى الوصيّ أن يصرف هذا المال فيما يخصّ اليتيم من أموره ومصالحه فقط، وإن تصرّف الوصيّ بمال اليتيم بغير وجه حقّ يكون بذلك قد ارتكب كبيرة من الكبائر، وقد وصف الله -تعالى- ذلك في قوله: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا).[٥][٦]
- يشترط في كفالة اليتيم أيضاً ألّا ينسب اليتيم إلى كافله، وإنّما يرعاه الكافل في بيته أو في غير بيته، والفرق بين المُتبنّي وكافل اليتيم يكمن في أنّ المتبنّى ينسب للأهل الذين تبنّوه، ويطعمونه من طعامهم ويصرفون عليه من مالهم سواء كان حلالاً أم حراماً، أمّا الكفيل في حالة اليتيم فهو منعمٌ على اليتيم بعد الله -تعالى- يؤدّي بذلك عبادة رغّب الله -تعالى- بها، وعندما يبلغ اليتيم الحُلُم يجب أن تتحجب نساء الكافل وبناته عليه ويفصلون عنه،[٧] فيكون بلوغ الصبيّ بالاحتلام، ويخرج بذلك من كونه يتيماً؛ ويصبح رجلاً مكلفاً، لكنّ تصرّفه في ماله مقيّد بالرشد والبلوغ وزوال السفه، وذلك لقوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).[٨][٩]
وقد وصّى الله -سبحانه- المتعامِل مع اليتيم بالإحسان إليه، وترك ظلمه والتسلّط عليه، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)،[١٠] واستعمال لفظة القهر فيه إيحاء إلى أنّ القهر ليس فقط أن يظلم اليتيم ويُمنع حقّه، إنّما قد يكون بكلمة أو لفتة أو نبرة يشعر معها اليتيم بالقهر والحزن كونه يتيماً وكون هناك ما ينقصه،[١١] ويقع الكافل في ذنب عظيم إن لم يراعِ مشاعر اليتيم الذي يكفله؛ فاليتيم يتأثّر بأقل كلمة، وقد ينظر اليتيم إلى معاملة الكافل لأولاده فيقع شيء في نفسه إذا أحسّ بفرق المعاملة، فيجب أن يراعي الكافل ويحاذر في كلماته وأفعاله مع اليتيم حتى لا يقع في القهر، حيث تحتاج الكفالة الكثير من الرحمة والطيبة والكرم والحنو والإحسان؛ فيُعامل اليتيم معاملة الابن،[١٢] ويعتبر حرمان اليتيم من حاجاته، أو توجيه كلمة سيئة له، أو التصرف في ماله وتبذيره وإتلافه، أو أيّ إساءة نفسية أو مادية توجّه له هي نوع من أنواع الظلم، وقد جعل الله -تعالى- ظلم اليتيم صفة من صفات الذي يكذّب بالدين، وذلك في قوله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).[١٣][١٤]
والوصاية على اليتيم لها مقتضيات في الشرع؛ أوّلها أن يتوّلى الوصيّ تعليم اليتيم، وتأديبه، ورعاية صحته الجسدية، والسعي على مداواته إن احتاج، وتعليمه حرفة أو مهنة يتكسّب منها ويعيل نفسه منها، وتزويجه أيضاً، وثاني مقتضيات الولاية أن تُحفظ أموال اليتيم، وتستثمر بالحلال، والنفقة عليه من ماله؛ أي من مال اليتيم، وإن لم يكن لليتيم مال كانت نفقته على من تجب عليه.[١٥]
فضل كفالة اليتيم
كفالة اليتيم باب من أبواب الخير وهي عبادة عظيمة حثّ عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ووعد كافل اليتيم بالأجر العظيم والجزيل يوم القيامة،[١٦] وهي سبب في تطهير المال وتزكيته وجعله نِعمة في يد صاحبه، ينفقها في وجوه الخير،[١٧] وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- كفالة اليتيم هي إحدى مصارف الصدقة والإنفاق في الخير، قال الله -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٨][١٩]
وقد ورد في نصوص السيرة النبوية عدد من الأحاديث التي تبيّن فضل كفالة اليتيم؛ ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- الذي يبيّن أنّ من أجر كافل اليتيم أن يحظى بالقرب منه في الجنّة؛ فقد قال -عليه السلام-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى)،[٢٠] كما وقال -صلى الله عليه وسلم- :(السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)،[٢١][٢٢] ومن اتّقى الله -تعالى- في اليتيم ورعاه وأحسن إليه وأدّى إليه حقّه فقد حاز من خير الدنيا وخير الآخرة؛ ففي الدنيا يعجّل الله -تعالى- له في البشرى؛ بالهناء والسعادة والخاتمة الحسنة الطيبة.[٢٣]
المراجع
- ↑ “كفالة اليتيم.. فضلها وكيف تتحقق”، www.islamweb.net، 29-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة للنشر، صفحة 248، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، فتاوى منوّعة، صفحة 46، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 255، جزء 45. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 2.
- ↑ “حول كفالة اليتيم”، www.islamweb.net، 24-6-2000، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020. بتصرّف.
- ↑ “الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم”، islamqa.info، 20-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 6.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 25، جزء 255. بتصرّف.
- ↑ سورة الضحى، آية: 9.
- ↑ عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، التفسير البياني للقرىن الكريم (الطبعة الرابعة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 52، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع للشنقيطي، صفحة 9، جزء 255. بتصرّف.
- ↑ سورة الماعون، آية: 1-3.
- ↑ محمد الأمين الشنقيطي (1995)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، بيروت: دار الفكر، صفحة 567. بتصرّف.
- ↑ أ.د.عَبد الله بن محمد الطيّار، أ.د.عبد الله بن محمّد المطلق، د.محمَّد بن إبراهيم الموسَى (2011)، الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، الرياض: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 143، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ د. راشد حسين عبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة الرابعة)، المملكة العربية السعودية: دار الصميعي ، صفحة 265. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 3264، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 215.
- ↑ د. حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك (الطبعة الأولى)، الضفة الغربية: مكتبة دنديس، صفحة 229، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6005، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5353 ، صحيح.
- ↑ محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد صالح المنجد، صفحة 18، جزء 255. بتصرّف.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي ، شرح زاد المستنقع، صفحة 9، جزء 255. بتصرّف.