كيفية العدل بين الزوجات

العدل منهج نبويّ

يُعدّ موضوع العدل بين الزّوجات موضوعاً بالغ الأهمّية في شريعتنا الإسلاميّة، فالشّريعة تنظر إلى الأسرة على أنّها النّواة الرئيسية لتكوين مجتمع إسلامي فاضل، وأنّ الحياة الإسلامية تقوم على أداء الحقوق والتزام الواجبات، ومن هنا أباح الإسلام للرّجل أنْ يتزوّج مثنى، وثُلاث، ورُباع؛ شرط تحقيق العدالة في التّعامل مع الزّوجات، والعدالة المطلوبة تكون في التّعامل، والمسلك، والقسمة الماديّة، خلافاً للقسمة القلبيّة؛ ذلكم أنّ القلوب بيد الله تعالى، وقد يميل الزّوج إلى إحدى زوجاته دون الأخرى بسبب المحبّة القلبيّة، لذا لا يُؤاخَذ الرجل في قسمة المحبّة بين زوجاته.

وقد كان النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوةً للمسلمين في العدلِ بين زوجاته، إلا أنّه كان يميل قلبيّاً إلى السّيدة عائشة -رضي الله عنها- أكثر من غيرها، وقد استأذن -عليه السّلام- نساءَه حين كان في مرضه الذي توفّيَ فيه، أن يُمَرَّضَ في بيت السّيدة عائشة رضي الله عنها، فأَذِنَّ له، فبقي عندها حتى توفّي عليه الصّلاة والسّلام، ودُفِن في حجرتها، ويتساءَل الكثيرون عن كيفيّة العدل بين الزوجات، وما هو العدل المطلوب؟

تعريف العدل

  • العدل لغة: العدل في لغة العرب مُشتقٌّ من أصول ثلاثة، وهي: الواو، والعين، والدّال، ويعني الحكم بالاستواء، وهو نقيض الجَوْر؛ فنقول: يعدِلُ بين الرّعية، والمُشرِك يعدِلُ بربّه؛ أي: يُسوّيه بغيره.[١]
  • العدل بين الزوجات: هو أن يعدل الرجل بين زوجاته، ويُسوّي بينهنّ في الواجب عليه شرعاً من النّفقة، والكسوة، والمبيت، وما أشبه ذلك ممّا يقتضيه العرف بين الناس.[٢]

الحكمة من تعدّد الزوجات

أباح الإسلام تعدّد الزوجات لحِكَم عديدة، منها: [٣]

  • تتعرّض المرأة شهرياً للحيض، وهي مدّة لا يحلّ للرّجل فيها جماعها، وبعض الرّجال لا يصبرون على ذلك؛ فجاء التّعدّد تحصيناً لهم من الوقوع في الفاحشة.
  • لمّا كان النّكاح سبباً في التّناسل والتّكاثر، واعترى العقم بعض النّساء، جاء التّعدد؛ تلبيةً لرغبة الزّوج في الذرّية، مع الحفاظ على زوجته العقيم، دون حاجة إلى طلاقها.
  • جاءت إباحة التّعدّد منسجمةً مع حقيقة أنّ عدد النساء في الأعمّ الأغلب أكثر من الرّجال، ولولا إباحة التّعدد لزادت عنوسة النّساء.
  • يُعدّ تعدّد الزوجات سبباً في تكثير نسل الأمة الإسلاميّة، وزيادة عددها، ممّا يؤدّي إلى زيادة هيبتها وشأنها بين الأُمَم.
  • من أعظم مقاصد إباحة التّعدد تحصين المسلمين رجالاً ونساءً من الوقوع في المفاسد، والانحدار في مستنقع الرّذيلة والفاحشة، وحماية لهم من الأمراض والعلل البدنيّة التي تنتج عنها تلك المفاسد.

العدل بين الزوجات

لم يترك الإسلام مسألة تعدّد الزوجات بعد إباحتها دون تنظيم أو تشريع يضمنُ استقرار الحياة الزوجيّة، بل أعطت الشريعة الإسلامية هذه المسألة اهتماماً كبيراً، يظهر من خلاله التّشديد على أداء الحقوق الشرعية للزوجة، دون تمييز بينها وبين زوجات زوجها الأُخريات، من حيث:[٤]

  • إلزام الإسلام الزوج المُعَدِّد القسمة بين زوجاته في المبيت: حيث لا يطغى حقّ إحداهنّ في المبيت على الأخرى، ولم يُخالف أحدٌ من جمهور العلماء هذا الرأي، ولا تُقصَد بالمبيت ضرورة الجِماع، إذ إنّ الجِماع حقٌ للزوج والزّوجة، لكنّه يجوز له أنْ يجامع إحداهنّ أكثر من الأخرى؛ شرط أنْ تستكفي الأخرى؛ وذلك لأنّ منشأ الجِماع الشهوة والميل، وهذا لا سبيل إلى العدل فيه، وإن استطاع العدل بالجِماع، كان أحسن وأَولى.
  • العدلُ بتأمين السّكن لأزواجه، ويكون السكن على قدر يسره وإعساره، وحدّه الأدنى أن تكون لها غرفة تؤويها، وتحمي متاعها، وتحفظ حقّها بالاستمتاع بعيداً عن الخوف من انعدام السِّتر، ويُشترَط أنْ يكون للغرفة غلْقٌ ومرافق، كمكان للطبخ، وقضاء الحاجة، وليس للزّوج أن يجمع زوجاته في بيت واحدٍ بغير رضاهنّ؛ لأنّ ذلك يثير العداوة والخِصام بينهنّ، ويجوز الجمع بينهنّ في مسكن واحدٍ برضاهنّ، لأنّه حقٌ لهما، وهنّ صاحبات الحقِّ بالمسامحة، مع التنبيه إلى أنّ هذا لا يعني جواز معاشرة إحداهنّ بحضرة الأخرى.
  • العدل بين زوجاته في النّفقة والكسوة بما يكفي كلّ واحدة منهنّ، والضّابط الشرعيّ للنفقة والكسوة هو المعروف؛ لاختلاف قدرات الأزواج على تحقيقه بشكل ثابت؛ فيكون على قدر سعة الزّوج وإمكانه، لكنّ الحقّ واجب على الزوج، وثابت بإجماع أهل العلم، على أنّه يجوز للزوج تخصيص إحداهنّ بهديّة، أو كسوة، أو غيره، شرط أن يكون قد حقّقَ كفاية زوجاته الأخريات.

ميل القلب لإحدى الزوجات

لم يشترط الإسلام على الزّوج العدالة في الميل القلبيّ؛ لأنّه خارج عن إرادته، ولا حُكْم للزوج على الميل القلبيّ، لذا جعل الإسلام الميل القلبي من الأمور التي لا حرَج على الزوج المُعدِّد فيها؛ إذ إنّ للتّعلق بواحدةٍ من زوجاته دون أخرى أسباباً تفرض هذا التعلق، وهذه الأسباب قد لا تتوفّر في الأخرى، ولكنْ يُستحسَن من الزوج أنْ يُروّض نفسه على الإحسان إلى كلّ زوجاته، والتغاضي عمّا لا يوافق هواه من مسلكها؛ فتحصل بذلك الأُلفة، وتزيد المحبة.[٥]

وقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قولها: (كان رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- يَقسمُ، فيعدلُ، فيقول: اللَّهمَّ هذه قِسمتي فيما أملكُ، فلا تَلُمني فيما تملكُ ولا أملكُ)،[٦] وقد دلّ الحديث على أنّ التسوية بين الزوجات في المحبّة غير واجبة، وجاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال في قوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)،[٧] أي: في الحبّ والجِماع.[٨]

المراجع

  1. أحمد بن فارس (1979)، معجم مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة: 246-246، جزء: 4. بتصرّف.
  2. مركز الفتوى (13-7-2004م)، “ما يجب على الزوج في العدل بين الزوجات وما لا يجب”، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
  3. ضياء الدين أديب (21-4-2014م)، “حكمة تعدد الزوجات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
  4. إحسان العتيبي، “مفهوم العدل بين الزوجات”، www.saaid.net<ح/i>، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
  5. جمعية التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية (وئام) (18-10-2016)، “العدل بين الزوجات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
  6. رواه ابن حزم، في المحلى، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 8/128، محتجٌّ به.
  7. سورة النساء، آية: 129.
  8. محمد المباركفوري، تحفة الأحوذي، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة: 247-248، جزء: 4. بتصرّف.