كيف يتم الطلاق شرعاً

كيف يتم الطلاق شرعاً

هناك ألفاظ مستعملة يقع بها الطلاق، وهي على النّحو التالي على مذهب جمهور العلماء: (1)

  • أن يكون الطلاق صريحاً مُوجّهاً إلى الزّوجة أو الأمة، مثل قول الرّجل لزوجته: أنت طالق، وهنا يقع الطلاق قضاءً، حتى لو لم ينوه الرّجل، وفي حال وقع الطلاق بالقضاء فإنّه يقع بالدّيانة على سبيل التّبع.
  • أن يكون الطلاق بالكناية، مثل قول الرّجل لزوجته: الحقي بأهلك ونحوه، فهنا يقع الطلاق في حال نواه الرّجل.
  • أن يكون الطلاق بلفظ أجنبي، لا صريح ولا كنايةً، مثل قول الرّجل لزوجته: اسقني الماء ونحوه، فهنا لا يقع الطلاق حتى ولو نواه الرّجل.

والخلاف في مسائل الطلاق يرتفع بحكم القاضي، وفي حالة المخطئ الذي يثبت سبق لسانه فإنّ الطلاق لا يقع، وإن لم يثبت ذلك قُبل بالفتوى من دون القضاء، وطلاق الملقّن الذي لا يفهم مثل الأعجمي لا يقع، وذلك لعدم قصده بأن يوقع الطلاق، والطلاق الصّريح لا يحتاج إلى نيّة، فهو يقع سواءً أنواه الزّوج أم لم ينوه، ولا يقع الطلاق الصّريح في حال لم يعيّن المتلفظ به زوجته.

وإنّ الطلاق في القضاء يقع بكلّ لفظ يدلّ عليه، أمّا ديانة فيما بين الإنسان وربّه، فيجب ان ينويه حتى يقع الطلاق به، حتّى وإن كان صريحاً، إلا في حال نواه، لأنّ الأعمال بالنيّات، ولكن في حكم القاضي بوقوع الطلاق فإنّه يقع ديانةً وقضاءً في هذه الحالة.

ويعتبر لفظاً صريحاً في الطلاق كلّ لفظ لا يتمّ استخدامه إلا عند حلّ عقدة النّكاح، وذلك في عرف كلّ من نطق به، وسمعه، ومن وجّه إليه، وذلك أيضاً بناءً على الوضع اللغوي للفظ، أو عرف النّاس في استخدام هذا اللفظ في حالات الطلاق.

وأمّا حكم التلفظ باللفظ الصّريح في حالة الطلاق فهو أنّ الطلاق يثبت ويقع به، وذلك مادام أنّ من نطق به يعرف دلالته، وليس شرطاً أن ينوي الطلاق به، وذلك لأنّ اللفظ يكون في هذه الحالة صريحاً في الدّلالة، وهذا بإجماع العلماء والفقهاء.

شروط وقوع الطلاق

هناك شرطان أساسيّان لوقوع الطلاق، وهما: (1)

  • أن يقصد الرّجل لفظ الطلاق عند التلفظ به، ففي حال قصد لفظاً آخر، وسبق لسانه لقول لفظ الطلاق، فإنّ الطلاق لا يقع، إلا في حال كانت هناك قرينة تدلّ على هذا الأمر، لأنّ اللسان إذا سبق لفظ الطلاق فإنّه يعتبر لغواً، لأنّه في هذه الحالة لم يكن يقصد اللفظ، لكنّه يؤاخذ به، كأن يدعو الرّجل زوجته غلى فراشه بعد طُهرها من الحيض، ورغب في قول: أنت الآن طاهرة، فسبق لسانه وقال لها: أنت الآن طالقة، فإن ظنّت المرأة صدقه في دعواه السّابقة، فإنّ لها مصادقته، أي أن تقبل قوله، وكذلك الشّهود الذين سمعوا الطلاق منه.
  • أن يقصد الرّجل معنى الطلاق، حيث أنّ معنى الطلاق هو أن يتمّ حلُّ عقدة النّكاح والعصمة الزّوجية، وفي حال انعدم هذا الشّرط فإنّ ذلك يمنع أن يقع الطلاق في حالة وجدت الدّلالة على أنّ الرّجل الذي تلفظ بلفظ الطلاق لم يُرد أن يتمّ وقوع الطلاق به، وأمّا في حال لم توجد القرينة فإنّ الطلاق الصّريح بقع، ولو قام الرّجل بالادّعاء عدم رغبته في حلّ عقدة النّكاح، ومثال ذلك من قال لزوجته: أنت طالق، وقال بعد ذلك: إنّما كنت مازحاً هازلاً، فإنّه لا يؤخذ بقوله، ويقع الطلاق حينها.

لماذا شرع الله الطلاق

لقد شرع الإسلام الطلاق لأسباب اجتماعيّة مهمّة جدّاً، مثل الحالات التي يكون فيها نزاع وشقاق بين الأزواج، حيث تتقطّع بهم علائق الزّوجية، ويحلّ مكانها الكراهيّة، والنّفور بين الأزواج، وفي حين لم يتمكّن المصلحون من إزالة هذه الأسباب، وفي هذه الحالة يكون الطلاق هو الحلّ لمثل هذه الأزمات، وإلا تحوّلت الحياة الزّوجية إلى أمر غير مرغوب، ولا يتتحقّق المودة والرّحمة في هذه الحالة بين الزّوجين.

قال سيد سابق في فقه السنة:” قال ابن سينا في كتاب الشفاء: ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسدّ ذلك من كلّ وجه، لأنّ حسم أسباب التّوصل إلى الفرقة بالكليّة يقتضي وجوهاً من الضّرر والخلل، منها: أنّ من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشرّ، والنّبؤ (أي الخلاف) وتنغّصت المعايش. ومنها: أنّ النّاس من يمنى (أي يصاب) بزوج غير كفء، ولا حسن المذاهب في العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، فيصير ذلك داعيةً إلى الرّغبة في غيره، إذ الشّهوة طبيعية، ربّما أدّى ذلك إلى وجوه من الفساد، وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النّسل، فإذا بدّل بزوجين آخرين تعاونا فيه، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل، ولكنّه يجب أن يكون مشدّداً فيه “. (2)

أحكام الطلاق

إنّ للطلاق مجموعةً من الأحكام الخاصّة به، وهي على النّحو التالي: (3)

  • حكم الوجوب: أي أن يقوم الرّجل بمؤالاة زوجته، بمعنى أن يحلف عليها أن لا يطأها، ثمّ تمضي عليه أربعة أشهر وهو لم يطأها بعد، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يطلقها، وذلك لقول الله تعالى:” لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ , وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “.
  • حكم النّدب: ومعنى ذلك ان يكون هناك خلاف شديد بين الزّوجين، وأن تطول مدّته، وبالتالي فإنّه من المستحبّ لهما أن يتطلقا.
  • حكم الجواز: ومعنى ذلك أن تكون هناك مسبّبات تقتضي حدوث الطلاق بين الزّوجين، مثل دفع بعض الضّرر أو جلب المنفعة لأحد الزّوجين، وبالتالي فإنّه يجوز لهما أن يتطلقا.
  • حكم الحرمة: ومعنى ذلك أن يكون الزّوج غير صاحب قدرة على الزّواج مرّةً أخرى في حال قام بتطليق زوجته، وبالتالي يخشى على نفسه من أن يقع في الزّنا أو الحرام، فهنا يحرم عليه الطلاق.
  • حكم الكراهة: ومعنى ذلك أن يكون بين الزّوجين حالة وئام وصلاح، وأن يكون كلّ منهما قائماً بما على صاحبه من حقوق، ففي هذه الحالة يكره الطلاق لهما.

المراجع

(1) بتصرّف عن كتاب أحكام الألفاظ وأحكام الطلاق والأيمان والنذور/ أبو الفيصل البدراني/ الجزء الأول.

(2) بتصرّف عن فتوى رقم 73889/ مشروعية الطلاق وراءها حكم عديدة/ 1-5-2006/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

(3) بتصرّف عن كتاب النكاح والطلاق أو الزواج والفراق/ جابر بن موسى أبو بكر الجزائري/ مطابع الرحاب/ الطبعة الثانية.