وسائل المحافظة على البيئة في الإسلام ومحاربة التلوث

الإسلام والكون

إنّ المسلم يتعرّف على ما حوله في الكون استناداً إلى ما بيّنه القرآن الكريم والسنّة النبويّة من نصوصٍ زاخرةٍ عظيمةٍ، تبيّن عجيب صنع الله تعالى في الكون والمخلوقات، وتوضّح المهمّة التي خُلِق الإنسان من أجلها، وما سيؤول إليه في النهاية، ويبدأ إيمان الإنسان بإيمانه بأنّ كلّ ما في الكون من صُنع الله تعالى، وكذلك خَلق الإنسان، حيث قال الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ)،[١] فلا بدّ على المسلم أن يتفكّر في خَلق الله تعالى، فقوة الإنسان وقوة الكون من ذات المصدر، وذات الحكم؛ أي الله تعالى، فيجب على المسلم الإيمان بأنّ الله تعالى خَلق كلّ ما في الكون من قوى؛ لتعاونه وتساعده ليكون خليفةً لله على أرضه، وعليه التأمّل فيها، والتعرّف عليها، والتفكّر فيها، كما أنّ الكون بما فيه من السماوات والأرض خاضعٌ ومتذلّلٌ لله تعالى، حيث قال الله سبحانه: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)،[٢] ومن الجدير بالذكر أنّ الكون من أقوى الأدلة على قدرة الله تعالى في الخَلق والإبداع، وهو حجّةٌ على المشركين والملحدين، حيث قال الله تعالى: (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)،[٣] كما أنّ الله تعالى سخّر كلّ ما في السماوات والأرض؛ لخدمة الإنسان الذي كرّمه وامتّن عليه بذلك، حيث قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ)،[٤] ووصف الله تعالى الكون بأنّه مُستقَر الإنسان ومتاعه، حيث قال: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)؛[٥] أيّ أنّ الأرض موضع استقرارٍ للإنسان، وفيها كلّ ما يحقّق الاستمتاع له إلى حين انتهاء أجله، أو انتهاء الحياة الدنيا.[٦]

المحافظة على البيئة في الإسلام

يشمل مصطلح البيئة في الإسلام جميع مناحي الحياة؛ فالبيئة هي كلّ ما يحيط بالإنسان من الموجودات، أي من الماء والهواء والكائنات الحيّة والجمادات، كما أنّها الطبيعة التي يمارس فيها الإنسان حياته ونشاطاته المختلفة، وبذلك تتكوّن البيئة المشيّدة، التي تشمل البيئة الأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والتكنولوجيّة، القائمة على نظامٍ دقيقٍ وضعه الله تعالى، حيث قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)،[٧] إلا أنّ الإنسان قد يفسد النظام الدقيق ويلوثه؛ ولذلك فقد وضعت الشريعة الإسلاميّة العديد من القواعد والمبادئ التي تحثّ على المحافظة على البيئة، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[٨]

  • عزّز الإسلام عاطفة المحبّة والمودّة بين الإنسان وبين ما حوله من الكائنات الجامدة والحيّة، وذلك ما كان عليه الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- والصحابة رضي الله عنهم، حيث ورد عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال وهو عائدٌ من غزوة تبوك إلى المدينة المنوّرة: (هذه طابةُ، وهذا أُحدٌ، جبلٌ يُحبنا ونحبُّه)،[٩] وكان بلال بن رباح -رضي الله عنه- يحنّ إلى مكّة المكرّمة، وما فيها من الجبال والنباتات والأودية والمياه.
  • استنبط الفقهاء والأصوليّون عدداً من القواعد الفقهيّة ممّا لها علاقةٌ بالمحافظة على البيئة، وعدم تلوّثها، منها: قاعدة ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجبٌ، وقاعدة ما أدّى إلى حرامٍ فهو حرامٌ، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله أو بأكبر منه، وقاعدة درء المفاسد مقدّمٌ على جلب المصالح، وبناءً على ذلك فلا يجوز مثلاً دفن النفايات النوويّة في الأرض؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى إتلاف التربة، وذهاب خصوبتها، وتفشّي الأمراض.
  • نهى النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عن الإسراف والتبذير في استعمال الماء، وذلك النهي يشمل أيضاً الطهارة والوضوء، وممّا يدل على ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول، أنّه قال: (لا يَبولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْري، ثم يغتَسِلُ فيه)،[١٠] فالماء من مقوّمات الحياة على الأرض، كما أنّ الإسلام نهى عن التسبّب بتلويث الهواء، استناداً إلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ومن الوسائل التي بيّنها النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في سبيل ذلك حثّه على التشجير، بزرع الأشجار والنخيل؛ لما فيها من المناظر الجماليّة، والظلّ والغذاء للإنسان والحيوان والطيور، ففي ذلك نيلٌ للأجر العظيم من الله تعالى، حيث روى الإمام البخاريّ أنّ الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (ما من مسلِمٍ يغرسُ غرسًا أو يزرعُ زرعًا فيأْكُلُ منْهُ طيرٌ أو إنسانٌ أو بَهيمةٌ إلَّا كانَ لَهُ بِهِ صدقةٌ)،[١١] كما أمر النبيّ بقطع الأشجار الموجودة في طريق الناس التي تسبّب الأذى لهم، وحثّ أيضاً على إماطة الأذى عن الطريق، والمحافظة على نظافة وطهارة الأماكن والأفنية المختلفة، وذلك من المسؤوليات المتعلّقة بالأفراد والجماعات.[١٢]

الإنسان والبيئة

ضبطت الشريعة الإسلاميّة علاقة الإنسان بالبيئة وفق مفهومين؛ الأول منهما تسخير ما في الكون للإنسان لمساعدته في القيام بمهمة الاستخلاف في الأرض، والثاني منهما الاعتدال في استثمار موارد البيئة ومنافعها، فالبيئة من الأمانات لدى الإنسان التي يجب عليه صيانتها ورعايتها؛ فهي من الملكيّات العامّة لكلّ الناس، وفي المحافظة على البيئة ضمانٌ لبقاء الكون واستمراره واستقامة الموازين والأمور القائمة عليها، وبذلك يتمكّن الإنسان من القيام بالمهمات المنوطة به، المتمثّلة بعبادة الله تعالى بالقيام بكلّ ما يحبّه الله تعالى من الأقوال والأفعال، والخلافة في الأرض التي تتحقّق بنشر العدل وإقامة الحقّ، وعمارة الأرض التي تتمّ بالغرس والتشجيير والتأثير والإصلاح ومنع الفساد.[١٣]

المراجع

  1. سورة النحل، آية: 3-4.
  2. سورة فصلت، آية: 11.
  3. سورة لقمان، آية: 11.
  4. سورة لقمان، آية: 20.
  5. سورة البقرة، آية: 36.
  6. “نظرة الإسلام إلى الكون”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2018. بتصرّف.
  7. سورة النمل، آية: 88.
  8. “موقف الإسلام من العبث بالبيئة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2018. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي حميد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 4422، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 239، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2320، صحيح.
  12. “النبي صلى الله عليه وسلم والبيئة”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2018. بتصرّف.
  13. “علاقة الإنسان بالبيئة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2018. بتصرّف.