صفات القائد الناجح في الإسلام

القيادة في الإسلام

عرّف العالم أوردوي تيد القيادة بأنّها: النشاط الذي يقوم به الشخص ويصدر منه؛ للتأثير على غيره من الناس والأشخاص، وذلك ليتعاونوا في تحقيق الأهداف التي يرغبون بها، وبناءً على التعريف السابق يتّضح أنّ القيادة تتكوّن من ثلاثة عناصر؛ وهي: وجود مجموعةٍ من الأفراد، ووجود فردٍ من الجماعة يؤثّر عليها، والسعي لتحقيق أهدافٍ مشتركةٍ بينهما، أمّا القيادة في الإسلام: فهي السلوك والتصرّف الذي يقوم به المتصدّر لمنصب الخلافة خلال تفاعله مع غيره من الأفراد، فالقيادة في الإسلام عمليّةٌ سلوكيّةٌ، ونشاطٌ تفاعليٌّ للتوجيه والتأثير، كما أنّها مركزٌ للقوة، ومن الجدير بالذكر أنّ القيادة في الإسلام ليست قيادةً مستبدّةً وظالمةً، أو فوضويّةً، وإنّما قيادةٌ قائمةٌ على مبادئ الإسلام، والعقيدة الراسخة، والشورى في اتخاذ القرارات؛ إذ إنّ القرآن الكريم بيّن أهميّة وضرورة التشاور مع أهل العلم والمعرفة، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)،[١] ومن أهمّ المبادئ التي تقوم عليها القيادة في الإسلام؛ العدل، فمن الواجب على القائد أن يتعامل مع غيره بعدلٍ وإنصافٍ، على اختلاف اللون والجنس والأصل، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ)،[٢] كما على القائد أن يتقبّل النقد البنّاء ممّن يرأسهم، حيث إنّ التعبير عن الآراء وإبدائها من حقّهم، والقدوة في القيادة، وخير مثالٍ على القائد الناجح: النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد وردت العديد من الآيات القرآنيّة التي توجّه الرسول في أمور القيادة، حيث قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)،[٣] فكان تعامل الرسول مع غيره باللين واللطف، والعفو عن الصحابة، والدعاء والاستغفار لهم، والتشاور معهم.[٤]

صفات القائد الناجح في الإسلام

يجب على القائد أن يتحلّى بالعديد من الصفات التي تجعل منه قائداً ناجحاً، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:[٥]

  • الإيمان بالله تعالى وطاعته والقيام بأوامره، والحرص على الإخلاص في العمل، فقد قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).[٦]
  • علوّ الهمة والقوة، والسموّ في الغايات والأهداف، وبيان المنهج والطريق ووضوحهما، وطهارة الاعتقاد وسلامته من الشوائب، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ).[٧]
  • تقدير الأشخاص والاهتمام بهم، فذلك من أهم ما يجب على القائد، حيث الرغبة في الثناء والشكر من الأمور التي يحبّها الناس وترغبها نفوسهم، وذلك ما قام به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مع أبي سفيان عندما فتحت مكّة المكرّمة، حيث روى الصحابي عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّ الرسول قال: (مَن دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمنٌ، ومَن أغلقَ علَيهِ بابَهُ فَهوَ آمنٌ).[٨]
  • عدم الإكثار من النقد وذكر المساوئ، والحرص كذلك على عدم الإكثار من العتاب، فالنفس البشريّة تستثقل وتكره كلّ ما يخدش ذاتها ويقلّل من قيمتها، فالواجب على القائد اختيار الطريقة المُثلى في التوجيه والنصح والإرشاد، حيث قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).[٩]
  • حب الخير والمعروف لجميع الأشخاص، والسعي والعمل على قضاء حاجاتهم، والحرص على قضاء الحاجات المتعلّقة بالأمّة عامةً وتقديمها على المصالح الشخصيّة.
  • تقديم النصحية والتذكرة للغير بصدقٍ وإخلاصٍ، وذلك يدلّ على شدّة حرص القائد على الأفراد، وحبّه لهم، وشفقته عليهم.
  • عدم الحقد على أحدٍ وعدم بغضهم، والابتعاد عن الخصومة والنزاعات والخلافات، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)،[١٠] وورد عن الأحنف بن قيس أنّه قال: (كثرة الخصومة تنبت النفاق في القلب).
  • الصبر والتحمّل، والقدرة على مناقشة ومحاورة الآخرين وإقناعهم، والحرص على الاستماع الجيّد لهم.
  • الخوف من الله تعالى، والخضوع والتذلّل والانكسار له، والحرص على محاسبة النفس، فقد قال سعيد بن المسيب: (منِ استغنى بالله افتقر الناس إليه).

قادة من الصحابة

كان الكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- يتمتّعون بالقدرة على القيادة، وفيما يأتي بيان جانبٍ من ذلك:

  • تولّى الصحابي أسامة بن زيد -رضي الله عنه- القيادة وهو في الثامنة عشر من عمره، وذلك بأمرٍ من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، إلّا أنّ الرسول توفي قبل نفاذ أمره، فولّى أبو بكر الصديق أسامة بن زيد قائداً للجيش، وكانت المعركة التي قادها ضدّ الروم، إلّا أنّه رغم صغر سنّه انتصر، وكان بعض الصحابة قد طلبوا من الرسول أن تكون القيادة لمن هو أكبر من أسامة في العمر، إلّا أنّ الرسول قال لهم: (ما بال أقوامٍ يقدحون في أن ولّيت أسامة على الجيش؟ وأيم الله أن كان للإمرة لخليق، وإنّه لمن أحبّ الناس إليّ، فاستوصوا به خيراً فإنّه من خياركم)، وبعد ذلك الموقف أطلق على أسامة حِبُّ النبي عليه الصّلاة والسّلام.[١١]
  • كان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- قائداً عظيماً، وزرع في النفوس العديد من المبادئ والقيم، فبيّن أنّ العزة والقوة لا تكون إلّا باتخاذ الإسلام منهجاً للحياة، كما أنّه تحمّل قيادة جيش معركة مؤتة بعد استشهاد القادة الثلاثة، وبعد أن كانت الغلبة لجيش الروم، فتحمّل قيادة الجيش، وقسّم الجيش إلى عدّة أقسام، وأوكل إلى كلّ قسمٍ مهماته، فانقلبت المعركة لصالح المسلمين، فكان المستحقّ للقب سيف الله المسلول من الرسول صلّى الله عليه وسلّم.[١٢]

المراجع

  1. سورة الشورى، آية: 38.
  2. سورة النساء، آية: 58.
  3. سورة الأحزاب، آية: 21.
  4. “القيادة في الإدارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2018. بتصرّف.
  5. “10 همسات في أسرارِ القيادة والتأثير”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2018. بتصرّف.
  6. سورة الأنعام، آية: 162.
  7. سورة البينة، آية: 5.
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3021، حسن.
  9. سورة البقرة، آية: 83.
  10. سورة الحشر، آية: 10.
  11. “عشر صور مشرقة من حياة شباب الصحابة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2018. بتصرّف.
  12. “هكذا علمنا خالد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2018. بتصرّف.