خالق الناس بخلق حسن

أهمية الأخلاق في المجتمع

تبقى الأخلاق حاجةً ملحةً في حياة الإنسان حين يتعامل مع أخيه المسلم، سواء أكان يراه لمرةٍ واحدةٍ، فيقضي كلّ منهما حاجة الآخر، أو حتى إن كانا أخوةً، أو أصحاباً يلتقيان بين الحين والآخر، والسبب في الحاجة إلى الأخلاق أنّ الإنسان بطبيعته يميل لقضاء حاجته، وإشباع غرائزه، مهما كان الثمن، فإن افتقر الإنسان إلى الأخلاق، مال بطبعه إلى الأنانية والأثرة، أمّا إن هذّبها بأخلاقه؛ كان كريماً محباً لغيره، ومعاوناً إياه في قضاء حوائجه، وإذا كان الإنسان منفرداً أو بين أفراد المجتمع، فهو محتاجٌ إلى أخلاقٍ تضبط حركاته وسكناته، فإنّ الحاجة إلى الأخلاق على مستوى المجتمع أعزّ وأولى، فإنه إن تنازل المرء عن أخلاقه، فصار كاذباً محتالاً وسارقاً، وغير ذلك، تفشت دناءة الأخلاق تلك بين جمعٍ كبيرٍ من الناس، وأوشكت الحياة أن تستحيل في ذلك المجتمع، فإنّ المجتمع عددٌ من الناس، إن حسُنت أخلاقهم سعدوا واطمأنوا جميعاً بتعاملاتهم وعلاقاتهم الدنيوية بعمومها، وإن تفشى سوء الخلق، صار من الصعب أن يعيش المرء مطمئناً على نفسه وأهله وماله، من السرقة والغش والاعتداء، وغير ذلك.[١]

خالق الناس بخُلق حسن

أولى الإسلام اهتماماً كبيراً في خلق المسلم، وأوصى بجميل الأخلاق في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ومن ذلك وصية النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: (خالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ)،[٢] وأول الأخلاق الحسنة؛ كف الأذى عن الناس، فيأمن الناس جانب المرء أذا استيقنوا حسن خلقه، والأعلى من ذلك درجة، أن يعفو المرء عمن أساء إليه، فلا يكتفِ بكف أذاه عن الناس، بل يعفو عن من ألقى عليه أذاه، ومعاملة الناس بالإحسان القولي والفعلي، والأمثلة على درجات حسن الخلق كثيرةٌ جداً: فقد يكون حسن الخلق ببشاشة الوجه، ولطف الكلام، وقد يكون بالقول الجميل اللطيف؛ الذي يؤنس الناس ويدخل عليهم السرور، وقد يكون في المزاح الصادق المتوازن.[٣]

ولقد وردت تلك الوصية النبوية تتمةً لحديثٍ نبويٍ مطلعه: (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ)،[٢] فكانت الوصيتان الأوليتان متعلقتان بعلاقة العبد بربه عزّ وجلّ، وتحقيق تقواه، والإحسان في عباداته، وذلك رغبةً في بلوغ رضا الله تعالى، ثم كان تمام الوصية، بإحسان الخُلق وطلاقة الوجه مع الناس، وذلك إن دلّ على شيءٍ، فإنّما يدلّ على أنّ كلّ تلك الأمور، إذا اجتمعت في الإنسان، فقد حاز على الخير كله؛ بسبب إحسانه مع الله -تعالى- ومع عباده، ويصدّق ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا).[٤][٥]

مكانة الأخلاق في الإسلام

يظهر اهتمام الإسلام في الأخلاق الرفيعة على العديد من الأصعدة، وفيما يأتي بيان ذلك:[٦]

  • إخبار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّ أحد أهم الأسباب في إرسال الرسالة الإسلامية، هو تدعيم الاخلاق في المجتمع، وتثبيت الحسن منها، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ).[٧]
  • جعْل أحد تعريفات البرّ أو العمل الصالح؛ أنّه الأخلاق، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ)،[٨] فكان حسن الخلق قد جمع سائر خصال البرّ في تعريف النبي صلّى الله عليه وسلّم.
  • حسن الخلق من أعظم الأعمال التي ترجح في ميزان الله -تعالى- يوم القيامة،حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما من شيءٍ يُوضَعُ في المِيزانِ أثْقلُ من حُسْنِ الخُلُقِ، وإنَّ صاحِبَ حُسنِ الخلُقِ ليَبلُغُ بهِ درَجةَ صاحِبِ الصَّومِ والصلاةِ).[٩]
  • كمال حسن الخلق يوصل بصاحبه إلى كمال الإيمان، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم).[١٠]
  • الرجل حسن الخلق يضمن بحسن خلقه مجاورة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنة، فقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (ألا أخبرُكم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ فأعادها مرَّتَيْن أو ثلاثًا قالوا نعم يا رسولَ اللهِ قال أحسنُكم خُلقًا).[١١]
  • ثناء الله -تعالى- على نبيه؛ لحسن خلقه، حيث قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[١٢] والله -تعالى- لا يذكر أمراً في كتابه الكريم ويثني عليه، إلّا لفضله.
  • كثرة الأحاديث التي تمدح وتثني على صاحب الخلق الرفيع، وتذمّ سيّء الأخلاق.

أمور تعين على التحلي بالأخلاق الكريمة

قد يحتاج المرء إلى أمورٍ تعينه لتكون سبباً في تجمّله بأجمل الأخلاق، وفيما يأتي بيان ذلك:[١٣]

  • سلامة العقيدة؛ فخلو العقل من أيّ فكرٍ شاذٍ متطرفٍ لا شك أن يوصل إلى حسن الأخلاق.
  • الدعاء؛ فعلى المسلم أن يلجئ إلى ربّه، يدعوه ويرجوه أن يجّمل أخلاقه، ليكمل إيمانه، وترتفع درجات المرء في الآخرة.
  • المجاهدة؛ فإنّ إتقان خلقٍ ما، يحتاج إلى تدريبٍ وصبرٍ حتى يصل المرء إلى مبتغاه.
  • المحاسبة؛ فيكون المرء متيقظاً دائماً لما بدر منه من فعلٍ، فينتقد نفسه عند السيء منها، فيعاقب نفسه ليهذّبها، ويكرمها إن كانت قد بدر منها طيباً.
  • التفكر في آثار حسن الخلق؛ فإنّ المرء إن نظر في عواقب الأمور، ضبط أفعاله تلقائياً، وإن عرف فضل حسن الخلق سهُل عليه إتيانه، والثبات عليه.
  • علو الهمة وعدم اليأس؛ فلا يجوز للمرء أن ييأس إن فشل في تحقيق مراده، بل أن يحاول ويكرر السبيل، حتى يحقق الهدف الذي يريده، ولا يتوانى المرء ويكسل في سبيل ذلك، بل يرفع همته مرةً بعد مرةً، محاولاً الوصول حتى يفلح.
  • الإعراض عن الجاهلين، فإنّ فيه راحةٌ للنفس، وسلامةٌ من سماع الأذى، أو الوقوع فيه، ولقد قالت العرب قديماً: (إنّ من ابتغاء الخيرِ، اتقاءَ الشرِّ).

المراجع

  1. “أهمية الأخلاق وضرورتها للحياة الإنسانية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وأنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 97، حسن.
  3. “الوصية التاسعة : وخالق الناس بخلق حسن”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1162 ، حسن صحيح.
  5. “خالق الناس بخلق حسن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
  6. “مكانة الأخلاق في الاسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
  7. رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 24/333، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان، الصفحة أو الرقم: 2553 ، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 5726 ، صحيح.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1162 ، حسن صحيح.
  11. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3/355 ، إسناده صحيح أو حسن.
  12. سورة القلم، آية: 4.
  13. “الأخلاق أهميتها وفوائدها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.