حق المسلم على أخيه المسلم
الأخُوّة
الأُخوة نعمة من الله تعالى، تخفّف عن الإنسان متاعب الحياة ومشقتها، وللأخُوّة نوعان، أمّا النوع الأول فهو الأُخوّة بالدم، وهي أخوّة القرابة والنسب، وهذه الأخوة تكون بين الإخوة الأشقاء من الأبٍ والأم، والإخوة لأب، والإخوة لأم، والنوع الثاني هو أخوّة الدين والعقيدة، وهذا النوع هو الأعمُّ في المقصد عند الحديث عن حق المسلم على أخيه المسلم، وتُعتبر أخوّة العقيدة أمتن وأقوى من أخوة النسب والقرابة والدم؛ وذلك لأنّ أخوّة الدين والعقيدة مبنية على روابط شديدة القوة، وثيقة العُرى، فالمؤمنون جميعاً إخوةٌ، والأخوّة في العقيدة نعمة ومنحة من الله تبارك وتعالى يغدقها على عباده المؤمنين،[١] يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).[٢]
حق المسلم على أخيه المسلم
للمسلم على أخيه المسلم مجموعة من الحقوق، يمكن إجمالها فيما يأتي:[٣]
- الحب في الله.
- صفاء القلب من الحقد والغل والحسد.
- التورّع عن سبّ أخيه، وشتمه، وغمزه، ولمزه، وغيبته.
- إحسان الظنّ به.
- نصحه بأسلوبٍ مناسبٍ عند اللزوم.
- نصرته ظالماً أو مظلوماً.
- ستره إن أخطأ ووقع في الزلل.
- قبول عذره إن أخطأ في حقه ثمّ جاءه مُعتذراً مُعترفاً بخطئه.
- قضاء حوائجه على قدر الاستطاعة.
حق المسلم على المسلم في السنة النبوية
ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث تتحدث عن حق المسلم على أخيه المسلم بشكلٍ مباشر، في إشارةٍ واضحةٍ لهذه الحقوق المخصوصة التي وردت في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ومن هذه الأحاديث:
- ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ، وفي روايةٍ: خمسٌ تجبُ للمسلمِ على أخيهِ: ردُّ السلامِ، وتشميتُ العاطسِ، وإجابةُ الدعوةِ، وعيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنائزِ).[٤]
- وما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ، قيل: ما هنَّ؟ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأَجِبْه، وإذا استنصحَك فانصحْ له، وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعْهُ).[٥]
- وما رُوي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (المؤمنُ أخو المؤمنِ فلا يحلُّ للمؤمنِ أن يبتاعَ على بيعِ أخيهِ ولا يخطبَ على خطبةِ أخيهِ حتَّى يذَرَ).[٦]
- وما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (لا تحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وَعِرْضُهُ).[٧]
أحكام شرعية تتعلق بحق المسلم
حينما يُقال حقٌ، فإنّ كلمة حق تدل على الوجوب، وفي الحقيقة فإنّ من الحقوق ما هو واجبٌ وجوباً عينياً يستلزم على المسلم القيام به نحو أخيه المسلم، ومن الحقوق ما هو واجبٌ وجوباً كفائياً؛ بحيث لو قام به بعض المسلمين يسقط الواجب عن بقية المسلمين، ومن الحقوق ما هو مُستحبٌ وليس واجباً، يقول الإمام الشوكاني يرحمه الله: (والمراد بقوله: حق المسلم، أنّه لا ينبغي تركه ويكون فعله إما واجباً أو مندوباً ندباً مؤكداً شبيهاً بالواجب الذي لا ينبغي تركه، ويكون استعماله في المعنيين من باب استعمال المشترك في معنييه، فإن الحق يستعمل في معنى الواجب، كذا ذكره ابن الأعرابي، وكذا يستعمل في معنى الثابت ومعنى اللازم ومعنى الصدق وغير ذلك وقال ابن بطال: المراد بالحق هنا الحرمة والصحبة)،[٨] وفيما يأتي بيانٌ لبعض أحكام حق المسلم على أخيه المسلم:[٩]
- ابتداء المسلم على المسلم بالسلام سنّة، فإذا سلّم المسلم على أخيه المسلم؛ فإنَّ ردّ السلام يصبح واجباً.
- عيادة المريض المسلم فرض كفاية.
- تشييع جنازة المسلم فرض كفاية.
- إجابة دعوة المسلم، وفيها تفصيل؛ فإن كانت دعوة المسلم دعوةً عامةً فإجابتها مُستحبة، وإن كانت الدعوة إلى وليمةِ عرس فالحكم في هذه الحالة وجوب إجابة الدعوة إلا لعذرٍ شرعي يمنع من الحضور، وقد ذهب إلى هذا القول جمهور العلماء.
- وتشميت العاطس واجبٌ عند الحنفية والحنابلة، وواجبٌ على الكفاية عند المالكية، وسُنّةٌ عند الشافعية.
- والنصيحة واجبةٌ وجوباً كفائياً.
أهم حقوق المسلم على أخيه المسلم
حقوق المسلم على أخيه المسلم كثيرة جداً، وربما لا تنحصر في نقاط محددة فكل ما من شأنه أن يحقق مصلحةً ومنفعةً للمسلم ويدفع عنه ضرراً فهو حقٌ للمسلم؛ على ألا يُلحق بمسلمين آخرين ضرراً نتيجة استيفاء هذه المصلحة حتى لو كانت حقاً للمسلم؛ لأنّه ينطبق على ذلك حينها أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق،[١٠] وفيما يأتي توضيحٌ بسيطٌ لأهم الحقوق؛ وهي الحقوق الستة التي أشار إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أورده الإمام مسلم عن أبي هريرة.
رد السلام
وصفة ردّ السلام أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وهذه الصيغة في الرد هي أتم وأكمل وأفضل، ويُجزئ أن يقول: وعليكم السلام، ولا يُجزئ الردّ بقوله: وعليكم؛ لأنّ هذه الصيغة في الرد من السنّة ردها على غير المسلمين، فإذا سلّم غير المسلم على المسلم، فالسنّة الرد عليه بقول: وعليكم؛[١١] لأنّه يُروى أنّه: (مرَّ يهوديٌّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: السامُ عليكَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (وعليكَ)، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أتدرونَ ما يقولُ؟ قال: السامُ عليكَ)، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ألا نقتُلُهُ؟ قال: لا، إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتابِ، فقولوا: وعليكُم).[١٢]
تشميت العاطس
إذا عطس المسلم فعليه أن يحمد الله، فإن حمد الله بعدما عطس فله حقٌ على من سمعه من المسلمين بتشميته، وتشميت العاطس هو أن يقول له: يرحمك الله،[١٣] ويُروى أنّه: (عطَس رجُلانِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فشمَّتَ أحَدَهما أو قال: فسمَّتَ أحَدَهما ولم يُشمِّتِ الآخَرَ فقيل له: رجُلانِ عطَسا فشمَّتَّ أحَدَهما وترَكْتَ الآخَرَ، قال:إنَّ هذا حمِد اللهَ وإنَّ هذا لَمْ يحمَدْه)[١٤]
عيادة المريض
لعيادة المريض وزيارته فضائل كثيرة؛ ولذلك فقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على عيادة المريض، ورتبت الشريعة الإسلامية الأجر والمثوبة لمن يعود مريضاً مسلماً، بل إنّ عيادة المسلم المريض بابٌُ من أبواب الجنة، لما فيها من نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى.[١٥]
إجابة الدعوة
إجابة الدعوة حقٌ من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وقد سيق تفصيل حكم إجابة الدعوة، ولعلّ إجابة الدعوة تكون أكثر تأكيداً إذا كانت الدعوة إلى وليمة؛ والوليمة هي الطعام الذي يُصنع في العرس؛ وسُميت وليمة؛ اشتقاقاً من الولم، والولم هو الجمع، وذلك لأنّ الزوجين يجتمعان في العرس، فتكون الوليمة خاصة بالطعام الذي يُقدّم في العرس، والوكيرة الطعام الذي يُقدَم عند البناء، والخرس هو الطعام الذي يُقدم عند الولادة، والإعذار هو الطعام الذي يُقدم عند ختان المولود، والنقيعة طعام القادم من السفر.[١٦]
اتباع الجنائز
من حق المسلم على أخيه المسلم أن يتبع جنازته عند موته، واتباع الجنازة له ثلاثة أشكال على النحو الآتي:[١٧]
- أداء صلاة الجنازة ثم الانصراف.
- أداء صلاة الجنازة، ثم يتبع الجنازة إلى القبر، ثم ينتظر حتى تُدفن.
- أداء صلاة الجنازة، ثم يتبع الجنازة إلى القبر، ثم ينتظر حتى تُدفن، ثم ينتظر بعد الدفن عند القبر ويدعو للمُتَوفى، ويستغفر له، ويسأل الله له الرحمة.
- ويُروى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنّه الآن يسأل).[١٨]
المراجع
- ↑ محمد حسان (2006م)، حقوق يجب أن تعرف الحقوق الإسلامية (الطبعة الأولى)، المنصورة: مكتبة فياض، صفحة 109، جزء 1.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 10.
- ↑ محمد حسان (2006م)، حقوق يجب أن تعرف الحقوق الإسلامية (الطبعة الأولى)، المنصورة: مكتبة فياض، صفحة 115-116، جزء 1.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2162، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2162، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 1414، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، صحيح.
- ↑ محمد بن علي الشوكاني (1413هـ – 1993م)، نيل الأوطار (الطبعة الأولى)، مصر: دار الحديث، صفحة 21، جزء 4.
- ↑ محمد بن صالح المنجد (19-4-2012)، “حقوق المسلم على المسلم منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب”، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2017م.
- ↑ أحمد فهمي أبو سنة (16-5-2008م)، “نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي “، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2017م.
- ↑ الشوكاني (1993م)، نيل الأوطار (الطبعة الأولى)، مصر: دار الحديث، صفحة 21-22، جزء 4.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6926، صحيح.
- ↑ حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (1932م)، معالم السنن (الطبعة الأولى)، حلب: المطبعة العلمية، صفحة 141-142، جزء 4.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 601، صحيح.
- ↑ ابن عبد البر (2000م)، الاستذكار (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 420-421، جزء 8.
- ↑ بدر الدين العينى (بدون سنة نشر)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 88، جزء 4.
- ↑ شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني ( 1428 هـ – 2007 م)، كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 355، جزء 3.
- ↑ رواه أبو داوود، في سنن أبي داود، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 3221، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].