مفهوم القضاء في الإسلام

القضاء الإسلامي

يعدّ القضاء من أهمّ الوظائف القائمة في الدولة الإسلاميّة، والذي تتمثل مهمته في فض الخصومات والنزاعات بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعاقبة أهل الفساد، وذلك بالاعتماد على الأحكام الشرعيّة المستمدّة من كتاب الله وسنة رسوله؛ لذلك يحتلّ القضاء الإسلاميّ مكانةً عاليّةً ودرجةً رفيعةً، وأبرز ما يميّزه عن غيره هو صلاحه، ونزاهته، واستقلاليته، وعدم خضوعه لأهواء الحكام وهذا بدوره يؤدّي إلى صلاح المجتمع، ونهوض الدولة وازدهارها، وقيام الأمم؛ فهو سبب لسعادتها وحياتها حياةً كريمة، فبالقضاء تتحقّق العدالة وينصر المظلوم وتردّ الحقوق إلى أهلها.

تعيين القضاة

كان القضاء من مهام الرسل عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص: 26].

حيث كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم في عصر صدر الإسلام هو من يقوم بالقضاء، ولكنه بدأ بتولية غيره هذه المهمة مع اتّساع الدولة الإسلاميّة؛ فولى عتاب بن أسيد قضاء مكّة، وولى معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب قضاء اليمن، وقد كان القضاة يعينون بطريقتين:

  • طريقة مباشرة: كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما عين معاذ بن جبل قاضياً، وكذلك فعل الخلفاء الراشدين فيما بعد.
  • طريقة غير مباشرة: حيث يقوم قاضي القضاة الذي عيّنه الإمام بتعيين قضاة آخرين، فمثلاً كان أبو يوسف قاضي القضاة هو من يعين القضاة في زمن الخلافة العباسيّة.

الشروط الواجب توافرها في القاضي

  • الإسلام: وذلك لأنّ القضاء ولاية، فلا تجوز ولاية الكافر على المسلم، والقاضي هنا ملزم بتطبيق الدين الإسلاميّ، وهذا يتطلّب الإيمان والخوف من الله تعالى، لتطبيق الشريعة الإسلاميّة بشكل صحيح دون الخروج عن أحكامها.
  • البلوغ: فالصبي لا يولى القضاء، ولا يصح قضاؤه، وذلك لأنّ القضاء يحتاج إلى الفطنة، والرأي السديد، ورجاحة العقل، والقدرة على التمييز بين الأمور، والقضايا المختلفة، وهذا ما لا يتوفر في الصبي، ولا يشترط في القاضي أن يكون كبيراً في السن، فالمقصود اجتماع الشروط المطلوبة في الولاية بعد البلوغ، ولا ضير إن كان في مقتبل العمر.
  • العقل: لا يجوز تعيين المجنون، أو المعتوه، أو ضعيف النظر، فهؤلاء لا يصح قضاءهم لعدم قدرتهم على التمييز، والبت في القضايا على اختلاف أنواعها.
  • الذكورة: لا يجوز تولية المرأة القضاء، فإذا وليت فولايتها باطلة، وقضاؤها باطل، فالقاضي يحتاج إلى مخالطة الرجال، والمرأة ممنوعة من ذلك.
  • العدالة: وتتمثل بالأمانة، والمروءة، وتطبيق الفرائض والأركان التي شرعها الله.
  • الاجتهاد: والمتمثّل بالقدرة على استنتاج الأحكام، واستنباطها من مصادر التشريع، وهذا الأمر يتطلّب الإلمام بالأحكام الواردة في القرآن الكريم والسنة بحيث يكون على معرفة تامة بها.
  • سلامة الحواس: فمثلاً لا يجوز تولية الأصم؛ لأنّه لا يستطيع سماع كلام المتخاصمين، ولا الأعمى فهو لا يميّز المدعي من المدعى عليه، ولا الشاهد من المشهود عليه أو له، ولا الأخرس لأنه لا يستطيع النطق بالحكم، أو إيصال ما يتوصل إليه من قرارات إلى ذوي الشأن.