تعريف الغيبة
نظّمَ الإسلام العلاقات البشريّة فكانَ بهذا التنظيم قد أزالَ الأسباب التي تفتك بالمُجتعات فتُهلِكَها، وأرسى العدل بين الجميع فارتفعت عن الناس سحائب الشحناء والتباغض والتحاسد، وهذهِ الأمور التي أولى الإسلام لها أهميّة قُصوى في التنظيم الاجتماعيّ هي بفضلِ الأحكام الإسلاميّة التي تحثّ على العدل وتُجرّم الظُلم والتعدّي والبغي.
الغيبة
حرم الإسلام الاعتداءات الماديّة المحسوسة كالقتل، والضرب، والسلب، والنهب، والاعتداءات المعنويّة التي تمسّ الكرامة البشريّة أو المشاعر الإنسانيّة كالسبّ، والشتم، والقذف، والغيبة، والنميمة وغيرها، وفي هذا المقال سنُسلّط الضوء على آفة خطيرة حرّمها الله علينا ورسولهُ عليهِ الصلاة والسلام وهيَ الغيبة، فما هيَ الغيبة وما هو دليل حُرمتها وكذلك خطرها على الناس.
الغيبة هيَ أن يذكُرَ المسلم أخاكه بما يكره في عدم حُضوره وغيابه عنك بأمور موجودة لديه، سواءً أن تستهزء به أو تُقلل من شأنه أو تُظهر بعضاً من عيوبه ونقائصه وتحدّثَ الناسَ بها، فإن كانَ ما ذكرتهُ عنه بما يكره وهوَ ليسَ موجوداً فيه فقد افتريت عليه ويسمى بذلك بُهتاناً، وقد بيّنَ ذلكَ قولُ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام في الغيبة والبُهتان، فقد رودَ في صحيح مُسلم أنَّ النبيّ عليهِ الصلاة والسلام قال: (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته).
تحريم الغيبة في الإسلام
نهى الله تباركَ وتعالى عن الغيبة، كما جاء في القُرآن الكريم في سورة الحُجرات، حيثُ يقول سُبحانهُ وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ، وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ).
نهيٌ شديد وزجرٌ واضح في هذه الآية عن الوقوع في الغيبة، وتشبيه الشخص الذي يغتاب أخاه كمن يأكُلُ لحمَ أخيهِ وهوَ ميّت، وهذا تشنيعٌ للفعل وردعٌ للواقعين فيه.
خطر الغيبة على الأفراد والمُجتمعات
تورث الغيبة بين الناس الشحناء والبغضاء، خُصوصاً إذا وصَلَ للشخص الذي اغتبته كلامَكَ فيه، فيحصُلُ عندها التقاطع والتباغُض، وكذلك تنشُرُ الغيبة أجواء من الكراهية وعدم الثقة بمن حولَكَ من الناس، فأنت عندما تكون بين بيئة يغتاب بعضهُم بعضاً فأنت بلا شكّ سيغتابونك وأنت لست حاضراً معهم، وهذا يقتل الثقة بالآخرين ويُطفىءُ الودّ ويجعل الكراهية في صدرك لمن حولك، وهذا من عظيم خطر الغيبة على الفرد والجماعة.