من الذي ينفخ في الصور يوم القيامة
تعريف النّفخ في الصُّور
يجب على المُسلم الإيمان باليوم الآخر؛ أي اليقين بأنّ الحياة الدُّنيا تتبعها حياة آخرة، وعدم الركون إلى الحياة الدُّنيا، وما فيها من مَلذّاتٍ وشَهواتٍ؛ قال -تعالى-: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)،[١] وقال أيضاً: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)،[٢][٣] وتجدر الإشارة إلى أنّ للقيامة أهوالاً، منها النَّفْخ في الصُّور، وفيما يأتي بيان المقصود به:
- النَّفْخ لغةً: إخراج الرِّيح من الفم؛ يُقال: نَفَخَ يَنْفُخ نَفْخاً؛ أي أخرج الرِّيح من فمه.[٤]
- الصُّور لغةً: يُراد به: البُوق، أو القَرْن الذي يُنفَخ فيه.[٥]
- النَّفْخ اصطلاحاً: هو النَّفخ المخصوص، من مَلَكٍ مخصوصٍ، في زمنٍ مخصوصٍ، بأمرٍ من الله -سبحانه-؛ إنذاراً بالتغيير الذي يُريده -عزّ وجلّ-.[٦]
- الصُّور اصطلاحاً: هو القَرْن الذي يُنفَخ فيه، ويدلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ).[٧][٨]
النافخ في الصُّور
ينفُخ في الصُّور مَلَكٌ بأمرٍ من الله -تعالى-؛ وهو إسرافيل؛ استدلالاً بِما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (ثمَّ يأمرُ اللهُ إسرافيلَ فينفخُ نفخةَ الصعقِ)،[٩] فإسرافيل مُستعِدٌّ للنَّفْخ في الصُّور منذ خلقَه الله -سبحانه-؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إن طرفَ صاحبِ الصورِ منذُ وُكّلَ بهِ مُستعدّ ينظرُ نحو العرشِ، مخافةَ أن يُؤمَرَ قبل أن يَرتدّ إليهِ طرفهُ، كأنّ عينيهِ كوكبانِ دُرّيانِ)،[١٠] وهو يترقّب أمر الله -سُبحانه-؛ لأداء ما وكّله به،[١١] وتجدر الإشارة إلى أنّ النَّفخ في الصُّور يكون مرّتين؛ النّفخة الأُولى: نفخة الفَزَع، والنَّفخة الثانية؛ لبعث المخلوقات حَيّةً، استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ).[٧][١٢]
كما يُستدَلّ أيضاً على النَّفخ بِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّورِ، فلا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، قالَ: وَأَوَّلُ مَن يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إبِلِهِ، قالَ: فَيَصْعَقُ، وَيَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ، أَوْ قالَ يُنْزِلُ اللَّهُ، مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ، فَتَنْبُتُ منه أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)،[١٣] أمّا فيما يتعلّق بالمدّة أو الفترة الواقعة بين النفخات؛ فقد تمّ بيان ذلك فيما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (ما بيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، ليسَ مِنَ الإنْسانِ شيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ).[١٤][١٢]
عدد نفخات يوم القيامة وأسماؤها
تعدّدت آراء العلماء في عدد نفخات يوم القيامة؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّها ثلاث نفخات؛ تُسمّى الأولى منها نفخة الفَزَع، ثمّ نفخة الصعق، وأخيراً نفخة النشور، ومِمّن ذهب إلى هذا القول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، أمّا القُرطبيّ فرأى أنّ عدد النفخات اثنتان؛ نفخة الصعق، ونفخة النشور أو البَعث، ورأى أنّ نفخة الصَّعق تتضمّن نفخة الفَزَع؛ إذ قال: “نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لا زمان لهما أي فزعوا فزعا فماتوا منه”.[١٥]
صفة النَّفْخ في الصُّور
ينفخ المَلَك إسرافيل أوّل مرّةٍ في الصُّور نفخة الفَزَع؛ فيتبدّل حال الدُّنيا، وتنقلب إلى حالٍ عظيمٍ، وبسببها يهلعُ مَن في الأرض، ويفزعون مَن هَول ما هو واقعٌ؛ قال الله -تعالى- واصفاً ذلك الحال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ)،[١٦] وتجدر الإشارة إلى أنّ الفَزَع لا يقتصر على البشر فقط؛ وإنّما تتبدّل حال الجبال، والبحار، والنجوم، والحيوانات، والشمس، والكواكب بقدرة الله -تعالى-، وأَمرِه، وقد بَيَّن الله -تعالى- في كتابه حال المخلوقات جميعها؛ فقال: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ*وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ*وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ*وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ*وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ*وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)،[١٧] وقال أيضاً: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ*وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ*وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ*وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ*عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)،[١٨] ثمّ تكون النفخة الثانية؛ وهي نفخة الصَّعق؛ إذ تموت المخلوقات جميعها إلى أن يأذن الله -سبحانه- بالبعث والنُّشور؛ قال -تعالى-: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)،[١٩] فيبعث الله -تعالى- الخلائق إلى أرض المحشر بعد نفخة البعث أو النُّشور.[٢٠]
يوم النَّفخ في الصُّور
يكون النَّفخ في الصُّور في يوم جُمعةٍ؛ استدلالاً بِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ)،[٢١] وفي حديثٍ آخر: (من أفضَلِ أيامِكم يومُ الجمُعةِ فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبِضَ وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم مَعروضةٌ عليَّ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وكيفَ تُعرَضُ عليك صلاتُنا وقد أرمتَ يعني وقد بليتَ قال إنَ اللَّهَ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكُلَ أجسادَ الأنبياءِ).[٢٢][٢٣]
مَن لا يُصعَق عند النَّفخ في الصُّور
يُصعَق مَن في الأرض والسماء عند النَّفخ في الصُّور إلّا مَن شاء الله له ألّا يُصعَق؛ استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ)،[٧] وقد بَيّن العلماء مَن لا يُصعَق، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[٢٤]
- ورد أنّ نبيّ الله موسى -عليه السلام- لا يُصعَق مع باقي الخَلْق؛ استناداً إلى ما أخرجه الإمام البُخاريّ في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَومَ القِيامَةِ، فأكُونُ أوَّلَ مَن تَنْشَقُّ عنْه الأرْضُ، فإذا أنا بمُوسَى آخِذٌ بقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرْشِ، فلا أدْرِي أكانَ فِيمَن صَعِقَ، أمْ حُوسِبَ بصَعْقَةِ الأُولَى).[٢٥]
- ورد أنّ الشهداء في سبيل الله لا يُصْعَقون؛ فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنَّهُ سألَ جبريلَ عن هذه الآيةِ منِ الذين لم يشأِ اللهُ أن يصعقوا؟ قال: هم شهداءُ اللهِ عزَّ وجلَّ).[٢٦]
- ورد أنّ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا يُصعَقون، بالإضافة إلى الملائكة، مثل: جبريل، وإسرافيل، ومَلَك الموت.
المراجع
- ↑ سورة الأنعام، آية: 32.
- ↑ سورة القصص، آية: 77.
- ↑ أبي عبدالله الحليمي (1979م)، المنهاج في شعب الإيمان (الطبعة الأولى)، عمان-الاردن: دار الفكر، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى النفخ في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى الصور في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ↑ “المطلب الثاني: معنى النفخ اصطلاحاً”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سورة الزمر، آية: 68.
- ↑ عمر الأشقر (1995م)، العقيدة في ضوء الكتاب والسنة اليوم الآخر (الطبعة السادسة)، الأردن: دار النفائس، صفحة 33-34. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في التذكرة للقرطبي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 194، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1078، إسناده صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (1995م)، العقيدة في ضوء الكتاب والسنة اليوم الآخر (الطبعة السادسة)، الأردن: دار النفائس، صفحة 35. بتصرّف.
- ^ أ ب “حقيقة النفخ في الصور”، www.islamqa.info، 17-11-2003، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2940، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4935، صحيح.
- ↑ “عدد النفخات يوم القيامة وأسماؤها”، www.islamweb.net، 26-12-2002، اطّلع عليه بتاريخ 21-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 1-2.
- ↑ سورة التكوير، آية: 1-6.
- ↑ سورة الإنفطار، آية: 1-5.
- ↑ سورة النبأ، آية: 18.
- ↑ محمد حسان (2007م)، أحداث النهاية ونهاية العالم، المنصورة: مكتبة فياض للتجارة والتوزيع، صفحة 515-526. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 854، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في تفسير القرآن، عن أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو، الصفحة أو الرقم: 6/463، صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (1995م)، العقيدة في ضوء الكتاب والسنة اليوم الآخر (الطبعة السادسة)، الأردن: دار النفائس، صفحة 37-38. بتصرّف.
- ↑ “النفخ في الصور”، www.almunajjid.com، 29-ذو القعدة-1399هـ، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2412، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 11/378، رواته ثقات.