كيف ادخل الجنة بغير حساب

الحساب يوم القيامة

وصف الله -تعالى- مشهد الحساب يوم القيامة في القرآن الكريم، ودلّ وصفه على أنّه مشهدٌ عظيمٌ مهولٌ، ففيه الكثير من الخوف، والهلع، والوجل، والرعب، حتى إنّ عقول الناس تطيش وتتعجّب؛ من هول ما ترى في صحائف الأعمال، فحتى مثاقيل الذرّ من حقوق العباد مسجلةٌ فيها، حيث قال الله -تعالى- في وصف ذلك الموقف: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)،[١] ويبدأ الحساب يوم القيامة بأمّة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، ويأخذ كلّ إنسانٍ كتابه بحسب عمله ومصيره، فإن كان من السعداء؛ فيأخذ كتابه بيمينه، وإن كان من الأشقياء؛ فيأخذ كتابه بشماله، ومن وراء ظهره، ويكون أول ما يُسأل عنه العبد المسلم من أعماله الصلاة، فإن صلُحت صلُح سائر عمله، وإن فسدت فسُد سائر عمله، وأول ما يُقضى به بين الناس من الحقوق هو الدماء.[٢]

ويكون حساب العباد يوم القيامة على نوعين؛ الأول منهما: الحساب اليسير، والثاني: الحساب العسير، فأمّا الحساب اليسير: فهو العرض، ويكون للمؤمن دون غيره، ويسأله الله -تعالى- فيه عن علمه، وعمله، ونعمه عليه، فيُجيب العبد بما يشرح صدره، ويُثبت حجّته، ويُديم النعمة عليه، وعند عرض ذنوب العبد عليه، يقرّ ويعترف بها، فيسترها الله -تعالى- عليه، ويتجاوز عنها، وبالتالي فلا يُناقش في حسابه، ولا يحقّق معه، بل يأخذ العبد كتابه بيمينه، ويذهب فرحاً مستبشراً، للقاء أهله، وصحبه في الجنة؛ لأنّه نجا من عذاب جهنّم، وفاز بالجنّة والثواب العظيم، وأمّا الحساب العسير: فهو الحساب الذي يناقش فيه الله -تعالى- العبد، وذلك حساب الكفّار، ومن شاء الله -تعالى- أن يحاسبه به من عصاة الموحّدين، وقد يطول حسابهم، ويعسر جداً، وذلك تبعاً لِما هم عليه من الذنوب، وفيما يتعلّق بعصاة الموحدين، فإنّ الله -تعالى- يدخل من يشاء منهم النار، إلى أمدٍ معينٍ، ثمّ يخرجهم إلى الجنة إلى الأبد.[٣]

كيفية دخول الجنة بغير حساب

أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن صنفٍ من أمته، يدخلون الجنة بغير حسابٍ من الله عزّ وجلّ، وقد وصفهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّهم يكونون على هيئة القمر المنير يوم القيامة، حيث قال: (تَنجو أوَّلَ زُمرَةٍ وُجوهُهم كَالقَمرِ ليلةَ البَدرِ، سَبعونَ ألفاً لا يُحاسَبونَ)،[٤] وأخبر أيضاً ببعض صفاتهم؛ ليعلم بها المسلمون، وليحرصوا على التمثّل بها، فقال: ( يدخلُ الجنةَ من أُمَّتي سبعون ألفاً بغيرِ حسابٍ، قالوا: من هم؟ يا رسولَ اللهِ، قال: هم الذين لا يَسترْقونَ، ولا يتطيَّرونَ، ولا يكتَوونَ، وعلى ربِّهم يتوكَّلونَ)،[٥] ويظهر من ذلك أنّ من أراد أن يكون ممّن يدخلون الجنة بغير حسابٍ، فعليه أن يتّصف بصفاتهم، وفيما يأتي بيانها على وجه التفصيل:[٦]

  • لا يسترقّون؛ والمراد بذلك أنّهم لا يطلبون من أحدٍ أن يُرقيهم، ويقرأ عليهم، ودلالة ذلك اعتمادهم الكامل على الله عزّ وجلّ، فهم لا يطلبون الشفاء والعون إلّا من الله سبحانه، كما يدلّ على عزّة أنفسهم، فهم لا يتذلّلون إلّا لله عزّ وجلّ، وسؤال الناس فيه نوعٌ من الذلة، بالإضافة إلى حرصهم على ألّا تتعلّق قلوبهم بغير من بيده النفع والضر، وبذلك يتّضح حرصهم على التوحيد الكامل لله تعالى.
  • لا يكتوون؛ أيّ لا يطلبون من أحدٍ أن يكويهم بالنار، والكي بالنار: هو نوعٌ من الدواء، لبعض الأمراض في بعض الأحيان، كما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أخبر أنّ فيه شفاءٌ، إلّا أنّه نهى أمّته عن فعله، وأخبر بعدم حبّه له، وإنّ ذلك النهى على سبيل الكراهة، لا التحريم.
  • لا يتطيّرون؛ والطيرة هي التشاؤم، فأولئك القوم لا يتطيّرون لا بالطيور، ولا بالأوقات، ولا بالأرقام، ولا بشيءٍ من ذلك، ومثل ذلك أن يقول الإنسان في يوم كذا، ساعة نحسٍ، أو أن يتشائم إذا سمع صوت الغراب، أو صوت البوم، أو نحو ذلك، وإنّ ذلك من فعل الجاهلية، والطيرة من أبواب الشرك بالله؛ لأنّه لا يأتي بالخير أو الشرّ إلّا الله عزّ وجلّ.
  • يتوكلون على الله -عزّ وجلّ- حقّ التوكّل والاعتماد، والتوكّل: هو صدق اعتماد القلب على الله تعالى، وهو غاية تحقيق التوحيد، والإيمان في قلب العبد.

قواعد في محاسبة العباد يوم القيامة

لو أراد الله -عزّ وجلّ- أن يعذّب عباده جميعاً، لما كان ظالماً لهم؛ لأنّه ربهم، ومالكهم، وهم عبيده المفتقرون إليه، إلا أنّ الله -تعالى- كتب على نفسه العدل، والرحمة، والإحسان، وقد بيّن الله في القرآن الكريم بعضاً من قواعد الحساب، التي سيحاسب بها العباد يوم القيامة، وفيما يأتي بيان البعض منها:[٢]

  • يكون حساب الله تعالى بين العباد بالعدل، وهو يوفّيهم أجورهم كاملةً غير منقوصةٍ أبداً.
  • يجازي الله -تعالى- كلّ إنسانٍ بأعماله، ولا يُؤاخذ أحداً بذنب غيره، فكلّ محاسبٌ بأعماله.
  • يُطلع الله -تعالى- عباده على جميع ما فعلوه في الدنيا من الأعمال.
  • يُضاعف الله -تعالى- الحسنات للعباد، ولكنّه لا يُضاعف السيئات.
  • يبدّل الله -تعالى- سيئات التائبين إلى حسناتٍ.
  • يكفّر الله صغائر الذنوب للعباد الذين تجنّبوا فعل الكبائر منها.
  • يُقيم الله -تعالى- الشهود على أفعال العباد، فيشهدون عليهم فيما فعلوه في الدنيا.

المراجع

  1. سورة الحج، آية: 1-2.
  2. ^ أ ب “عظمة موقف الحساب يوم القيامة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-24. بتصرّف.
  3. “دليل المسلم الجديد – [39 أنواع الحساب يوم القيامة”]، www.ar.islamway.net، 2016-9-29، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-24. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 191، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 218، صحيح.
  6. أحمد الجوهري عبد الجواد (2015-5-25)، “إلى الجنة بغير حساب”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-24. بتصرّف.