تعود عوائد الدمع المراق – الشاعر البحتري
تَعُودُ عَوَائِدُ الدّمْعِ المُرَاقِ،
عَلى مَا في الضّلُوعِ منِ احْتِرَاقِ
لَقَدْ رَأتِ النّوَاظرُ، يَوْمَ سُعدَى،
وَيَالاً تُسْتَهَلُّ لَهُ المَآقي
بإنْفَاسٍ تَرَقّى عَنْ دَخِيلِ الـ
ـجَوَى حتّى تَعَلّقَ في التّرَاقِي
وأحْشَاءٍ أرَقَّ عَلى التّصَابي،
وأدْمَى مِنْ مَجَاسِدِها الرّقَاقِ
وَقَدْ رَحَلتْ، وَمَا افْتَكَّّتْ أسِيراً،
يُفالِتُ لُبَّهُ عَنَتُ الوِثَاقِ
بِبُرْقَةِ ثَهْمَدٍ، وَلَرُبّ شَوْقٍ
تَصَبّاني إلى أهْلِ البُرَاقِ
أُلِيمُ إِلى العَذولِ وتَغْتَلِي بِي
معَاذيِري الكَوَاذِبُ واخْتِلاَقِي
وَكَمْ قَدْ أغفَلَ العُذّالُ عندي
مِنِ اسْتِئْنَافِ بَثٍّ، واشتِيَاقِ
ومِنْ سَحَرِيَّةٍ دَالَجْتُ فِيها
تَرَنُّمَ قَيْنَةٍ وهُبُوبَ سَاقٍ
فَلَمْ يَدَعِ اصْطِبَاحِي فيّ فَضْلاً
يُؤدّيني إلى أمَدِ اغْتِبَاقِي
أقُولُ بِصَاحِبٍ خَلّيْتُ عَنْهُ
يَدي، إذْ مَلّ أوْ سَئِمَ اعتلاقي
فِرَاقٌ مِنْ جَفَاءٍ حَالَ بَيْني
وَبَيْنَكَ أمْ فِرَاقٌ مِنْ فِرَاقِ؟
وَإغْبَابُ الزّيَارَةِ فيهِ بُقْيَا
وَدادِكَ، واسترَاحَةُ عظمِ ساقي
وكُنّا بالشّآمِ، إخَالُ، خَيراً
لِرَعْيِ العَهِْد منّا بالعِرَاقِ
أقَلَّ وَفَاءُ أرْضِكَ أمْ تَجَازَتْ
خَلاَئِقَ غَيرَ وَافيَةِ الخَلاقِ؟
فَلا تَتَكَلّفَنّ إليّ وَصْلاً،
تُلاقي مِنْ هَوَاهُ مَا تُلاقي
مَتَى تَرِدِ التّزَيُّلَ تَعْتَرِفْني
قَصِيرَ الذّيْلِ، مَشدودَ النّطاقِ
وإنّي، حينَ تُؤذِنُني بصُرْمٍ،
رَبيطُ الجأشِ، مُتّسِعُ الخِنَاقِ
أُرَى عَبدَ الصّديقِ، فإنْ تَحَلّى
بظُلْمٍ، فارْجُ عَتْقي، أو إبَاقِي
وَلَنْ تَعْتَادَني أشْكُو مَقَاماً
على مَضَضٍ، وفي يَديَ انْطِلاقي
وَلَيسَ العُرْسُ في نَفسِي بأحلى
مَعَ العِرْسِ الفَرُوكِ من الطّلاقِ
وَكَمْ قَد أُعْتِقَتْ من رِقّ مُكثٍ
خُطَى هَذي المُخَزَّمَةِ، العِتاقِ
فِرَاقٌ يُعْجِلُ الإِيشَاكُ مِنْهُ
عن التَّسْلِيم فيهِ والعِنَاقِ
لَعَلّ تَخَالُفَ الطِّيّاتِ مِنّا
يَعُودُ لَنَا بقُرْبٍ واتّفَاقِ
فَلَوْلا البُعْدُ ما طُلِبَ التّداني،
وَلَوْلا البَيْنُ ما عُشِقَ التّلاقي
وَخُسْرَانُ المَوَدّةِ في السّجايا،
كخُسرَانِ التّجَارَةِ في الوِرَاقِ
وَحَقٌّ مَا تَأمّلْنَا هِلالاً
بأقصَى الأُفقِ، إلاّ عن مِحَاقِ
فإلاّ نَقْتَبِلْ عَهْداً رَضِيّاً
بعَيداً مِنْ نُبُوٍّ، وانفتِيَاقِ
فَقَدْ يَتَعَاشَرُ الأقْوَامُ حِيناً
بِتَلْفيقِ التّصنّعِ، والنّفَاقِ
وَتأتي الدّلْوُ مَلأى، بَعدَ وَهْيٍ
مِنَ الأوْذَامِ فيها، والعَرَاقي
فَلا تَبْعَدْ لَيَالينَا الخَوَالي،
وَفَائِتُ عَيْشِنا العَذبِ المَذاقِ