ما معنى الحور العين

معنى الحور العين

خلق الله تعالى الجنّة لعباده المخلصين، وجعل فيها من وسائل النعيم والراحة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، وكان من بين تلك النعم الكثيرة الحور العين، وكلمة الحور مشتقة من حوِرَ يَحوَر، حَوَرًا، فهو أحوَرُ، وحوِرتِ العينُ: اشتدّ بياضُ بياضها وسوادُ سوادها واستدارت حدقتُها، ورقَّت جفونُها،[١] والحُور: جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد، والعين: جمع عيناء، والعيناء هي واسعة العين.[٢]

خَلْق الحور العين

ذكر القرآن الكريم والسنة النبويّة العديد من صفات الحور العين حيث وصفهنّ الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم بأجمل صفات الحُسن والكمال، حيث جاء فيهما أنّ من صفاتهنّ خلوّهن من النّقص والخلل، وكذلك أنهن مهذباتٌ مُطَهَّرَاتٌ من الحيض، والنفاس، والبول، والغائط، والقاذورات كلها، والصداع، وسائر الأوجاع، والأسقام، والولادة.

يقول الحسن البصري رحمه الله في وصفهن: (هنَّ عجائزكم العُمص العُمش طَهُرنَ من قاذورات الدنيا) أما خَلقُهن فقد ذكر الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضى الله عنهما طبيعة خَلقِهنّ بقوله: (خلق الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب أي الأبيض، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما يتلألأ نور الشمس لأهل الدنيا).[٣]

وصف الحور العين في القرآن الكريم

وصف الله عزَّ وجل الحور العين في كتابه العزيز بالعديد من المواضع، منها ما يلي:

  • قال تعالى: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ*كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ)[٤] فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة ثلاث صفاتٍ من صفات نساء أهل الجنة هي: قوله: (قاصرات الطرف) أي أنّ عيونهن مقتصرات على النظر إلى أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم لشدة اقتناعهن واكتفائهن بهم. قوله: (عِين) والعين جمع عيناء، وهي واسعة العين، وهي النجلاء. قوله: (كأنهن بَيضٌ مكنون) أي أنّ ألوانهن بيضاء مشربةٌ بصفرة؛ لأن ذلك هو لون بيض النعام الذي شُبّهنَ به، فلا هن بيضٌ بياضاً شديداً منفّراً، ولا في لونهن ميلٌ للون الباهت، وذلك قمّة الحسن، ولون المرأة المذكورة كلون البيضة البكر المخالط بياضها بصفرة.[٥]
  • قوله تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً)[٦] قيل: إن المقصود بهن الحور العين حيث أنشأهنّ الله وخلقهنّ، فلم يولدن، ولم يُسبَقن بخلق، والحور العين لسن من نسل سيدنا آدم عليه السلام، بل هنَّ خلقٌ من خلق الله عزَّ وجل، أنشأهنّ لأهل الجنة خصوصاً من الرجال، وإلى ذلك ذهب أبو عبيدة وغيره، وقيل: إن المراد بهن نساء بني آدم من أهل الجنة؛ حيث إنّ الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى ما كنَّ عليه من شباب وقوة وفتوةٍ وجمال وزادهن جمالاً وحُسناً وشباباً، وكأنه خلقهنّ خلقاً جديداً من غير ولادة، وهذا الخلق يتناسب مع البقاء والخلود في الجنّة، وذلك يستلزم كمال الخَلق، وتوفر القوة الجسميّة، وانتفاء كل صفات النقص والضعف في نساء الدنيا بطبعهن كالحيض والنفاس وغير ذلك.[٧]
  • قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)،[٨] وقد روى الطبراني عن علي بني أبي طالب رضي الله عنه في ذكر كيفية دخول أهل الجنة للجنة وصفة الحور العين حين يلقونهم قوله: ( … فتتلقاهم الولدان المخلدون، يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة، يقولون: أبشر أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا، فينطلق أحدهم إلى زوجته، فيبشرها به، فيقول: قدم فلان باسمه الذي كان يسمى به في الدنيا، وقال: فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها، وتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيجيء حتى يأتي منزله، فإذا أصوله من جندل اللؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر، قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة، والنمارق مصفوفة، والزرابي مبثوثة قال: ثم يدخل إلى زوجته من الحور العين، فلولا أن الله أعدها له لالتمع بصره من نورها وحسنها؛ قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: (الْحَمْدُ لِله الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله)[٩] قال: فتناديهم الملائكة: (أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[٩])[١٠] فقد جاء في ثنايا الحديث الكثير من صفات الحور العين التي لا يتخيلها عقل ولا يتصوّرها خيال، وقد أشار الحديث إلى فرح الحور العين بلقاء أزواجهنّ من أهل الجنة واستبشارهنّ بهم وحسن استقبالهنّ لهم، وذلك من أنعم ما يصل إليه أهل الجنة بعد نعيمهم برؤية الله جلَّ وعلا.[١١]

تهيئة الحور العين لأهل الجنة

هيّأ الله الحور العين لأهل الجنة أكمل تهيئة، حتى يكنَّ نعيماً للأبرار والمتقين وكان ذلك تمييزاً لأهل الجنة، فقد جعل الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة من النعيم ما لا عين رأت ولا أذُن سمعت ولا خطر على قبل بشر، وإنّ الحور العين جزء من ذلك النَّعيم، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ*جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا*إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا*وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ*فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ*وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ*وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ*وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ*وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ*وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ*إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ)[٦]

وقد جاء فى الحديث الذى رواه البخارى، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أولَ زُمرَةٍ يَدخُلونَ الجنةَ على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، ثم الذين يَلونَهم على أشدِّ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السماءِ إضاءةً، لا يَبولونَ ولا يتغوَّطونَ، ولا يَتفِلونَ ولا يمتَخِطونَ، أمشاطُهمُ الذهبُ، ورَشحُهمُ المِسكُ، ومَجامِرُهم الأَلُوَّةُ – الأَلَنجوج، عودُ الطيبِ – وأزواجُهم الحُورُ العِينُ، على خَلقِ رجلٍ واحدٍ، على صورةِ أبيهم آدَمَ، ستونَ ذِراعًا في السماءِ)،[١٢] والناظر في النصوص السابقة يجد أنها تشير بشكلٍ واضح إلى أنَّ سبب وجود الحور العين أن يكنَّ نعيماً لعباد الله الصالحين وذلك جزاء لهم على ما قدموا في الدنيا، وعلى صبرهم عن ما حرَّم الله والتزامهم بأوامره وانتهائهم عما نهى.[١٣]

المراجع

  1. أحمد مختار عبد الحميد عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، بيروت: عالم الكتب، صفحة 578، جزء 1. بتصرّف.
  2. عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، عمان – الأردن: دار النفائس، صفحة 246-247. بتصرّف.
  3. إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، روح البيان، بيروت: دار الفكر، صفحة 84. بتصرّف.
  4. سورة الصافات، آية: 48-49.
  5. أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي (2005)، الجموع البهية للعقيدة السلفية التي ذكرها العلامة الشِّنقيطي في تفسيره أضواء البيان (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ابن عباس، صفحة 675، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب سورة الواقعة، آية: 35.
  7. أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صفحة 368، جزء 13. بتصرّف.
  8. سورة الزمر، آية: 73.
  9. ^ أ ب سورة الأعراف، آية: 43.
  10. رواه الطبري، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 20/267، إسناده صحيح.
  11. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 266-268، جزء 20. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3327.
  13. سيد سابق، العقائد الإسلامية، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 302-303. بتصرّف.