لماذا خلق الله الحور العين بالجنة

حور العين

لَمّا خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وأوجد الكون قدَّر الوسائل والسُّبُل اللازمة لضمان استمراريّة الكون، وعندما خلق آدم من طين ثمّ أَمَره أن يمكث وزوجه في الجنّة شريطة ألّا يقربا الشّجرة؛ إنّما أراد بذلك أن يختبر التزامه بأوامر الله، والانتهاء عمّا نهى، وليظهر فيما يتقدّم للعموم أنّ أصل البشريّة مجبولٌ على مُخالفة الأوامر والسّير خلف الشّائعات والخرافات؛ حيث إنّ آدم قد سار خلف إبليس الذي أوهمه أنّه ما مُنع من الأكل من الشّجرة إلا لأنّ خلوده وبقاءه مُتوقّفٌ على أكله منها، ممّا دفعه لمعصية الله.

من هنا نشأت البشريّة وتكاثرت بعد أن نزل آدم وزوجه إلى الأرض، ولأنّ الجنّة والنّار خُلِقَتَا ليكونا نتيجةً تصل إليها البشريّة بعد خروج آدم من الجنة، فقد جعل الله لهما أسباباً للوصول إلى كل واحدةٍ منهما من الكفر والإيمان، كما جعل لمن يدخل الجنّة أبواباً من النّعيم عديدة، وعلى النّقيض، فقد جعل لمن تُوصِله أعماله إلى نار جهنم أبواباً عديدةً من العقاب، وكان من أوجه نعيم أهل الجنة الكثيرة الحور العين، حيث جاء ذكرها في القرآن الكريم والسُنّة النبويّة في العديد من المواضع.

معنى الحور العين

الحور: مصدر حوِرَ يَحوَر، حَوَراً، فهو أحوَرُ، وحوِرتِ العينُ: (اشتدّ بياضُ بياضها واسودّ سوادها واستدارت حدقتُها، ورقَّت جفونُها)،[١] والحُور: (جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السّواد. والعين: جمع عيناء، والعيناء هي واسعة العين).[٢]

خلق وصفات حور العين

تتَّصف الحور العين بكلّ صفات الحُسن والكمال، وتخلو منهنّ صفات النّقص والخلل، وممّا جاء في وصفهِنّ أنهُنّ مُطَهَّرَاتٌ مُهذباتٌ من الأحوال المُستَقذرة التي تمرّ بباقي النّسوة، كالحيض، والنّفاس، والبول، والغائط، والمنيّ، والمُخاط، والبلغم، والورم، والدَّرَن، والصّداع، وسائر الأوجاع والأسقام. ولا تمرّ الحور العين بمراحل الولادة التي تمرّ بها النّساء، ولا تعتريها دسائس الطّبائع، وسوء الخُلق، وميل الطّبع إلى غير الأزواج وغير ذلك. وقد قال الحسن البصريّ رحمه الله في وصفهنّ: (هنَّ عجائزكم العُمص العُمش طَهُرنَ من قاذورات الدّنيا).

أما خَلقُهن، فقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله في وصف خَلقِهن: (خَلق الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزّعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب أي الأبيض، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور، إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما يتلألأ نور الشّمس لأهل الدّنيا).[٣]

وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً)؛[٤] قيل: هُن الحور العين أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة، ولم يسبقنَ بخلق، والحور العين لَسْنَ من ولد آدم عليه السّلام، بل خَلقهنّ الله عزَّ وجل وأنشأهنّ لأهل الجنّة من الرّجال، وهو ما ذهب إليه أبو عبيدة وغيره، وقيل: المُراد بهنّ النّساء من بني آدم، والمقصود بذلك أنّ الله سبحانه أعادَهنّ بعد الموت إلى ما كُنَّ عليه من شباب وقوّة وجمال، فيخلقهن الله في يوم القيامة خلقاً جديداً من غير توسّط ولادة، خلقاً يُناسب البقاء والدّوام، وذلك يستلزم كمال الخَلق، وتوفُّر القوّة الجسميّة، وانتفاء كلّ صفات وسمات النّقص والضّعف، كما أنّه يتضمّن انتفاء كل الصّفات المُستَقذَرة المقبوحة من الحيض والنّفاس والبول والغائط وغير ذلك.[٥]

سبب خلق الله للحور العين

بعد أن خلق الله الجنّة والنّار هيَّأهُما لأهلهما، فجعل لأهل الجنّة من النّعيم ما لا عين رأت ولا أذُن سمعت ولا خطر على بشر من قبل، وكان من ذلك النَّعيم أن أنشأ لأهل الجنّة أزواجاً من الحور العين أعطاهنّ أجمل الصِّفات، ونفى عنهن كلّ صفةٍ من صفات النّقص والاستقذار التي يَمقُتها الإنسان، أو التي في وجودها تضييعٌ للجمال، وتفويتٌ للغاية التي خُلِقنَ من أجلها، وهي تنعُّم رجال أهلّ الجنة بهن، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ).[٤]

وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري، أنّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قال: (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِى السَّمَاءِ)،[٦] فقد أشارت النّصوص السّابقة إلى أنَّ سبب وجود الجنّة وكل ما فيها من رفاهيّات ومُغرَياتٌ إنّما خُلِقت لتكون نعيماً للمُؤمنين من عباد الله الصّالحين، وجزاءً لهم على ما قدَّموا في الحياة الدّنيا، وعلى صبرهم على عن المُحرّمات، والتزامهم بأوامر الله سبحانه وتعالى، وانتهائهم عمّا نهى.[٧]

وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)،[٨] وما فيه من ذكر كيفيّة دخول أهل الجنّة لها كما جاء في الحديث الذي يرويه أمير المُؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يُبرز وظيفة الحور العين التي خُلقنَ من أجلها، فإنّ الآية سالفة الذّكر وهذا الحديث يُثبت أنَهُنّ خُلِقنَ لكي يكُنَّ نعيماً للمؤمنين الصّالحين، وذلك جزاءً لهم بما كانوا يعملون في الدّنيا من أبواب الخير.[٩]

موضع الشّاهد من حديثه -رضي الله عنه- قوله: ( … فتتلقّاهم الولدان المُخلّدون يطيفون بهم كما تُطيف ولدان أهل الدّنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة، يقولون: أبشر أعدّ الله لك كذا، وأعدّ لك كذا، فينطلق أحدهم إلى زوجته فيُبشّرها به، فيقول: قَدِم فلان باسمه الذي كان يُسمّى به في الدّنيا، وقال: فيستخفّها الفرح حتّى تقوم على أسكفة بابها، وتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيجيء حتّى يأتي منزله، فإذا أصوله من جندل اللّؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر، قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة، والنّمارق مصفوفة، والزَرابيّ مبثوثة قال: ثمّ يدخل إلى زوجته من الحور العين، فلولا أنّ الله أعدّها له لالتمع بصره من نورها وحُسنها، قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كُنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله)،[١٠] قال: فتناديهم الملائكة: (أن تِلكُم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون).[١٠]).[١١]

المراجع

  1. أحمد مختار عبد الحميد عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، بيروت: عالم الكتب، صفحة 578، جزء 1. بتصرّف.
  2. عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، عمان – الأردن: دار النفائس، صفحة 246-247. بتصرّف.
  3. إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، روح البيان، بيروت: دار الفكر، صفحة 84. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة الواقعة، آية: 35.
  5. أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صفحة 368، جزء 13. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3327.
  7. سيد سابق، العقائد الإسلامية، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 302-303. بتصرّف.
  8. سورة الزمر، آية: 73.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 266-268، جزء 20. بتصرّف.
  10. ^ أ ب سورة الأعراف، آية: 43.
  11. رواه الطبري، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 20/267، إسناده صحيح.