الجنة تحت اقدام الامهات

الجنّة تحت أقدام الأمّهات

ينسبُ كثيرٌ من النّاس هذا الحديث إلى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، وتتمّته: من شِئن أدخلن ومن شئن أخرجن، وقال الألباني في تضعيفه أنّه حديثٌ موضوعٌ، ويغني عنه حديث معاوية بن جماعة أنّه جاء النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقال:” يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك. فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإنّ الجنّة تحت رجليها “، رواه النّسائي وغيره، كالطّبراني، وصحّحه الحاكم، ووافقه الذّهبي، وأقرّه المنذري. وعلى هذا فإنّ نسبة الحديث المذكور إلى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لا تصحّ، وهناك من النّصوص الشّرعية من الكتاب والسّنة ما يغني عنه في موضوعه، ويحمل أكثر من معناه.

برّ الوالدين

ذُكر في الحديث أنّ صحابيّاً قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ فقال له الرّسول: أمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أبوك “. وعن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال : سأَلتُ النّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى ؟ قال : الصَّلاةُ على وقْتِهَا. قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قال: بِرُّ الْوَالِديْنِ. قلتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قال : الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ “، متّفقٌ عليه . وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال: أَقْبلَ رجُلٌ إِلى نَبِيِّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقال:” أُبايِعُكَ على الهِجرةِ وَالجِهَادِ، أَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللَّه تعالى . قال: فهَلْ مِنْ والدِيْكَ أَحدٌ حَيٌّ ؟ قال : نعمْ، بل كِلاهُما قال : فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّه تعالى؟ قال : نعمْ. قال : فَارْجعْ إِلى والدِيْكَ، فَأَحْسِنْ صُحْبتَهُما “، متّفقٌ عليه .

في برِّ الوالدين خير عظيم، ويفهم من هذه الأحاديث أنّ برّ الوالدين فرض على كل من أدركهما، فالأمّ هي التي حملت ولدها في بطنها طوال تلك الشّهور، وهي التي تألّمت عند الولادة، وأرضعت ولدها ليلاً ونهاراً، ورعت بيتها وأسرتها. فكلّ من أراد رضا الله، وطلب الفوز بالمراتب العليا، عليه أن يلزم طاعة والديه، ويتمسّك بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قال :” رغِم أَنْفُ، ثُم رغِم أَنْفُ، ثُمَّ رَغِم أَنف، مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ، أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما، فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ “، رواه مسلم .

الأدلّة عليه من القرآن

  • قال اللَّه تعالى:” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً “، النّساء/36 .
  • وقال تعالى:” وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “، العنكبوت/8.
  • وقال تعالى:” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً “، الإسراء/24-23 .
  • وقال تعالى:” وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ “، لقمان/14 .

أشكاله

  • فعل الخير وإتمام الصّلة وحسن الصّحبة، وهو في حقّ الوالدين من أوجب الواجبات.
  • عدم رفع الصّوت عليهما أو مقاطعتهما في الكلام، وعدم مجادلتهما والكذب عليهما، وعدم إزعاجهما إذا كانا نائمين، وإشعارهما بالذّل لهما، وتقديمهما في الكلام والمشي احتراماً لهما، وإجلالاً لقدرهما.
  • اختصاص الأم بمزيد من البرّ، لحاجتها، وضعفها، وسهرها، وتعبها في الحمل، والولادة، والرّضاعة.
  • رعايتهما وخاصةً عند الكبر، وملاطفتهما، وإدخال السّرور عليهما، وحفظهما من كلّ سوء.
  • استئذانهما قبل السفر وأخذ موافقتهما، إلا في حجّ فرض، قال القرطبيّ رحمه الله:” من الإحسان إليهما، والبرّ بهما، إذا لم يتعيّن الجهاد ألّا يجاهد إلا بإذنهما “.
  • الدّعاء لهما بعد موتهما، وبرّ صديقهما، وإنفاذ وصيّتهما.

كيفيته

  • حافظ على سمعة والديك، وشرفهما، ومالهما، ولا تأخذ منهما شيئاً بدون إذنهما.
  • اعمل ما يسرّ والديك، ولو في غير أمرهما، كالخدمة، وشراء اللّوازم، والاجتهاد.
  • شاور والديك في أعمالك كلها، واعتذر لهما إذا اضطررت للمخالفة.
  • أكرم أصدقاء والديك وأقرباءهما.
  • لا تجادل والديك، ولا تخطّئهما، وحاول بأدبٍ أن تبيّن لهما الصّواب.
  • لا تعاند والديك، ولا ترفع صوتك عليهما، وأنصت لحديثهما، وتأدّب معهما.
  • ساعد أمّك في البيت، ولا تتأخّر عن مساعدة أبيك في العمل.
  • لا تتناول طعاماً قبل والديك، وأكرمهما في الطّعام، والشّراب، واللّباس.
  • لا تكذب عليهما، ولا تلمهما إذا عملا عملاً لا يعجبك.
  • لا تتكبّر في الانتساب إلى أبيك، ولو كنت ذا مركز كبير، واحذر أن تنكر معرفتهما، أوتؤذيهما ولو بكلمة واحدة.
  • لا تبخل بالنّفقة على والديك حتى يشكواك.

فضله

  • أنّه سبب من أسباب مغفرة الذّنوب، قال تعالى: ” ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً “، إلى أن قال في آخر الآية الثّانية: ” أولئك الذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم في أصحاب الجنّة وعد الصّدق الذي كانوا يوعدون “، الأحقاف .
  • أنّه سبب في زيادة العمر، فعن أنس بن مالك قال صلّى الله عليه وسلّم:” من سرّه أن يمدّ له عمره، ويزاد في رزقه، فليبرّ والديه، وليصل رحمه “، رواه أحمد .
  • أنّه سبب في حصول مبرّة الأبناء لمن برّ والديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، وعفّوا تعفّ نساؤكم “، رواه الطّبراني .

أمثلة عليه

  • يخبرنا الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن ثلاثة رجالٍ ممن كانوا قبلنا، أخذهم المطر فمالوا إلى غار، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل، فتوسّل كل واحد منهم إلى الله بأرجى عملٍ صالح عمله ليخلّصهم ممّا هم فيه. فقال أحدهم:” اللّهم إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صِبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت، بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه قد نأى بي الشّجر يوماً، فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رأسيهما، أكره أن أوقظهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجةً نرى منها السّماء “. فاستجاب الله دعاء هذا الرّجل الصّالح في وقتٍ من أحرج الأوقات، فجعل له مخرجاً ببرّه لوالديه.
  • ضرب لنا صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والسّلف الصالح أروع الأمثلة في البرّ بالوالدين والإحسان إليهما، ومن ذلك ما يروى أنّ أسامة بن زيد كان له نخل بالمدينة، وكانت النّخلة تبلغ نحو ألف دينار، وفي أحد الأيّام اشتهت أمّه الجمار، وهو الجزء الرّطب في قلب النّخلة، فقطع نخلةً مثمرةً ليطعمها جمارها، فلمّا سُئل في ذلك قال: ليس شيء من الدّنيا تطلبه أمّي أقدر عليه إلّا فعلته.

عقوق الوالدين

وعكس البرّ العقوق، ونتيجته وخيمة، لحديث أبي محمد جبير بن مطعم أن رسول الله قال:” لا يدخل الجنّة قاطع “، وقال سفيان في روايته:” يعني قاطع رحم “، رواه البخاريّ ومسلم . والعقوق هو العقّ والقطع، وهو من الكبائر، بل كما وصفه الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- من أكبر الكبائر، وفي الحديث المتفق عليه:” ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً وجلس فقال: ألا وقول الزّور وشهادة الزّور، فما زال يردّدها حتى قلنا ليته سكت “.

مظاهره

  • إبكاؤهما وإدخال الحزن إلى قلبيهما بقول، أو فعل، أو غير ذلك.
  • البراءة منهما أو التّخلي عنهما، فعن أنس الجهنيّ عن أبيه، أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال:” إنّ لله تعالى عباداً لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، قيل: من أولئك يا رسول الله ؟ قال: متبرّئ من والديه، راغب عنهما، ومتبرّئ من ولده، ورجل أنعم عليه قوم فكفر بنعمتهم، وتبرّأ منهم
  • تقديم الزّوجة على الأمّ والأب فيما للوالدين فيه دخل.
  • عدم زيارتهما والسّؤال عنهما، أو التّأخير في ذلك.