كيف أنظم يومي في طاعة الله
الفراغ
يطول الليل في الشتاء كما النهار في الصيف، فيشعر الناس بالملل والضجر، وتضيع الأوقات من دون فائدة، ورُّبما ضاعت بالمعاصي للتخلص من الفراغ والملل، فالفراغ من السموم التي تقضي على الإنسان، ويجب أن لا يغفل الناس عن نعم الله -تعالى- عليهم ومنها نعمة الوقت، ومغبونٌ من كانت لديه أوقات فراغ في حياته؛ فالكثير من الناس يتمنّون ساعة فراغ، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهمية الوقت في الإسلام، فالإنسان سيُسأل عن عمره فيما أفناه، والعاقل من استغلَّ وقته بما ينفعه في دنياه وآخرته وجعل أعماله أكثر من أوقاته، وليس في الدنيا أطيب للمؤمن من استغلال وقته في ذكر الله، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يرم فيها معاشه، وساعة يخلى بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل، وليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم)، فمبادرة المرء إلى اغتنام الوقت وترك التسويف أمرٌ لا بُدَّ منه، فقد كان ابن جرير الطبري يكتب باليوم أربعين ورقة على مدى أربعين عام؛ لأنَّه أدرك أنَّ الوقت الذي يمضي لا يعود.[١]
كيف أُنظم يومي في طاعة الله
تعدّ حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً عملياً لما ينبغي أن يكون عليه المسلم؛ للحصول على رضا الله تعالى، سواءً كان في البيت أو المسجد أو الحقل أو السوق، فحياة رسول الله قدوة للمسلم في كل أُمور دينه ودنياه، فهو الرحمة المهداة للعالم، فقد أحاطه الله -تعالى- بتقديره، وجمَّل طباعه وهذَّبها بالوحي، وأعدَّه لإسعاد البشرية وإخراجها من الظلمات الى النور، فلم ينشغل بسفاسف الأُمور، بل اتجه إلى أشرفها، فكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة ويحضر مجالس الخير،[٢] كما جعل الله -تعالى- القرآن الكريم الدستور المُنظِّم لحياة المسلمين، ولأنَّ الوقت من نعم الله -تعالى- على عباده؛ أقسم الله به في الكثير من الآيات وهو الغني عن القسم، منها قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[٣] كما أقسم بالضحى والليل والفجر.[٤]
ومن المعروف عند علماء التفسير أنَّ قسم الله -تعالى- بأمرٍ من الأُمور دليل على أهميته وعظمته، وقد فضَّل الله بعض الأوقات على بعضها الآخر مثل: الاستغفار بوقت السحر، والتسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وفي هذا التفضيل دليل على أهمية الوقت، كما أمر الله -تعالى- النبي -صلى الله عليه وسلم- وأُمّته من بعده بعدم التهاون بوقت الفراغ بقوله: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب)،[٥] ويكون ذلك بالاستفادة من الوسائل المُعينة على تحقيق الأهداف من خلال المواءمة بين الأهداف والواجبات، فلا تفاضل بين الناس من حيث كمية الوقت المتاحة لهم، لكن الفرق يكمن في طريقة إدارة الإنسان لوقته، وعلى هذه الإدارة يترتب نجاح الإنسان أو فشله، ومع وجود الأجهزة الحديثة التي تُسّرع قيام الناس بمختلف الأعمال أصبحت مسؤوليتهم عن وقتهم أكبر من الناس في العصور الماضية، فقد كانوا يَقضون الشهور في قطع المسافات لتحصيل العلم، بخلاف هذا العصر الذي يتميَز بالسهولة والسرعة.[٤]
ومما يعين على القيام بأكبر قدر ممكن من العبادات، عمل خطة يومية للعبادة والعمل، بقواعد مستندة على القرآن الكريم والسنة النبوية، فالقاعدة الأُولى اشتمال الخطة على ذكر الله -تعالى- بفرعيه؛ القولي مثل: التسبيح والتهليل، والعملي من خلال فعل الطاعات والابتعاد عن المحرمات، ويكون السَّبق لمن تمكَّن من الجمع بينهما، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهمية الذكر بقوله: (ألا أُنبِّئكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلْقَوا عدوَّكم، فتضرِبوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ ذكرُ اللهِ)،[٦][٧] لذا على المسلم أن يضع خطة عمل ويلتزم بها ويراعي مجموعة من الأُمور منها:[٨]
- تخصيص نصف ساعة من وقته قبيل الفجر؛ للخلوة مع الله تعالى، بالصلاة والاستغفار، فهو وقت مبارك ينزل فيه الله -تعالى- إلى السماء الدنيا، فيجيب الدعاء ويقبل التوبة.
- الجلوس بعد أداء صلاة الفجر لعدة دقائق وتسبيح الله -تعالى- فيها، وترديد دعاء: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، مع أذكار الصباح المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ للحصول على الكثير من الأجر.
- القيام بما يتوَجَّب علي المسلم من الحقوق اتجاه المسلمين، مثل: زيارة المريض، وحضور دروس العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الاهتمام بأداء النوافل مثل: صلاة الضحى، والسنن الرواتب، والصدقة وغيرها من أبواب الخير التي تُطفئ غضب الله -تعالى- وترفع درجات العبد في الدنيا والآخرة.
طرق الإدارة الفعالة لليوم
كثيراً ما يشتكي الناس من عدم وجود الوقت لقراءة القرآن وغيره من الأمور المهمة في حياة المسلم، وما هذه إلا حجة ناتجة عن عدم الاهتمام بإدارة الوقت رغم وجود العديد من الآيات والأحاديث التي تشير الى أهمية إدارة الوقت، ومن أهم الطرق التي تعين على حفظ الوقت وزيادة بركته وإنتاجيته:[٩]
- القيام بتوزيع الوقت على الأعمال والمسؤوليات بإدارة جيدة، ودون القيام بالعمل بشكل متواصل.
- وضع المهام في قائمة مكتوبة بشكل يومي أو أُسبوعي؛ لتجنب إهدار الوقت بلا فائدة.
- ترتيب الأولويات وتصنيفها من الأُمور المهمة والعاجلة إلى الأقل أهمية؛ لتجنب التأخر في إنجاز الأعمال والبقاء في أزمة البعد عن تحقيق الأهداف.
- أن تكون المهام واقعية وقابلة للتحقيق، مع مراعاة وجود وقت للعائلة والوظيفة ووقت محدد للاسترخاء.
- يجب أن لا يقل عدد المهام في قائمة الأعمال اليومية عن سبعة أعمال، وأن لا تشتمل على الأمور الفطرية مثل: الأكل وغيره.
- تحديد المواهب واستثمارها بأفضل طريقة، ومعرفة نقاط الضعف وكيفية معالجتها.
- تحديد ساعات الإبداع وساعات الاسترخاء؛ للقيام بأهم الأعمال اليومية في وقت الحيوية والنشاط، وعادة ما تكون ساعات الإبداع في الصباح الباكر.
- التدرج في تقليل ساعات النوم؛ لتجنب إضاعة الوقت.
المراجع
- ↑ بدر هميسه، “إياك والفراغ”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد عاري (9-3-2015)، “محمد رسول الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة العصر، آية: 1-3.
- ^ أ ب د. عيد شبايك (30-1-2010)، “الإسلام وفن إدارة الوقت”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الشرح، آية: 7-8.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2871، صحيح.
- ↑ “خطة يومية للعبادة والعمل”، www.consult.islamweb.net، 11-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 3-1-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الله القصيِّر (31-1-2010)، “خطة عمل يومي (مقترحة) لكل مسلم ومسلمة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-1-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الملك الجنيدي، “خمسون طريقة فعالة لإدارة الوقت”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-1-2019. بتصرّف.