كيف تستغل وقتك في طاعة الله

أهميّة الوقت في الإسلام

اعتنى الإسلام بالوقت عنايةً كبيرةً؛ فقد أقسم الله تعالى به في أكثر من موضعٍ في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)،[١] كما أقسم بالفجر والضحى والعصر؛ ممّا يدلّ على أهميّة الوقت، فالوقت من الأمور التي يُسئل عنها العبد يوم القيامة، والتي جعلها الله تعالى من أعظم النعم التي أنعم بها على عباده، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ)،[٢] وبذلك فإنّ الإشارة إلى أهميّة الوقت منصوصٌ عليها في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، فالحرص على الوقت من واجبات المُسلم؛ لأنّ ما يمضي منه لا يعود، وذلك ما دفع الصحابة الكرام إلى تطبيق مفهوم استغلال الوقت في حياتهم، حتى كان عبد الله بن مسعود يبغض الرجل إذا رآه متفرّغاً من العمل النافع سواء كان للدنيا أو الآخرة، ورُوي عن أبي الدرداء أنّه قال لأصحابه: “أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد، قالوا: نعم، فقال لهم: إنّ سفر الآخرة أولى بأن نُعدَّ له الزاد”.[٣]

كيفيّة استغلال الوقت في طاعة الله

للوقت في الشريعة الإسلاميّة عدّةُ خصائص دالّةٍ على أهميّته؛ فقد كلّف الله تعالى الإنسان بالعديد من التكاليف، وأعانه على أدائِها بنعمة الوقت، وللوقت أثره من حيث النفع والضرر على الإنسان؛ فإن أحسن الإنسان استغلاله بما يعود عليه بالخير انتفع، وإن أساء بتضييع وقته دون فائدةٍ عاد عليه بالضرر، كما أنّ عُمْرَ الإنسان محدودٌ ما بين مولده ووفاته التي لا يعلمها إلّا الله تعالى، وقد وصف الحسن البصريّ الإنسان بقوله: “ابن آدم، أنت أيامٌ كلّما ذهب يومٌ ذهب بعضك”، فالوقت في حركةٍ دائمةٍ، ولا يمكن إرجاعه؛ لذلك قيل إنّه من حيث القيمة أغلى من الجواهر، لأنّ الوقت هو الحياة، وقد جعل الله تعالى الحياة الدنيا مزرعة الآخرة، فربط الأعمال الصالحة والعبادات بالأوقات، وفي ما يأتي بيانٌ لكيفيّة استغلال الوقت.[٤]

الطرق المُثلى لاستغلال الوقت في طاعة الله تعالى

إنّ من أبرز الطرق للمحافظة على الوقت واستغلاله بالوجه الأمثل الذي يُرضي الله، ما يأتي:[٤]

  • تحليل الوقت، بمعرفة النشاطات المطلوب إنجازها، والوقت الذي يحتاجه كلّ نشاطٍ من هذه الأنشطة، على أن يتناسب الوقت مع المهمة؛ بعمل جدولٍ للنشاط والوقت المناسب لكلّ نشاطٍ ؛ ليتمكن من تقدير مواطن الخلل والعمل على تجاوزها.
  • معرفة الإنسان للوقت الذي يَعظُم نشاطه فيه، فمنهم من يزداد نشاطه في الصباح، ومنهم من يدرك ذلك في المساء، فيجعل إنجاز الأمور المهمّة في هذا الوقت، ويُنحّي الأمور الأقل أهميّةً إلى أوقات الفتور.
  • التخطيط، بجمع الأهداف المطلوبة، مع معرفة الأساليب المراد اتباعها لتحقيق هذه الأهداف، وكتابة هذه الأُمور يدويّاً، مع مراعاة ما يعترض الإنسان من الظروف والمعوّقات.
  • الحرص على نظافة مكان العمل، ووضع كلّ شيءٍ في مكانه؛ للتمكّن من إنجاز المهامّ بهدوءٍ.
  • عدم تأجيل الأعمال المطلوبة إلى وقتٍ لاحقٍ، فهذا من شأنه أن يراكِم المهامّ ويسهم في تضييع الوقت.

نماذج استثمار الوقت من السلف الصالح

إنّ في السلف الصالح نماذج عظيمةً تُبرز اهتمامهم بالوقت وكيفيّة اغتنامه، فهذا الحافظ أبو الفرج بن الجوزيّ كان لا يشبع من قراءة الكتب، فإذا رأى كتاباً فكأنّما وقع على كنزٍ من الكنوز، وقد قرأ ما يفوق عشرين ألف مجلّدٍ، وما يزال يريد المزيد، ويقول ابن الجوزيّ عن تضييع الوقت: إنّ الناس يُكثرون من المجالس التي يتخلّلها الغيبة والنميمة، فوقع بين أمرين؛ إمّا أن ينكر عليهم فعلهم ويخالف المألوف، وإمّا أن يوافق حالهم و يضيع زمانه، فاختار التوسّط بين الأمرين، فكان يدّخر الأعمال التي لا تمنع المحادثة عند لقاءهم ولا تحتاج إلى التفكّر والتدبّر، مثل؛ حزم الدفاتر وبري الأقلام.[٤]

مسؤوليّة الإنسان عن الوقت

خَلق الله تعالى الإنسان، وجعل فيه من الكثير من الطاقات الكامنة، وجعل على عاتق المربّين تفريغ هذه الطاقات، بتوجيه جهودهم إلى الطريق الصحيح؛ من خلال استثمار أوقات الفراغ؛ فالإنسان إن لم يشغل نفسه بالخير شغلته بالباطل، والفراغ من الفرص الكبيرة لتحصيل المنفعة، فلو تفكّر الإنسان في أوقاته المهدورة في الأسواق وغيرها، لوجدها كثيرةً؛ ممّا تسبّب في تأخّر أمّة الإسلام من حيث الإنتاج القومي والعجز المتزايد في ميزانيات الشعوب؛ لذلك أوجب الله تعالى على الإنسان استغلال الوقت بشكلٍ كاملٍ، يقول الله تعالى: (وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا)،[٥] فجعل الله تعالى جميع العبادات مرتبطةً بأوقاتٍ مخصوصةٍ؛ كالصلاة والصيام والحجّ، ممّا يعين الإنسان على الدقّة واحترام الوقت، ومن الجدير بالذكر أنّ استغلال الوقت من المهارات التي يُمكن اكتسابُها بالخبرة وحُسن التقدير للأمور، فلو جمع الإنسان الواجبات المطلوبة منه، لوجدها تتجاوز الوقت المتاح؛ لذلك عليه التنظيم وحسن الاستغلال لوقته، ويكون التنظيم بترتيب الأولويّات، كما أنّ هذا التنظيم من الأمور التي يكون غرسها في الأطفال من الصغر؛ لتحقيق رسالة الله تعالى في الأرض، وتفاعل الإنسان مع مواهبه،[٦] ويكون ذلك بعمل جدولةٍ تعتمد على طريقةٍ تَحكم الإنسان في وقته، فإذا أراد الإنسان القيام بأيّ عملٍ، فعليه في البداية معرفة جميع التفاصيل وإعداد سجلٍّ زمنيّ، على أن يتّسمَ هذا السجلّ بالواقعيّة والشمول، مع تقسيم المهامّ إلى طويلة الأمد وقصيرة الأمد، وعمل تقييمٍ يحدّد الأُمور التي تمّ إنجازها، والأمور التي لم يتم إنجازها، والحرص على معرفة الأسباب وراء هذا الخلل، والقضاء على التأجيل، الذي يُعدّ من العقبات التي تمنع مباشرة الأعمال.[٧]

المراجع

  1. سورة الليل، آية: 1-2.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6412، صحيح.
  3. محمد عبد الخالق، “أهمية الوقت في حياة المسلم”، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت د. سيد نوح (29-10-2011)، “الوقت في حياة المسلم”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2018. بتصرّف.
  5. سورة الكهف، آية: 28.
  6. كيندة التركاوي (1-10-2016)، “مسؤولية الإنسان عن الوقت”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2018. بتصرّف.
  7. مبارك بقنه، “جدولة الوقت”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2018. بتصرّف.