مظاهر عفة المرأة المسلمة

مفهوم العفّة

العفّة في اللغة هي: الكفّ عن الحرام، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ، فهي: التوسط بين المغالاة في اتباع الشهوة وبين الخمود الذي هو تفريطها، وهي ضبط النفس، والاقتصار على ما يُقيمها مع البعد عن الإسراف،[١] ولقد اختار الله تعالى هذا الخُلق العظيم ليكون من أهمّ لبنات المجتمع الإسلاميّ، فكانت سورة النور نوراً يبعث بخُلق العفّة في روح الشباب المسلم ويعزّزه؛ لكثرة ما ذُكر فيها من الآداب والأخلاق التي يسعى إليها صاحب الفطرة السليمة، يقول الله تعالى: (سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢] فقد افتُتحت السورة بذكر قُبح جريمة الزنا، ثمّ تسلسلت الآيات في ذكر العديد من الوسائل الوقائيّة، والتي منها القوليّ ومنها الفعليّ ومنها ما يتطلّب الإرادة القويّة، وليس بعد النور إلّا الظلام لكلّ من جانَب خُلق العفّة وأراد للفاحشة أن تسري في المجتمع فتهدم أركانه.[٣]

مظاهر عفّة المرأة المسلمة

وعد الله تعالى من تَخلّق بخُلق العفّة بالغنى في قوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)،[٤] كما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله تعالى تكفّل بمعونة من أراد العفاف؛ لأنّه بالعفاف يرقى إلى منزلةٍ عاليةٍ، وبالتخلّي عن العفّة يتردّى حاله إلى درجةٍ دونٍ لا تليق بمسلمٍ، وللعفّة مجالاتٌ تُعرف بها، أهمّها: عفّة الفرْج، وتكون بصون فرْج المسلم والمسلمة عن كلّ ما حرّم الله تعالى، ولا بُدّ عند الحديث عن العفّة من ذكر رمز العفّة؛ يوسف عليه السّلام، فقد تعرّض للفتنة من امرأة العزيز التي كانت ذات جاهٍ وجمالٍ، فما كان منه إلّا أن ثبت مستذكراً جلال الله تعالى ومراقبته له، كما تكون العفّة بحفظ اللسان عن كلّ ما يُغضب الله تعالى، من الغِيبة والنميمة وقول الزور، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،[٥] فعلى المسلم أن يستشعر مراقبة الله تعالى وينتبه لأقواله، فقد وعد الله تعالى من يقول الحقّ بأن يُصلح حاله، فمن صفات أهل الإيمان ابتعادهم عن قول السوء، فقد ذُكر أنّ رجلاً قصد وهب، فقال له: فلان ذكرك بسوءٍ، فردَّ عليه وهب بحكمةٍ كبيرةٍ قائلاً: أما وجد الشيطان بريداً غيرك،[٦] كما أنّ من تأمّل في قصة نبيّ الله موسى -عليه السّلام- مع المرأتين، وجد العديد من مظاهر العفّة، ومنها:[٧]

  • أنّ المرأتين حرصتا على أن يقفا بعيداً عن الرجال؛ لاجتناب الاختلاط.
  • أنّهما لم تتكلما بما لا داعي له، فتحدّثتا كلاماً يجيب عن جميع الأسئلة المُحتملة بجملةٍ عفيفةٍ.
  • عفّة المرأتين كانت في قولهما، أمّا عفّة موسى عليه السّلام، فقد ظهرت في فعله؛ حين قام بالمساعدة دون طلبٍ منهما.
  • عند انتهاء موسى -عليه السّلام- من المساعدة، لم ينتظر الشكر منهما على ما فعل، وإنّما ذهب مبتعداً إلى الظلّ.
  • العفّة في المشية، فقد وصف القرآن طريقة مشي إحداهما بأنّه كان على استحياء، ويخلو من التكسّر والتبرّج، يقول الله تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)،[٨] ولم تنسب الكلام لنفسها، بل نسبته إلى أبيها.

معالم في العفّة

للعفّة معالم؛ وهي الدلالات التي من شأنها أن تدلّ على طريق العفّة، وتُعين على تجنّب الفاحشة، ومن هذه المعالم:[٣]

  • إقامة الحدود، وعدم التهاون في تطبيقها، على أن تُقام الحدود بحضور الناس؛ حتى تكون العبرة لاجتناب الرذيلة والبعد عنها على مستوى المجتمع.
  • إقصاء الزناة عن المجتمعات، فلو كان النهج المُتّبع في المجتمعات قائماً على نبذ الزناة، لعلا صوت العفّة في المجتمع.
  • حرّم الله تعالى قذف المحصنات، وجعل القذف دون وجود الشهود سبباً للجلد بمقدار ثمانين جلدةً، وجعل القاذف من الفاسقين الذين لا تُقبل شهادتهم؛ لمنع التساهل في الكلام عن أعراض الناس.
  • تغليب حسن الظنّ، والتثبّت عند تناقل الأخبار بين الناس بجعل الأحاديث عقلانيّةً وصادرةً عن فهمٍ ودرايةٍ.
  • الحرص على الاستئذان عند دخول البيت؛ فالاستئذان من الآداب الرفيعة التي شُرعت من أجل منع النظر المُحرّم.
  • غضّ البصر؛ فهو من أعظم الأسباب التي تحمي المجتمعات من انتشار الفواحش.
  • النكاح؛ فالزواج عفّةٌ وعبادةٌ، أمّا من لم يتمكّن من الزواج، فعليه التزام العفّة.

الإسلام والمرأة المسلمة

كرّم الإسلام المرأة، وأعلى من شأنها، وحفظ لها جميع الحقوق، ففي طفولتها لها من والديّها حُسن التربية والعناية الكاملة، وتنتقل هذه العناية إلى مرحلة الشباب؛ فلها الحقّ في اختيار الزوج، ولها من زوجها التقدير والنفقة عليها حتى لو كانت موسرةً، وفي أمومتها جعل الله تعالى رضاه مقترناً برضاها، فهي في جميع مراحلها مُكرّمةٌ، ومن الحقوق التي شرعها الله تعالى لها؛ حقّها في التملّك، وحقّها في التعليم، كما أنّ الحجاب من نِعم الله تعالى التي أنعم بها على المرأة؛ صوناً لها، كما أباح لها في حال عدم إمكانيّة استمرار الحياة الزوجيّة أن تُفارق زوجها على عوضٍ يتّفقان عليه، وحرّم على الرجل ظلمها أو الإساءة إليها، على ألّا تقوم بعصيانه دون وجه حقٍّ، فله في هذه الحالة أن يُعاقبها عقاباً يتناسب مع عصيانها، كما أقرّت الشريعة الإسلاميّة حقّ المرأة في الميراث، فهذا نظام الله تعالى الذي لا يُقارن مع القوانين الوضعيّة التي تنظر إليها على أنّها سلعةٌ تباع وتشترى.[٩]

المراجع

  1. “معنى العفة لغةً واصطلاحًا”، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
  2. سورة سورة النور، آية: 1.
  3. ^ أ ب سعيد آل ثابت، “معالم في العفة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
  4. سورة النور، آية: 33.
  5. سورة الأحزاب، آية: 70-71.
  6. مراد سلامة (23-7-2016)، “العفة ثمراتها ومجالاتها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2018. بتصرّف.
  7. عقيل الشمري، “تأملات في مظاهر العفة في قصة المرأتين مع موسى”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2018. بتصرّف.
  8. سورة القصص، آية: 25.
  9. محمد الحمد، “من صور تكريم الإسلام للمرأة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2018. بتصرّف.