من أسباب سعة الرزق

الرزق

فطر الله -تعالى- الإنسان على حبّ وجوده في الدنيا واستمراره فيها وكماله، ولمّا كان الإنسان حريصاً كلّ الحرص على ذلك، فإنّ كلّ ما يفعله الإنسان الجاهل من تجاوزاتٍ وأخطاءٍ وانحرافاتٍ كانت ناتجةً عن حبّ وجوده وحرصه الشديد على رزقه، لكنّ المؤمن الذي يدرك ويؤمن بأنّ رزقه بيد الله وحده، ولا أحد يملك أن يزيده ولا أن ينقصه، فقد ارتبط بالله وقطع أمله من الناس، وقد جاءت الآيات التي تتحدّث عن الرزق في القرآن الكريم ما يقارب من المئة آيةٍ، وكثيرٌ من الناس يتوهمون أنّ الرزق هو المال، والحقيقة أنّه ليس كذلك؛ فالمال نوعٌ من أنواع الرزق التي رزقها الله للإنسان، كما هو العلم رزقٌ، وطاعة الله رزقٌ، والزوجة الصالحة والأبناء رزقٌ، والرزق هو ما يحصل الإنسان منه المنفعة، وأمّا ما يزيد عن منفعة الإنسان فهو الكسب، وهذا هو الفرق الدقيق بين الرزق والكسب، فالله -عزّ وجلّ- يرزق الإنسان على قدر حاجته وما ينتفع به، والرزق يعرف صاحبه فيصل إليه أينما كان، وقد يظنّ بعض الناس أنّ العلم هو الذي يخلق الرزق، والصحيح أنّ العلم ييسّر كشف الرزق والوصول له، وإنّما الرزق بيد الله تعالى، والتوفيق منه وحده، كما قال في كتابه: (وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّـهِ).[١][٢]

من أسباب سعة الرزق

تكفّل الله -تعالى- برزق جميع المخلوقات، من الإنسان والحيوان والنبات، وهو عالمٌ بما يكفيها، ويحقّق حاجتها، وهو الذي قدّر ما تستقيم به حياتها، لا فرق في ذلك بين مؤمنٍ وكافرٍ في الرزق العام، وهو رزق الأبدان، ويزيد الله المؤمنين من رزقه الخاصّ، وهو رزق التقوى والصّلاح وهداية النفوس، ولا بدّ للإنسان أن يبحث عن رزقه الذي كتبه الله له بالطرق المشروعة، والابتعاد عن كل ما حرّمه الله من طرق التكسّب، وهناك من الأسباب المشروعة ما تبدو معنويّة في ظاهرها، إلّا أنّها تُورث الغنى المادي، فلا يشكو الإنسان فقراً، ولا يمدّ يده للغير ضيقاً وضعفاً، ومن أسباب سعة الرزق:[٣]

  • تقوى الله تعالى؛ فمن جعل التقوى بين عينيه في كلّ أموره، حصّل كلّ ما يريده، ومنها الرزق الوافر المضاعف من حيث لا يحتسب، فقد قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)،[٤] فينجّيه الله من كلّ كربٍ في الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يرجو ولا يأمل.
  • كثرة الاستغفار؛ فقد توعّد الله للمستغفرين كثيراً بكثرة الرزق، ونزول الأمطار، فقد قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[٥] فهذه الآية دليلٌ على أنّ الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار كما قال القرطبي، وهذا الاستغفار هو الذي يكون بحضرة القلب، والتّوبة من المعاصي والذنوب، والعزم على عدم الرجوع إليها، وليس هو الاستغفار المقصود منه كثرة العدد.
  • صلة الرحم؛ فلها الأثر الكبير في استجلاب الرزق، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
  • الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ فهو الذي أعطى المال، وهو الذي أمر بإنفاقه، وتوعّد بمضاعفته، وزيادته بطرح البركة فيه، ودفع المضرّات عنه، فيحفظ الله المال ويبارك فيه، فضلاً عن التعويض الجزيل عنه يوم القيامة.
  • الزواج المبني على التحصّن والتعفّف وابتغاء الولد؛ فهذا الزواج يبارك الله فيه، ويرزق صاحبه من حيث لا يحتسب، فقد قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[٦]

قواعد الإسلام لقضية الرزق

ما من إنسانٍ على وجه الأرض ومهما كان، سواء كان مسلماً أم غير مسلمٍ، إلّا والرزق يشغل باله، فتراه يفكّر ليلاً نهاراً في كيفية تحصيل احتياجاته، ثمّ يخرج في الصباح الباكر كي يؤمّن هذه الاحتياجات، وفي كلّ مرحلةٍ من مراحل حياته تختلف هذه الاحتياجات، ويستمر سيره ويزداد تفكيره في كيفية تحصيل رزقه، وقد وضع الإسلام بعض القواعد والمبادئ فيما يتعلّق بالرزق، وينبغي على المسلم أن يؤمن بها أثناء سيره من أجل تحصيل لقمة عيشه، ومن هذه القواعد:[٧]

  • الحثّ على العمل والنهي عن البطالة والكسل؛ قال الله تعالى: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ)،[٨] فإن رسول الله وأصحابه ساروا على درب الجد والاجتهاد، وقدّموا ما بوسعهم من أجل خدمة الأمة والدين، والعمل أشرف من البطالة والكسل مهما كان هذا العمل متواضعاً وبسيطاً.
  • الرزق مكفولٌ من الله تعالى؛ وذلك ما ورد في قول الله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)،[٩] فالرزق الذي كتبه الله لكلّ مخلوقٍ من مخلوقاته لا بدّ من تحصيله ولن يفوته.
  • كثرة الرزق لا تدلّ على محبة الله تعالى؛ فقد يرزق الله أهل الكفر والضلال ويوسّع عليهم، ويقتر على أهل الإيمان ويضيق عليهم، وليس ذلك من علامات محبة الله لأهل الكفر وكرهه لأهل الإيمان، وإنّما ذلك من الابتلاء لأهل الإيمان، ليشكر العبد ربه على السراء ويصبر على الضراء.
  • الله -عزّ وجلّ- هو المتصرّف بأرزاق العباد، يجعل من يشاء منهم غنياً ويجعل من يشاء فقيراً، وما ذلك إلّا لحكمةٍ لا يعلمها إلّا هو سبحانه، فهو الذي يعلم من عباده يصلح حاله بالغنى ومن منهم يصلح حاله بالفقر، فقد يفسد حال الفقير إن أصبح غنياً والعكس صحيح.
  • يبارك في الرزق بالطاعة، ويُمحق به في المعصية، فحتى ولو كان كثيراً في الظاهر، إلّا أنّ بركته تزول بفعل المعاصي.

المراجع

  1. سورة هود، آية: 88.
  2. “الرزق1 ، أنواع الرزق”، nabulsi.com، 30-10-1992، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.
  3. محمد ويلالي (18-4-2017)، “الأسباب العشرون لاستدرار الرزق (1)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.
  4. سورة الطلاق، آية: 2-3.
  5. سورة نوح، آية: 10-12.
  6. سورة النور، آية: 32.
  7. حسام إبراهيم، “قضية الرزق ، وكيف نظر الإسلام إليها ؟”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.
  8. سورة التوبة، آية: 105.
  9. سورة الذاريات، آية: 22-23.