كيف نثق بالله
الثقة بالله تعالى
عرّف أهل العلم الثقة في اللغة على أنّها الائتمان، ويُقال إنّ شخصاً قد وثق بآخر؛ أي ائتمنه، وأمّا بما يتعلّق بالثقة بالله -تعالى- في الاصطلاح؛ فقد بيّن العارفون أنّها الإيمان المطلق بأنّ الله -عزّ وجلّ- هو الوحيد القادر على تحقيق النفع للإنسان، ودفع الضرّ عنه، وأنّ البشر لا يملكون من أمره ولا أمر أنفسهم شيئاً، والثقة بالله -عزّ وجلّ- تعني تعلّق القلب بالله تعالى، والتوكّل عليه، وهذا ما بيّنه ابن القيم -رحمه الله- عندما فسّر التوكّل على الله بأنّه الثّقة بالله سبحانه، والسكون إليه، والطمأنينة له، ويتبع ذلك إيمان العبد بأنّ الله -عزّ وجلّ- قادر على كلّ شيءٍ، ولا يُعجزه أمرٌ في الأرض ولا في السماوات، وهو صادق الوعد لا يُخلفه أبداً، ومن الأدلّة على ذلك قول الله تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)،[١] ومن معاني الثقة بالله -تعالى أيضاً: الإيمان بقضاء الله وقدره، خيره وشرّه، فكلّ شيءٍ في الكون هو من قضاء الله وقدره، حيث قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)،[٢] وقد أضاف أهل العلم أيضاً أنّ الثقة بالله تتطلب انقياد الجوارح كلّها له، والتسليم لأمره، وهذا ما يترتّب عليه يقين المسلم بما عند الله أكثر من ثقته بما في يده ويد غيره، ويجدر بالذكر أنّ المسلم أحوج ما يكون إلى الثقة بالله، وخاصّةً عندما وهنوا المسلمين وضعفوا، وكثرت عليهم الفتن، فبالثقة بالله -تعالى- تتنزّل الرحمات، وتُفتح أبواب الأمل، ويتخلّص الإنسان من الشعور بأيّ كسلٍ أو يأسٍ، وهذا ما يقود إلى تفويض الإنسان شؤون حياته كلّها لله تعالى، والاستعانة به وحده، وعبادته بإخلاصٍ، وهذا ما يكرّر طلبه المسلم في كلّ صلاةٍ عند قول الله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).[٣][٤][٥]
كيفية الثقة بالله تعالى
إنّ للثقة بالله -تعالى- عدّة صورٍ، منها:[٦]
- الثقة بالله في استجابة الدعاء: وعد الله -عزّ وجلّ- بإجابة من دعاه؛ إن كان دعاؤه مشروعاً، وقلبه حاضراً فيه، مع غياب كلّ الأسباب التي تمنع من الإجابة؛ كأكل مال الحرام، ولا سيّما إذا أخذ المسلم بأسباب إجابة الدعاء كالالتزام بما أمر الله -تعالى- به، والابتعاد عمّا نهى عنه، والهداية والإيمان بالله، وممّا يدلّ على ذلك قول الله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)،[٧] فهذا دليل على أنّ الله -تعالى- قد تكفّل بإجابة من دعاه؛ رحمةً وفضلاً منه، وحريّ بالإنسان أن يؤمن إيماناً مطلقاً أنّ الله وحده من يُجيب، وإذا بلغ الإيمان هذا الحدّ كان لِزاماً على المسلم أن يلزم الدعاء؛ لأنّه عبادة، وألّا يتثاقل طلب أمرٍ مهما عظم، فالله -تعالى- قادر على تحقيق كلّ شيءٍ مهما رآه الإنسان صعباً وعظيماً.
- الثقة بالله في تفريج الهموم: إنّ الله -تعالى- وحده القادر على تفريج الخطوب والكروب، فهو الذي يكشف الضرّ والسوء، ويُوصل الإنسان إلى برّ الأمان والنّجاة، وحريّ بالمسلم أن يتأمّل الأدلّة العديدة من الكتاب والسنة التي تدّل على تفريج الله -تعالى- لهموم عباده، ومنهم الأنبياء، ومن ذلك ما فرّجه الله -سبحانه- على نبيّه نوح عليه السلام، حيث قال: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)،[٨] وعلى الإنسان أن يُعزّز ثقته بالله -تعالى- في تفريج الكروب مهما عَظُمت؛ باستحضاره أنّ اليسر يُرافق كلّ عسرٍ مهما عظم، حيث قال الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)،[٩] ويجدر التنبيه إلى ضرورة أخذ المسم بأسباب اليسر والتيسير، ويتوجه بقلبه إلى الله -عزّ وجلّ- سائلاً تفريج كربه، والله تعالى لن يردّه خائباً.
- الثقة بالله في تكفّله بالرزق: تكفّل الله -سبحانه- برزق مخلوقاته جميعها، وقد ورد هذا الوعد في محكم كتابه بقوله عزّ وجلّ: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)،[١٠] وجاء في تفسير الطبري -رحمه الله- للآية السابقة أنّ الله -تعالى- تكفّل برزق الدوابّ كلّها، والدابّة هي كلّ ما يدبّ على الأرض، والرزق هو ما يكفي من القوت والغذاء، ولكن يجدر التنبيه إلى أنّ الله -تعالى- سنّ أن يكون الرزق من الأمور التي ارتبطت أسبابها بمُسبّباتها، بمعنى أنّه لا بُدّ للإنسان أن يسعى ويعمل طلباً لرزقه، وممّا لا شكّ فيه أنّ الله -سبحانه- قد وفّر لعبده أسباب الهداية لطلب الرزق والعمل.
- الثقة بالله في دعوته: يجدر بالمسلم أن يثق بأنّ دين الله باقٍ، وأنّ الدعوة إليه مستمرةً إلى يوم يُبعثون، وكذلك لا بُدّ للإنسان أن يحرص على الثبات في الدعوة إلى الله، مهما واجه من صعوباتٍ وعقباتٍ، فطريق الدعوة ليس يسيراً، ولا مفروشاً بالورود.
- الثقة بالله في نصر الإسلام: حريّ بالمسلم أن يثق بأنّ الله -تعالى- ينصر دينه، ويُعزّ عباده المخلصين، وكلّ ما على المسلم أن يأخذ بأسباب النصر، ويجعل جهاده في الله خالصاً لوجهه الكريم، لا لأيّ غرضٍ من أغراض الدنيا، ويستعين بالله على مواجهة الأعداء، ولن يُخذل بإذن الله.
ثقة الأنبياء بالله تعالى
ضرب أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- أروع الأمثلة في الثقة بالله تعالى، فإبراهيم -عليه السلام- اكتفى بقول: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وذلك عندما ألقاه قومه في النّار، فنجّاه الله تعالى، وأيّده، وحفظه من سوء النار وما فيها، ومن الأمثلة أيضاً على ثقة الأنبياء المطلقة بربّهم؛ ثقة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يُنجّيه الله من كيد الكفار عندما كان مع أبي بكر، حيث وقفوا على باب الغار الذي أقاموا فيه، فنزل قول الله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[١١][٥]
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 6.
- ↑ سورة القمر، آية: 49.
- ↑ سورة الفاتحة، آية: 5.
- ↑ “حقيقة الثقة بالله تعالى”، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب “حاجتنا إلى الثقة بالله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2018. بتصرّف.
- ↑ أ.د. محمد بن إبراهيم بن سليمان الرومي (1434هـ)، ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، صفحة 17-115. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 186.
- ↑ سورة الصافات، آية: 75.
- ↑ سورة الشرح، آية: 5-6.
- ↑ سورة هود، آية: 6.
- ↑ سورة التوبة، آية: 40.