كيفية استقبال الحاج
في ظل الحياة المادية البحتة التي أسهمت في تفكك وتحلل القيم الجمالية عند الإنسان، والتي طمست أيضاً المعاني الروحية والأخلاقية، وفي ظل الفهم الخاطئ للدين، والصحوة الإسلامية المزعومة والتي ما هي إلا انحدار مرعب في كل مجالات الحياة، اندثرت العادات الاجتماعية الجميلة التي كانت منتشرة في منطقتنا العربية والتي كانت تظهر العلاقات الحميمة التي كانت تربط أبناء المجتمع الواحد، فالعرب بطبيعتهم يحبون الاجتماعيات، ولا يعرفون إلا العيش ضمن جماعات، من هنا كان هذا الانتشار الواسع والرهيب للأسر الممتدة، والتي تعمل على حماية أبنائها وصيانة حقوقهم، وزيادة التكافل الاجتماعي بين أفراد العائلة، كل هذا كان موجوداً في هذه المجتمعات الجميلة إلى ان تم طمس كل هذا بسبب ما ذكر سابقاً.
من أبرز العادات التي كانت منتشرة في مجتمعاتنا في القدم والتي لا زالت إلى الآن ولكن بدرجة أقل من تلك التي كانت عليها، هي عادة استقبال حجاج بيت الله تعالى الحرام، وهذا العادة إنما نبعت من حب المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة وإيمانهم المطلق بالله تعالى وبحبهم لزيارة بيت الله تعالى الحرام و قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فقد كانوا ينظرون إلى الحج على انه شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين الحنيف، لهذا فمن كتب له الحج، هو من الناس الذين أتيحت لهم فرصة العمرة، وقد جاءت التهنئة وعادة استقبال الحجاج من هذا المنطلق.
و من أبرز مظاهر تكريم الناس للحجاج، هو بإظهار الفرحة بقدومهم، و تجمع جميع أفراد العائلة إضافة إلى الجيران كبيراً وصغيراً عند بيت الحاج لحظة قدومه من الحج، لاستقباله وتهنئته وكأنه في عرس أو في حفلة، إضافة إلى ذلك توزع الحلويات ومياه زمزم على الناس إضافة إلى التمور والمسابح، كما أن الناس يتجمعون قبل قدوم الحجاج بفترة ويتعاونون على تزيين الحارة و المنزل لهم، إظهاراً لمحبتهم لهم وفرحتهم بأن الله قد اختارهم ليكونوا حجاج بيته العتيق. وتستمر الاحتفالات بعد قدوم الحجاج، إذ يبدأ الناس بالتوافد عليه و لكن هذه المرة أفراداً لتهنئته بأداء هذه الشعيرة العظيمة.
هذه الطقوس تظهر مدى توقير الناس لشعائر الدين ومدى حبهم لدينهم،هذا الدين الجميل الذي هو بعيد كل البعد عن التعقيدات المحدثة عليه، فقد كان الناس بأخلاقهم المرتفعة وتكافلهم الاجتماعي وأدائهم للشاعئر على أتم وجه، يمثلون دينهم أحسن تمثيل ويتمسكون به لأنه يلبي تطلعاتهم وأشواقهم ويتمائى مع فطرتهم الصافية السليمة النقية.