كيف تعلم أن الله راض عنك

رضا الله تعالى

يحرص المسلم الصّادق في أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته إلى تحصيل رضا الله -تعالى- وبلوغ مرضاته، ممّا يجعله دائم الاستذكار لله تعالى، ودائم السّعي لتصحيح وإخلاص نيّته له؛ ليتمثّل بذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،[١] ولِما أنّ رضا الله -تعالى- غاية لا تترك، ورد ذكر مُفردة الرّضا في مَعرِض المدح للمؤمنين تارّةً، وفي مَعرِض الحثّ على الأعمال الصّالحة؛ للفوز برضا الله -تعالى- ورضوانه تارةً أخرى، ومن بين هذه الآيات؛ قول الله تعالى: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)،[٢] وكذلك في قول الله -تعالى- مُخاطباً النّفس المؤمنة حين تُسلّم له: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي).[٣]

ويرجع مفهوم الرضا في اللغة إلى الفعل رَضَيَ، والرضا ضدّ السّخط؛[٤] لذا ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- دعاؤه بقول: (اللهمَّ إني أعوذُ برضاك من سخطِك، وبمعافاتِك من عقوبتِك)،[٥] ويقترب المعنى اللغوي للرضا من معناه الاصطلاحي، وقد بيّنه الراغب الأصفهاني وجعله على قسمين:[٦]

  • رضا العبد عن الله: وذلك بعدم سخطه على حُكْم الله -تعالى- وقضائه وقبوله له.
  • رضا الله عن العبد: وذلك أن يرى الله -تعالى- عبده مُؤتمراً بأمره ومُنتهياً عمّا نهاه عنه.

علامات رضا الله عن المسلم

إنّ لرضا الله -تعالى- عن عبده المسلم علاماتٍ وأماراتٍ تدلّ على ذلك، ومن بين هذه الأمارات والعلامات:[٧]

  • المعونة على الطاعة وتسهيل أسباب الخير وفتح أبوابه أمام العبد، ودوام بقائه على الاستقامة والطاعة.
  • الرّبط على قلب العبد المسلم في المصائب، وعدم جزعه في الأهوال، والصّبر على الشّدائد إذا أصابته أو ألمّت به، وشاهد ذلك ما جاء في قول الله تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[٨]
  • دوام الطمأنينة والسّكينة والثّقة الدائمة بوعد الله -تعالى- ونصره وفرجه، ومصداق ذلك ما أيَّد الله به المسلمين من الطمأنينة والسّكينة يوم بيعة الشّجرة؛ أي بيعة الرّضوان، كما جاء في قول الله تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).[٩]
  • عدم القلق على الرّزق، والثّقة أنّه في ضمان الله تعالى، وأنَّ الله -تعالى- كافلٌ الرزق للعبد ولن ينتهي أجله حتى يستوفي كلّ رزقٍ كُتب له.
  • استحباب العبد للخلوة بالله -تعالى- والذّكر وقراءة القرآن الكريم دون مللٍ من ذلك.
  • محبّة مخالطة الصّالحين ومجالستهم، فمن علامات رضا الله -تعالى- عن العبد أن يقرِّبه من الصالحين ويحبِّب إليه قربهم ومخالطتهم؛ لأنَّ في القرب منهم قربة من الله تعالى.
  • الحرص على طلب العلم وتسهيل طرقه أمام العبد المسلم، خاصةً العلم الشّرعي، وقد جاء في الحديث الشريف الذي يرويه أبو الدَّرداء -رضي الله عنه- عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (من سلك طريقاً يطلبُ فيه علماً، سلك اللهُ به طريقاً من طرُقِ الجنَّةِ، وإنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضاً بما يصنع، وإنَّ العالمَ لَيستغفرُ له مَن في السمواتِ، ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً، إنَّما وَرّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ).[١٠]

ثمرات رضا الله عن العبد

إنّ لرضا الله -تعالى- عن العبد المسلم ومحبّته له، فضائل كثيرة وثمرات عظيمة تعود بالخير والسرور على العبد في دنياه وآخرته، ومن هذه الثّمرات ما يأتي:[١١]

  • فوز العبد بمحبّة الله -تعالى- ومن ثمّ محبّة النّاس، وإشاعة القبول له بينهم، وشاهد ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (إذا أحبَّ اللَّهُ العبدَ نادى جِبريلَ: إنَّ اللَّهَ يُحبُّ فُلاناً فأحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبريلُ، فينادي جبريلُ في أَهلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاناً فأحبُّوهُ، فَيُحبُّهُ أَهلُ السَّماءِ، ثُمَّ يوضَعُ لَه القَبولُ في أَهلِ الأرضِ).[١٢]
  • تحصين الله للعبد الذي رضي عنه وأحبَّه وولايته له ولايةً تامَّةً، حتى يكون معه في كلّ خطوةٍ يخطوها وفي كلّ كلمةٍ يقولها، وكلّ فعلٍ يقوم به، فقد جاء في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة-رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربِّه: (إنَّ اللهَ قال: من عادَى لي وليّاً فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه).[١٣]

ورضا الله -تعالى- غاية كلّ مسلمٍ صادق، إذ إنّ المسلم الصّادق يحرص على رضا الله تعالى، حتى ولو كان في رضا الله مخالفةً لهوى النّفس وأطماعها، أو كان رضاه في مقابل سخط النّاس، فقد جاء في الحديث الشّريف الذي ترويه أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَن التمَس رضا اللهِ بسخَطِ النَّاسِ رضِي اللهُ عنه وأرضى النَّاسَ عنه، ومَن التمَس رضا النَّاسِ بسخَطِ اللهِ سخِط اللهُ عليه وأسخَط عليه النَّاسَ).[١٤]

المراجع

  1. سورة الأنعام، آية: 162.
  2. سورة المائدة، آية: 119.
  3. سورة الفجر، آية: 27-30.
  4. ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 323، جزء 14.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 1280، صحيح.
  6. الراغب الأصفهاني (1412هـ)، المفردات في غريب القرآن (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 356. بتصرّف.
  7. موافي العزب (3-3-2008)، “كيفيّة معرفة هل ربي راضٍ عني أم لا”، consult.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2018. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية: 177.
  9. سورة الفتح، آية: 18.
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 6297، صحيح.
  11. “ما هي علامات حب الله للعبد؟”، www.islamqa.info، 14-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2018. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6040. صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502. صحيح.
  14. رواه ابن حبّان، في صحيح ابن حبّان، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 276، أخرجه في صحيحه.