معنى الحب في الله
أهمّية الحب في الله
خلق الله -عزّ وجلّ- في المؤمنين الحاجةَ إلى الحبّ في كلّ وقتٍ وحِين، ومَحبّة المؤمن لإخوانه المؤمنين هي حاجةٌ مُلِحّةٌ في تكوينه الذي خلقه الله -تعالى- عليه؛ إذ إنّها المُحرّك الأوّل الأساسيّ في الإنتاج والعمل في المجتمع؛ فالمؤمن لا يستغني عن إخوانه المؤمنين، وهو بحاجة إليهم، وإذا ساد شعور الأُلفة والمَودّة بين أفراد المجتمع، كان المجتمع أكثر اتِّزاناً واستقامةً، لا سيّما إذا كان الحبّ في الله -تعالى-؛ فيحصد الإنسان ثمرة ذلك في حياته الدُّنيا، وفي الآخرة.[١]
معنى الحبّ في الله
يختلف الحبّ في الله -تعالى- عن أيّ صِنفٍ آخر من أنواع الحبّ؛ فالحبّ في الله يعني أن يُحبّ المسلم ما يُحبّه؛ طاعةً لله -تعالى-؛ فيحبّ الآخر لأنّه رأى فيه من الخير والتقوى والإيمان ما يُحبّه الله -عزّ وجلّ-، وإن رأى من مسلم معصية أو ذنباً كره ذلك فيه، ويكره المسلم الآثام والشرّ؛ وذلك من أجل الله -تعالى-؛ إذ إنّ المعيار الذي يتّبعه المسلم في الحبّ والبغض هو مرضاة الله -تعالى-، كمَن يُحبّ مُعلّمه؛ لأنّه باب تحصيل العلم والمعرفة لديه، فيكون السبيل والطريق إلى تحقيق مرضاة الله -تعالى-، ثمّ حُسن الجزاء في الآخرة، ومن الممكن أن تجتمع في الشخص المعصية والخير؛ فيُبغض المسلم الشرّ فيه؛ لأنّه معصية لله -تعالى-، ويُحبّ ما عنده من خير، ومفهوم الحبّ هذا هو ما يُعرَف ب(الولاء والبَراء)؛ ويُقصَد بالولاء: الحبّ في الله -تعالى- ولأجله، أمّا البراء، فهو: بُغض الشرّ والمعصية؛ لأجل الله -تعالى- أيضاً.[٢][٣][٤]
كيفية وشروط الحبّ في الله
يُعَدّ الحبّ في الله -تعالى- أسمى أنواع الحبّ، وأكثرها دواماً، إلّا أنّ له شروطاً وضوابطَ عدّة لا بُدّ أن تتوفّر فيه، ومن ذلك ما يأتي:[٥][٦]
- إخلاص مشاعر المَحبّة لوجه الله -تعالى-، لا لمصلحةٍ خاصّةٍ، أو غرضٍ دُنيويّ، أو حاجة عاطفيّة؛ فتكون المحبّة مَحبّة حقيقيّة دون تصنُّعٍ أو تكلُّف.
- تواصي المُتحابّين في الله على الخير، والنُّصح الحَسَن؛ فقد قال الله -تعالى-: (إنّ الإنسان لفي خُسْرٍ*إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر).[٧]
- أهليّة المحبوب لذلك الحبّ فيما يُرضي الله -عزّ وجلّ-؛ كأن يكون من عباد الله الصالحين المُتَّقِين، وفيه من الصفات ما يُحبّها الله -عزّ وجلّ-.
- تأثُّر مشاعر المَحبّة بمقدار قُرب المحبوب من الله -تعالى-؛ فتزيد إذا ما زاد استقامةً وطاعة لله -تعالى-، وتنقص إذا ما ابتعد عن طريق الله -تعالى-.[٨]
- تقديم حقوق الله -تعالى- على الحقوق الشخصيّة؛ فإذا تعارضت مصلحة محبوب الله مع محبوب الشخص، فإنّه يُقدِّم ما يحبّه الله -تعالى- ويرضاه على ما يُحبّه هو؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).[٩][٨]
علامات الحبّ في الله
ذكر أهل العِلم علاماتٍ يُستدَلّ بها على الحبّ في الله -تعالى-، وفيما يأتي ذِكر بعضها:[١٠]
- تحرّي المسلم العدل مع أخيه المسلم؛ بحيث لا يطغى عليه، ولا يظلمه، ولا يحسده؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، بحسب امرئ من الشرّ أن يُحقّر أخاه المسلم).[١١]
- تمثُّل أفراد المجتمع المسلم بالجسد الواحد؛ وذلك لِما بينهم من رحمة ومودّة، وذلك فيما بيّنه النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).[١٢]
- التجاوُز عن أخطاء المسلمين، والعَفو عن زلّاتهم، وإرشادهم إلى ما فيه خير، وتصويبهم في حال وقوعهم في الخطأ، وقد قال الإمام الشافعيّ رحمه الله -تعالى-: “من صدق في أخوة أخيه قبل علله، وسد خلله، وعفا عن زلّاته”.
- تحلّي المسلم بالرِّفق، والحِرص على نصيحة المسلمين بما فيه خير لهم في الدُّنيا والآخرة، ومقابلة النصيحة من الآخرين بمَحبّةٍ صادقة؛ فقد اشتُهِر على لسان الصالحين قولهم: “رَحِم الله من أهدى إلينا عيوبنا”.
- التفريج عن المسلمين في كرباتهم؛ فقد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن عِظَم أجر ذلك، فقال: (من نفّس عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة)،[١٣] كما أنّ زيارة المسلمين بعضهم بعضاً بقَصد المَحبّة في الله -تعالى-، دون هدف دُنيويّ، تُعَدّ مِن علامات المَحبّة في الله -تعالى-.
فضل الحبّ في الله
ورد الكثير من الآيات الشريفة، والأحاديث النبويّة التي تُبيّن أهمّية الحبّ في الله -تعالى-، ومن ذلك ما يأتي:
- عُلوّ منزلة المُتحابِّين في الله -تعالى- يوم القيامة، كما أخبر بذلك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ) -وذكر من ذلك- (ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه).[١٤][١٥]
- حَشْر المرء مع مَن أحبّ، كما أخبر بذلك النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما سأله رجلٌ عن موعد قيام الساعة، فقال -عليه السلام-: (ما أعددتَ لَها قالَ يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَه فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المرءُ معَ من أحبَّ وأنتَ معَ مَن أحببتَ).[١٦][١٧]
- استشعار حلاوة الإيمان؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثلاثٌ من كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).[١٨][١٩]
- مغفرة الذنوب والخطايا؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا التَقى المسلِمانِ فتصافَحا وحمِدا اللَّهَ عزَّ وجلَّ واستغفرا غُفِرَ لَهما).[٢٠][٢١]
- غِبطة الأنبياء والشهداء للمُتحابّين في الله -تعالى- يوم القيامة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة السلام-: (إنّ من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياءٍ ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله، قومٌ يتحابون بروح الله من غير أرحامٍ، ولا أموالٍ يتعاطونها بينهم، والله إنّ وجوههم لنور، وإنّهم لعلى منابرٍ من نورٍ، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثمّ قرأ: ألا إنّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).[٢٢][٢٣]
- إعانة المسلم على الطاعات، وإبعاده عن المُحرَّمات، ويظهر ذلك جليّاً في دعاء موسى -عليه السلام- عندما طلب من الله -تعالى- أن يجعل له مُعيناً من أهله؛ إذ قال الله -تعالى- على لسانه: (واجعل لي وزيراً من أهلي*هارون أخي*اشْدُد به أَزْرِي*وأشرِكهُ في أمري*كي نسبحك كثيراً*ونذكرك كثيراً).[٢٤][٢٥]
المراجع
- ↑ عبدالرحمن بن صالح المحمود، دروس للشيخ عبدالرحمن المحمود، صفحة 2، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الجلالي، دروس للشيخ عبد الله الجلالي، صفحة 30، جزء 52. بتصرّف.
- ↑ ابن باز، كتاب فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر، صفحة 209، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ طه محمد الساكت (15/2/2017)، “الحب في الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6/5/2020. بتصرّف.
- ↑ ناصر العقل، كتاب شرح عقيدة السلف للصابوني، صفحة 5، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ طه محمد الساكت (21/11/2018 )، “شروط الأخوة في الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6/5/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة العصر، آية: 2-3.
- ^ أ ب “الحب في الله..فضله.. ضوابطه..وثمرته”، www.islamweb.net، 23-8-2004، اطّلع عليه بتاريخ 6/5/2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 44، صحيح.
- ↑ عبد الرحمن بن صالح المحمود، دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود، صفحة 14-22، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، صحيح.
- ↑ رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 28/208، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1930، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
- ↑ محمد علي الهاشمي (2002م)، شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة (الطبعة العاشرة)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 134. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2385، صحيح.
- ↑ موفق الدين ابن قدامة (1991)، كتاب المتحابين في الله (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الطباع، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.
- ↑ التويجري، محمد بن إبراهيم ( 2009 )، كتاب موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)،الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 653، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن مفلح، في الآداب الشرعية، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2/254، إسناده حسن.
- ↑ عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 5، جزء 63. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 3026، صحيح لغيره.
- ↑ السيوطي، كتاب جامع الأحاديث، صفحة 330، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية: 29-34.
- ↑ محمد مختار الشنقيطي (2013/11/13)، “المحبة في الله”، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 6/5/2020. بتصرّف.