كيف تحقق محبة المسلمين
المحبّة بين المسلمين
عدّ الإسلام رابطة العقيدة من أقوى الروابط الإنسانيّة، فكانت أقوى من رابطة النسب، والوطن، واللغة، فالمؤمنون إخوةٌ، والمُسلم أخ المُسلم، وإن تباعدت بهم الأقطار، أو الأجساد، ولذلك فالرابطة الإيمانيّة من أقوى الروابط بين العباد، قال -تعالى-: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[١] كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بيْنَ أصابِعِهِ).[٢][٣]
كيفيّة تحقيق المحبّة بين المسلمين
تتحقّق المحبّة والمودة بين المسلمين بالعديد من الوسائل والطُرق، فيما يأتي بيان البعض منها:
- الدُّعاء بظَهْر الغَيْب؛ إذ إنّ من محبّة الأخ المسلم لأخيه أن يدعو له في غيابه، كما يدعو لنفسه، فيُحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، فالدّعاء في ظَهْر الغَيْب سُنّةٌ امتثلها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، والصالحين، كما أنّه من صور إرادة الخير للمسلمين، بالإضافة إلى أنّه من صور الإخلاص في النيّة، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ).[٤][٥]
- قضاء حوائج المسلمين، وأمورهم، وكفّ الأذى عنهم.[٦]
- زيارة المريض، وتفقّد أحواله، والدُّعاء له بالشّفاء، كما حثّ الإسلام على ذلك، ورغّب في تلك الأمور، باعتبارها من عوامل زيادة الأُلفة، والمحبّة، ومن تلك العوامل أيضاً؛ تغسيل الميت، وتكفينه، واتّباع جنازته، والصلاة عليه، والدعاء له بالرَّحمة، والمغفرة، والرضوان.[٧]
- ردّ السلام؛ إذ إنّه ممّا يزيد الأُلفة والمحبّة بين المسلمين، ولذلك فقد أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- به، كما ثبت فيما أخرجه الإمام مُسلم عن الصحابيّ أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ)،[٨] والأفضل مَن بدأ وبادر بردّ السلام على أخيه.[٩]
- محبّة الخير للغير؛ فالجدير بالمسلم أن يحبّ لأخيه المسلم إصابته بالخير والفَضْل، وذلك ممّا يدلّ على حُسْن الخُلق والإيمان، كما ثبت في الحديث الذي أخرجه الإمام مُسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)،[١٠][١١] فذلك من كمال الإيمان، ولا يتحقّق إلّا بالتخلّص من الحقد، والكراهيّة، والأنانيّة، والحسد، ومحبّة التوفيق للهداية، والعيش الرغد، والسلامة، والأمن، وكراهة الأخ لأخيه ارتكاب المعاصي والذّنوب، إذ إنّها من الشرّ غير المقبول.[١٢]
- التبشير، وعدم التنّفير، كما ثبت فيما أخرجه الإمام مُسلم عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ أَحَدًا مِن أَصْحَابِهِ في بَعْضِ أَمْرِهِ، قالَ: بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا)،[١٣] كما حذّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من التنّفير، وذلك في الحديث الذي أخرجه البخاريّ، عن عقبة بن عمرو أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ)،[١٤] ومن التبشير قيام العلاقة بين المسلمين في الدُّنيا على البرّ والخير، ليكونوا أيضاً إخواناً في الجنّة.[١٥]
- عدم التحاسد، أو التباغض، فقد أخرج مُسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ)،[١٦] فلا تتحقّق الأخوّة والمحبّة بين المسلمين بالأإتيان بإحدى تلك الخِصال السيئة، ولن تتحقّق العبوديّة الحقّ لله -سُبحانه-، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (كونوا عبادَ اللهِ إخوانًا).[١٧][١٨]
- الإصلاح بين المسلمين، وحلّ نزاعاتهم وخلافاتهم، وإقامة العدل بينهم، قال الله -تعالى-: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّـهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).[١٩][٢٠]
- إظهار الفرح والبشاشة بين المسلمين، إذ إنّ ذلك لا يُنقص من القَدْر والمكانة؛ بل إن ذلك من عوامل نَيْل المكانة الرفيعة.[٢١]
- النَّهي في البيوع من أن يبيع الرَّجل على بيع أخيه، والنَّهي أيضاً عن الاحتكار، أما في أحكام الخِطبة والزواج؛ فقد ورد النَّهي للمسلم من أن يخطب على خِطبة أخيه، وكذلك نُهيت المرأة عن سؤال طلاق أختها لتتزوّج زوجها، كما نهى الإسلام عن التفريق بين المرأة وولدها، أو التفريق بين الأُخوة.[٢٢]
- التزاور في الله، إذ إنّه من حقوق الأخوّة في الإسلام، كما أنّه من عوامل زيادة المحبّة بين المسلمين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (قالَ اللَّهُ تعالى: وجبَتْ مَحبَّتي للمتحابِّينَ فيَّ، والمتجالسينَ فيَّ، والمتباذِلينَ فيَّ، والمتزاوِرينَ فيَّ).[٢٣][٢٤]
أهميّة المحبّة بين المسلمين
تكمُن أهميّة المحبّة بين المسلمين في العديد من الأمور، فالأخوّة والمحبّة في الإسلام:
- عبادةٌ ووسيلةٌ يتقرّب بها العبد من ربّه -عزّ وجلّ-، كما يؤدي المسلم سائر العبادات؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، ودعاءٍ، وغيرها.[٢٥]
- نعمةٌ من الله -تعالى-، ومنحةٌ منه -سُبحانه-؛ لِما يترتّب عليها من الأجر العظيم في الدُّنيا والآخرة، كما دلّت على ذلك العديد من النُّصوص في كتاب الله، وسنّة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-.[٢٦]
- زيادة القدرة على دفع الأهواء، ونَبْذ الخلافات، وردّ المكائد؛ فالمجتمع المسلم يكون كالجسد الواحد، والنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً.[٢٧]
- تحقيق السلامة والقوّة للمجتع، ممّا يُساهم في بناء شخصيّة المُسلم.[٢٨]
المراجع
- ↑ سورة الحجرات، آية: 10.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6026، صحيح.
- ↑ صالح بن طه عبد الواحد (1428هـ)، سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ عَليه الصَّلاة وَالسَّلام (الطبعة الثانية)، الأردن: مكتبة الغرباء، الدار الأثرية، صفحة 267، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صفوان بن عبدالله بن صفوان، الصفحة أو الرقم: 2733، صحيح.
- ↑ راشد بن حسين العبد الكريم (1431 هـ – 2010 م)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة الرَّابعة)، السعودية: دار الصميعي، صفحة 75. بتصرّف.
- ↑ محمد بن عبدالله بن إبراهيم الدويش، دروس الشيخ محمد الدويش (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 15، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر، شرح سنن أبي داود (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1، جزء 255. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 54، صحيح.
- ↑ عبد الله حماد الرسي، دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 4، جزء 148. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 45، صحيح.
- ↑ محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 373، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ حمزة محمد قاسم (1410 هـ – 1990 م)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، سوريا: مكتبة دار البيان، صفحة 91، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 1732، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 702، صحيح.
- ↑ الشيخ الطبيب أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 3، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7200، صحيح.
- ↑ حسن أبو الأشبال الزهيري، دروس الشيخ حسن أبو الأشبال (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 4، جزء 23. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 9-10.
- ↑ صالح بن طه عبد الواحد (1428هـ)، سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ عَليه الصَّلاة والسلام (الطبعة الثانية)، الأردن: مكتبة الغرباء، الدار الأثرية، صفحة 270، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسن أبو الأشبال الزهيري، دروس الشيخ حسن أبو الأشبال (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 10، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ عطية بن محمد سالم، شرح بلوغ المرام (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1، جزء 192. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 6020، صحيح.
- ↑ صالح بن طه عبد الواحد، سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ عَليه الصَّلاة وَالسَّلام (الطبعة الثانية)، الأردن: مكتبة الغرباء، الدار الأثرية، صفحة 271، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 3، جزء 70. بتصرّف.
- ↑ أبو إسحاق الحويني، دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1، جزء 102. بتصرّف.
- ↑ أبو أسامة، محمود محمد الخزندار (1417 هـ – 1997 م)، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً (الطبعة الثانية)، الرياض – المملكة العربية السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع، صفحة 197، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – (الطبعة الرَّابعة)، جدة-المملكة العربية السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 506، جزء 2. بتصرّف.