من هم خير أجناد الأرض

تعريف الأجناد

أجناد في اللغة اسمٌ، والمفرد منه جُنديّ، كما يُجمَع على جُند، وجُنود، والجنديّ هو: العسكريّ، أو المُعين، أو الناصر، وقد ذُكِر لفظ الجنود في القرآن الكريم بقول الله -تعالى-: (إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا)،[١] والجنود المذكورة في الآية يُراد بهم: الأحزاب، كما ذُكِرت هذه اللفظة أيضاً في عدّة أحاديث نبويّةٍ، منها قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ، وَما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ)،[٢] وقِيل إنّ المقصود بالأجناد: البلدان، أو المُدن، ويُستدَلّ على ذلك ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ).[٣][٤]

خير أجناد الأرض

خَطَبَ عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- في أهل مِصر خطبةً طويلةً تحدّث فيها عن أهل مِصر، وما يتمتّعون به، واستدلّ على قوله بما رُوِي عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإسنادٍ ضعيفٍ جداً: (إذا فتح الله عليكم مِصر بعدي، فاتّخذوا فيها جُنداً كثيفاً؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنّهم في رباطٍ إلى يوم القيامة)، ومن العلماء الذين أوردوا الخطبة في مصنفاتهم: الدارقطنيّ، وابن عساكر، وابن عبد الحكم، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحديث السابق رُوي بسندٍ واحدٍ ضعيفٍ جداً من طريق ابن لهيعة، عن الأسود الحُميريّ، عن بُحير المعافريّ، عن عَمرو بن العاص، وتكمُن علّة ضعف السند؛ بأنّ حديث ابن لهيعة ضعيفٌ كما قال الإمام الذهبيّ -رحمه الله-، ولم يتبيّن حال حديث الأسود الحُميريّ، وعليه فكلّ أجناد المسلمين -دون تحديد أحدها بغير دليل صحيح- فيهم الخير الكثير؛ لأنّهم يبذلون جهدهم في سبيل الله -تعالى-.[٥] وكان عبدالله بن عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- قد وصف أهل مِصر قائلاً: (أهل مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامّةً، وبقريش خاصّةً).[٦]

وصيّة النبيّ بأهل مصر

أحاديث في أهل مِصر

وردت عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عدّة أحاديث أوصى فيها بأهل مِصر، بيان البعض منها فيما يأتي:

  • ما رُوي عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- من أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال في أهل مِصر: (إذا افتتحتُم مصرَ فاستوصوا بالقبطِ خيرًا، فإنَّ لهم ذمةً ورحمًا)؛[٧] ويُقصد من الحديث أنّ هاجر والدة إسماعيل -عليه السلام-، وكذلك والدة إبراهيم بن النبيّ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- كانتا من أقباط أو قِبط مِصر،[٨] ويُشار إلى أنّ جماعةً من الناس سكنَت مِصر، وأُطلِق عليهم اسم (القِبط)؛ وهي كلمةٌ يونانيّة الأصل تمّ إطلاقها على سُكّان مِصر، والمفرد منها: قِبطّيٌ، ويُجمَع أيضاً على أقباط.[٩]
  • ما رُوِي عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه- فيما أخرجه عن الإمام مسلم في صحيحه، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا، فإذا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فاخْرُجْ مِنْها. قالَ: فَمَرَّ برَبِيعَةَ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، يَتَنازَعانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْها)؛[١٠] والذمّة هي: الحُرمة؛ وتُقصَد بها ماريّة القِبطية أمّ إبراهيم بن محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قد اعتنقت دين الإسلام قبل وصولها إلى المدينة المُنوَّرة؛ أمّا الرَّحِم فهي كنايةٌ عن أنّ هاجر أمّ إسماعيل من أهل مِصر، وكانت قد قُدِّمت كهديّة إلى سارة زوجة النبيّ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ويُستدَلّ على أنّ الحديث ورد في أهل مِصر ما ورد فيه من لفظ القيراط؛ إذ إنّه عُملةٌ لهم.[١١][١٢]

ولمّا فتح عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- بلاد مِصر، وضمّها إلى دولة الخلافة الإسلاميّة، اجتمع مع زعمائهم؛ ليُخبرهم عن الإسلام، وخيّرهم بين اتِّباع هَدي النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، أو دَفْع الجِزية؛ مقابل حمايتهم، وضمان أَمْنهم في ظلّ الدولة الإسلاميّة، وأورد عليهم أحاديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- التي تُوصي بالأقباط، كما رُوِي عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه-: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا)،[١٠] وما رُوي عن كعب بن مالك -رضي الله عنه-: (إذا افتتحتُم مصرَ فاستوصوا بالقبطِ خيرًا، فإنَّ لهم ذمةً ورحما)،[٧] فردّ أحد الأساقفة عليه قائلاً: “إنّ الرَّحِم التي أوصاكم بها نبيّكم لهي قرابةٌ بعيدةٌ، لا يصل مثلها إلّا الأنبياء”؛ فمنزلة الأقباط من إسماعيل -عليه السلام- بمنزلة أخواله.[١٣]

الحِكمة من وصيّة النبيّ بأهل مصر

حَرِص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على إقرار أهمّ أساسات الدولة، ومبادئها التي تؤثّر في استقرارها، وضمان أمْنها، وأمانها؛ بالسَّعي إلى تحقيق التوافُق والتفاهم بين أبناء المجتمع الواحد، وقد طُبِّق ذلك في المدينة المُنوَّرة، كما أوصى النبيّ الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم باتّباع نَهجه وطريقه المستقيم؛ لتقوم الدولة الإسلاميّة على العدل، والتكافل، والتعايش، والرحمة، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[١٤] ولبلاد مِصر مكانةٌ عظيمةٌ عند المسلمين؛ ولذلك أوصى النبيّ بأقباطها، رُوي عن أمّ سلمة -رضي الله عنها-، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (اللهَ اللهَ في قِبْطِ مصرَ؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدَّةً وأعوانًا في سبيلِ اللهِ)،[١٥] وبذلك ضَمِن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للأقباط حقوقهم؛ ولذلك كان جديراً بالمسلمين عامّةً، ومُسلمي مِصر خاصّةٍ تطبيق وصيّة النبي فيهم؛ فلهم عهد الله ورسوله، وعهد المسلمين.[١٦][١٧]

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 9.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2638، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5729، صحيح.
  4. “تعريف و معنى أجناد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2020م. بتصرّف.
  5. “حديث:( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا) حديث ضعيف لا يصح”، www.islamqa.info، 9-7-2009، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2020م. بتصرّف.
  6. يوسف الظاهري الحنفي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي-دار الكتب، صفحة 29. بتصرّف.
  7. ^ أ ب رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1374، صحيح على شرط الشيخين.
  8. أبو الفداء الدمشقي (1997 م)، البداية والنهاية (الطبعة الأولى)، مصر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 142، جزء 9. بتصرّف.
  9. “تعريف و معنى قبط في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020م. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ الغفاريّ، الصفحة أو الرقم: 2543، صحيح.
  11. محيي الدين النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (الطبعة الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العرب ، صفحة 97، جزء 16. بتصرّف.
  12. عمر عبد الكافي، سلسلة الدار الآخرة، صفحة 6، جزء الجزء 16. بتصرّف.
  13. محمد عرب (2019م)، الإشراق خلافة الإنسان في الأرض، الأردن: دار دروب للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 172. بتصرّف.
  14. سورة الأنبياء، آية: 107.
  15. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3113، إسناده صحيح رجاله ثقات.
  16. يوسف القرضاوي (20-3-2012)، “وصايا نبوية بأقباط مصر خاصة”، www.al-qaradawi.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
  17. أحمد يوسف، التسامح الإسلامي ودوره في التعايش السلمي بين أبناء الوطن، مصر-الشرقية: كلية الدراسات الإسلامية-جامعة الأزهر، صفحة 64-65. بتصرّف.