كيف يرزقك الله
مقدمة
لقد خلق الله سبحانه وتعالى المخلوقات جميعها، وتكفل برزقها أيضًا، فلا يعقل أن يترك الله سبحانه وتعالى بحكمته وعظمته الخلق دون يتدبر أمورهم ويرزقهم، ومن عدالة الله تعالى أن الرزق لا يرتبط بدين الإنسان أو معتقداته، بل بمجرد كونه مخلوقًا من مخلوقات الله تعالى. ولكن تتفاوت سعة هذا الرزق أو ضيقه من شخص لآخر، وقد لا يشعر الإنسان ببركة الرزق مهما كثر، لذلك نضع بين أيديكم هذه النصائح التي هي من أسباب سعة الرزق والبركة فيه.
تقوى الله
قال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب”، وكلام الله سبحانه وتعالى هو الحق، فعندما يخبرنا الله بأن تقواه سبحانه وتعالى هي المخرج من كل ضيق وأنها جالبة للرزق بإذن الله تعالى، فهذا يعني أن علينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى في كل حال. وهنا قد يخطر ببال القارئ سؤال عن ماهية التقوى وكيفيتها، والجواب هو أنّك لو تفكرت في كلمة تقوى ستجد أنها من الاتقاء والحماية والستر، فتقوى الله تعالى هي الاحتماء برضاه وكرمه واتقاء عذابه وغضبه، وتكون التقوى عن طريق اتباع ما أمر الله سبحانه وتعالى به واجتناب ما نهى الله عنه، والتقوى لا تزيد في الرزق فحسب، بل إنها من أسباب حب الله تعالى للعبد، ومعيته سبحانه وتعالى له، وتكفير السيئات، وفرح الإنسان وشعوره بالأمان، وهي من أسباب دخول الجنة بإذن الله سبحانه وتعالى، وتقوى الله تكون في كل الأمور وفي كل الأماكن، فإن أردت أن يوسع الله تعالى لك في رزقك وأن يبارك لك فيه فاحرص على أن تتقي الله تعالى في نفسك وفي أهلك وفي مالك وفي عملك وفي علاقتك بمن حولك وفي كل تفاصيل حياتك، وستجد بذلك أن حياتك قد امتلأت بالنور والسعادة وأن قلبك قد امتلأ بالطمأنينة والسرور وأن رزقك قد بارك الله فيه ووسعه عليك.
الاستغفار و التوبة
قد يهمل البعض أهمية الاستغفار ولا يعيها بشكل كامل، فيظن أن استغفار الله تعالى ليس بالأمر المهم وأنه لا علاقة له برزق الإنسان، بينما في الحقيقة فإن الاستغفار هو أحد الأسباب المهمة لسعة الرزق على العباد، وتأمل جيدًا هذه الآية الكريمة التي وردت على لسان سيدنا نوح عليه السلام لقومه: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا". والاستغفار يجب أن يكون نابعًا من القلب قبل أن ينطق به اللسان، فالله جل وعلا مطلع على القلوب ويعلم النوايا، فليس من الأدب مع الله أن تستغفر بلسانك فقط، وقلبك مصرّ على الذنوب ومتمسك بها، فاجعل نيتك خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى وأكثر دائمًا من الاستغفار، فكلنا نخطئ، وحتى رسول الله عليه الصلاة وسلم كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وقد دعا جميع الأنبياء والرسل أقوامهم إلى التوبة إلى تعالى والاستغفار من كل الذنوب والمعاصي وإن بدت لنا تلك الذنوب صغيرة، فبالاستغفار ييسر الله لك رزقك ويبارك لك فيه.
صلة الرحم
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يبسط له في رزقه… فليصل رحمه” رواه البخاري، و الأرحام هم كل من بينك وبينهم نسب من الأقارب سواء كنت ترثهم أم لا، وصلة الرحم لها العديد من الأوجه كزيارتهم والسؤال عنهم وعيادة مريضهم والتصدق على الفقير منهم واحترام الكبير منهم والعطف على صغيرهم وحسن ضيافتهم واستقبالهم وبمشاركتهم في أفراحهم وفي أتراحهم وبإجابة دعوتهم وبأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والدعاء لهم والتلطف في معاملتهم والبشاشة في وجوههم، وصلة الرحم لا تكون لمن وصلك من الرحم فقط، بل أيضًا بأن تصل من قطعك من أرحامك، وبهذا تكون قد سموت إلى مراتب المحسنين، فيبارك الله لك في مالك ورزقك وأولادك ووقتك وحياتك كلّها بمجرد صلتك لأرحامك.
الإنفاق
جميعنا يعلم أن الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى لا يمكن أبدًا أن ينقص من المال، بل على العكس، فالإنفاق في سبيل الله يزيد البركة في المال والرزق فقد قال الله سبحانه وتعالى: " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" أي أن ما ينفقه الإنسان في سبيل الله فإن الله سبحانه وتعالى يخلف الإنسان ويعوضه بالرزق الحسن في الدنيا والآخرة. فكما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الملكين اللذين ينزلان كل يوم فيدعو أحدهما للمنفق ويدعو الآخر على الممسك، فإن الإنفاق في سبيل الله يكون بغرض طلب رضا الله سبحانه وتعالى وتجنب غضبه ويكون خاليًا من الرياء والسمعة والنفاق، أي أن لا ينفق الإنسان بغرض أن يراه الناس فيقولوا أنه كريم ومنفق، فخير الصدقة هي تلك التي يخفيها الإنسان عن الآخرين وحتى عن نفسه بأن لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. وتكون الصدقة على الفقراء والمساكين والمحتاجين خصوصًا من الأقارب، ويشترط أيضًا للصدقة أن لا يتبعها الإنسان بالمن والتفضل على من أنفق عليه فإنه بذلك يؤذيه ويبطل صدقته ويغضب الله سبحانه وتعالى، ومن المهم عند الإنفاق الاعتدال، فالإسراف والتبذير مكروهان، والتقتير كذلك، وقد ذكر الله سبحانه فضل المعتدلين في الإنفاق الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا في القرآن الكريم.
الأذكار وسورة الواقعة
إن ذكر الله سبحانه و تعالى له أثر بالغ في رضا الله عن الإنسان، فإن رضي الله عن عبده، يسر له أموره ووسع له في رزقه وبارك له فيه، وهناك أدعية وأذكار وردت في السنة المطهرة خاصة بسعة الرزق والبركة فيه، فاحرص على قراءتها يوميًا وأنت موقن أن الله تعالى هو وحده المنعم والرازق، وتفكّر فيما لديك من نعم، فالرزق لا يقتصر على المال فحسب، فالذرية رزق والعلم رزق والجمال رزق والإسلام رزق والصحة رزق والوقت رزق والوالدين رزق، فاشكر الله على كل هذه النعم ولا تجحد وتكفر بها فيزيل الله هذه النعم ويأخذها منك أو يحل عليك غضب من الله تعالى، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا بقراءة سورة الواقعة يوميًا فهي تقي من الفقر بإذن الله سبحانه وتعالى، فخصص وقتًا محددًا في كل يوم لقراءة هذه السورة وغيرها من الأذكار، وتذكر أيضًا أن عبادتك لله وتقربك منه لا يجب أن تكون في وقت الضيق والشدة فقط، بل في وقت الضيق وفي وقت الرخاء على حد سواء.
فاحرص أخي المسلم على مرضاة الله سبحانه وتعالى وتقواه في السر والعلانية وفي العسر واليسر، واستغفر الله دائمًا وتذكر ما قاله نبي الله نوح عليه السلام لقومه في أثر الاستغفار، ثم سارع إلى صلة رحمك وإصلاح ما بينك وبينهم وابتغ وجه الله تعالى في ذلك، وأنفق على المساكين حتى وإن كنت في ضيق، فالله يعلم أنك في ضيق وسيجزيك بذلك خير ما يجزي عباده، وأخيراً احرص على قراءة سورة الواقعة وعلى قراءة الأذكار والأدعية التي تزيد في الرزق.