أول من أنشأ مستشفى للأمراض النفسية
الأمراض النفسية
يُمكن تعريف الأمراض النفسية على أنها مجموعة من الانحرافات أو الأعراض غير الصحية وغير السوية والتي تسبب للشخص اضطراباً في الشخصية، أي أنها عبارة عن خلل غير عضوي وغير بدني بالرغم من أنه من الممكن أن تظهر أعراضه بصورة جسمية أو عضوية. ومن أهم هذه الأمراض وأكثرها شيوعاً القلق، والاكتئاب، والتوتر النفسي، والوسواس القهري وغيرها الكثير. واختلفت نظريات العلماء المفسرة لهذه الأمراض، وطُرُق علاجها عبر العصور بدايةً من الحضارات القديمة إلى العصور الوسطى وصولاً إلى العصر الحديث. وقد أضاف العلماء والأطباء المسلمون صفة العضوية على الأمراض النفسيّة، ونشطوا في مجال البحوث التي تدور حول الاضطرابات النفسية وارتباطها بالدماغ، كما قدّموا الأوصاف المختلفة لأعراضها وعلاجاتها الممكنة.[١][٢]
أول من أنشأ مستشفى للأمراض النفسية
أُنشئ أول مستشفى للأمراض النفسية في العصور الإسلامية الباكرة في دمشق عام 770 ميلادياً، على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، الذي وُلد في المدينة المنورة وتربّى في دمشق. وقد اهتم الوليد بالإنجازات الحضاريّة في جميع الجوانب الحياتية كالطب، والعمران، وغيرها الكثير من المجالات التي أثبتت دوره في ازدهار الحضارة الاسلامية؛ فقد قام بالكثير من الفتوحات الإسلامية في العديد من البقاع، كما أنشأ العديد من المستشفيات التي اهتمت بالمرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة، كما أمر بدفع رواتبَ للمرضى من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ كالعميان وكذلك المجذومين، كما كانت الدولة في عهد الوليد بن عبد الملك تقوم بتوفير مرافق خاص لكل فرد مكفوف، وخادماً خاصاً لكل شخصٍ مقعد. بالإضافة إلى إنشاء مستشفى خاص بمرضى الجذام لحماية الناس من الإصابة بالعدوى، وقد تحوّل هذا المستشفى فيما بعد إلى مستشفى للمرضى النفسيين.[٣][٤]
الهيكل التنظيمي للبيمارستان
أُنشئت مستشفيات الأمراض النفسية التي تخصّصت في تقديم الخدمات التكيّفية والعلاجيّة للمرضى النفسيين بشكلٍ لاحقٍ في مستشفيات مرضى الجذام، والتي سُميت فيما بعد بالبيمارستان. وقد كانت هذه الخطوة من أهم وأول الخطوات التي قام بها الخليفة الوليد بن عبد الملك في سيره على طريق الازدهار الحضاري والإصلاح الشامل لكافة جوانب الحياة المدنية العامة، حيث كان البيمارستان مجهزاً بكافة الوسائل اللازمة لتوفير الأساليب العلاجية اللازمة، والمرافق الإضافية، سعياً إلى إتمام عملية العلاج بأعلى مستوى، ومن أهم هذه العلاجات غسل المريض بالماء صباحاً، والتنزه، وممارسة الأنشطة الرياضية والبدنية، والمشي، وتمرير المريض بالحدائق الخاصة الملحقة بالبيمارستان ليظهر بذلك الأثر الإيجابي للروائح الطبيعية للنباتات والأزهار المختلفة، كما استُخدمت الموسيقى، والعقاقير المهدئة كمادة الأفيون التي كانت تُستخدم بنسبٍ معينةٍ لعلاج الجنون. ومن الحالات التي كان يستقبلها البيمارستان ويعمل على علاجها والتخلص منها: الهذيان، والاختلال العقلي أو ما يسمى بالجنون، وفي ذلك العصر كان العشق يُصنف من ضمن الأمراض النفسية.[٤]
الأمراض النفسية عبر التاريخ
تناولت الحضارات القديمة والحديثة الأمراض النفسية وأثرها على المرضى النفسيين، وشمل ذلك تقديم التفسيرات والعلاجات المختلفة لها، وكانت ترى هذه الحضارت الأمراض النفسية من زوايا مختلفة.
الأمراض النفسية في الحضارات القديمة
كانت الأمراض النفسية قديماً رمزاً للشر وسيطرة الأرواح الخبيثة على الفرد، واعتقد الناس لقرونٍ عدة أن سبب الأمراض النفسية هو سيطرة الأرواح الشريرة أو غضب الآلهة، وأن الشفاء يكون برضاها. وكانت علاجاتها سابقاً قاسية وغير إنسانية، ويشوبها العنف الجسدي والبدني؛ كحرق المرضى وهم أحياء بما أنهم أفراد قد وقع عليهم غضب الآلهة، بالإضافة إلى نبذهم والنفور العام منهم. وبشكل عام فقد كانت أبرز الإجراءات التي تُتخذ تجاههم هي التخلص منهم، أما الحالات المرضية الخفيفة والطفيفة فقد كان يتم الاعتناء بها بشكل بسيط. وفي وقت لاحقٍ جاء أبوقراط في القرن الخامس قبل الميلاد ووضع العديد من النظريات التي عالجت آلية عمل الدماغ والعقل البشري، وأوضح أن مصدر الخلل العقلي والنفسي هو الصدمات التي تصيب الدماغ. كما أدخل أبوقراط العديد من الأساليب العلاجية المختلفة كتغيير بيئة الفرد الخارجية، والعمل على تغيير الذكريات الراسبة في نفس المريض، وغيرها الكثير.[٥]
الأمراض النفسيّة في الحضارات الأوروبية
تعرّضت أوروبا للكثير من الأحداث التي ساهمت في انهيار العلوم؛ فقد أدّى سقوط الامبراطوريات إلى انهيار وانحطاط حركة النظريات العلمية والعلوم المختلفة بشكلٍ عام والطب النفسي بشكل خاص، حيث ظهر اتجاه عزل العلوم عن الحياة بسبب الإهمال والتعصّب الديني مما أدّى إلى انتشار الجهل، فوُضِع الطب في أيدي العلماء الجهلة، فكان المرضى النفسيون يتعرضون إلى أشد أنواع التعذيب؛ حيث كان يُنظر إليهم على أنهم تحت وطأة السحر الأسود أو التعرض لتلبس الأرواح الشريرة. أما في وقت لاحق في عصور النهضة الأوروبية فقد انتعشت العلوم من جديد وسادت النظرة الإنسانية للمرضى النفسيين، بالإضافة إلى تطور الآراء والاتجاهات نحو هؤلاء المرضى حيث حُوّلت السجون التي كان يُحتجز بها المرضى إلى منشآتٍ ومصحات نفسية يتم علاجهم بها.[٥]
الأمراض النفسية في الحضارة الإسلامية
أدرك العلماء والأطباء المسلمون المهتمون بالطب النفسي أهمية وأثر العناية بالصحة النفسية والاجتماعية للمرضى النفسيين؛ فأنشؤوا العديد من دور العناية النفسية وجهزوا الأماكن التي كان يتم تقديم الخدمات العلاجية فيها لهؤلاء المرضى، والتي أُطلق عليها البيمارستانات. وقد كان يعمل بها العديد من الأطباء النفسييّن والممرّضين المتدرّبين، فكان هناك العديد من الأساليب والطرق العلاجية التي تميزت بالتعامل الإنساني والتفاعلي الرحيم والودود مع المرضى، ومن أبرز هذه العلاجات التي كانت تُستخدم: الأدوية المهدئة، والأنشطة البدنية، والرياضية، والموسيقى، بالإضافة إلى توفير أكبر قسطٍ ممكنٍ من الراحة المطلقة اللازمة لإتمام عملية الشفاء، أما المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض التي تتسم بالعنف، ونوبات الثوران والهيجان، فقد خُصّصت لهم الغرف والأجنحة التي يتم وضعهم فيها، حيث يتم توفير جميع مقوّمات العلاج لهم: كالراحة، والأمان، والهدوء.[١]
المراجع
- ^ أ ب “نظرة قدامى الأطباء العرب والمسلمين إلى الأمراض النفسية”، www.kaahe.org، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2017.
- ↑ محمد ناصر (2006)، الأمراض النفسية وأثرها على السلوك الوظيفي، الجزائر: مجلة العلوم الإنسانية – جامعة محمد خيضر بسكرة، صفحة 7.
- ↑ “الوليد بن عبد الملك.. العصر الذهبي للدولة الأموية (في ذكرى وفاته: 15 من جمادى الآخرة 96هـ) “، archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017.
- ^ أ ب “معلومات قد تفاجئك عن علاج العرب لـ”الجنون” تاريخياً!”، www.alarabiya.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017.
- ^ أ ب الدكتور أنور حمودة البناالأمراض النفسية والعقلية، صفحة 6-7.