نبذة عن هارون الرشيد
نشأة وحياة هارون الرشيد
تلمعُ في التاريخِ أسماء لبعضِ الشخصيّاتِ التي كانَ لها أثرٌ طيّبٌ في حياة الناس، حيث تركت للأجيالِ دروساً، وعِبَراً في القوّة، والعَزمِ، والحكمة، ويُعَدُّ هارون الرشيد، الخليفة العباسيّ الخامس للمسلمين، إحدى هذهِ الشخصيّات، وهو هارون، بن محمّد المهديّ، بن عبد الله أبي جعفر المنصور، بن محمد، بن علي، بن عبد الله، بن عبّاس الهاشميّ، كان يُكنَّى بأبي موسى، ثمّ أصبح يُكنّى بأبي جعفر، وُلِد هارون الرشيد في مدينة الريّ سنة 148هـ/765م، لوالديه: المهديّ، وأمّ الهادي (وتدعى الخيزران)، وقد نشأ هارون في كنفِ والده الخليفة؛ فاهتمّ بتعليمه، وتثقيفه لغةً، وأَدَباً، كما زَرَعَ فيه حبّ الجهاد، فنشأ شجاعاً وقويّاً، كما أنّ والده أرسله إلى الفتوحات وحوله قادةٌ أكفياء لتعليمه، ومن الجدير بالذكر أنّ هارون الرشيد تزوَّجَ من ابنة عمّه جعفر بن أبي جعفر المنصور، وكانت تُدعَى زبيدة، وذلك في عام 165هـ/782م، حيث أنجبَت له الأمين، والمأمون.[١][٢]
خلافة هارون الرشيد
بعد وفاة الهادي؛ وهو الأخ الأكبر لهارون الرشيد، انتقلَت الخلافة إليه، فتولّاها سنة 170هـ/786م، ليُصبح خليفةً على إمبراطوريّة تمتدّ من وسط آسيا، حتى المحيط الأطلسيّ، وهو لا يزالُ في الخامسة والعشرين من عُمره، حيث عَيّنَ هارون الرشيد يحيى البرمكيّ وزيراً له، علماً بأنّ خلافة هارون الرشيد كانت مكسباً للأمّة الإسلاميّة؛ وذلك بسبب أعماله العظيمة التي قدّمها للأمّة، فقد قِيل إنّ فترة خلافته هي الأفضل خلال فترة الخلافة العباسيّة التي دامت خمسة قرون،[٣] ومن أهمّ ما قدّمه الخليفة الرشيد في فترة حُكْمه:[٣]
- الارتقاء بالعلوم، والفنون، والآداب.
- كثرة أموال الخراج، حتى بلغت ذروتها؛ إذ بلغت ما مقداره 400 مليون درهم، بحسب تقدير بعض المُؤرِّخين، لتُشكِّل أعلى مبلغ في تاريخ الخلافة الإسلاميّة، وقد كانَت النقود تُجمَع دونَ أيّ اعتداء، أو ظُلم، وكانت تُنفَق بصورة تَخدمُ الأمّة.
- تشجيع رجال الدولة في زمنه على بناء الأحواض، وحَفْر الأنهار، وشَقّ الطُّرُق، وبناء المساجد، والقصور الفخمة، والمباني الجميلة.
- نُموّ الدولة، واتّساع عمرانها، وازدياد عدد سكّانها؛ حيث بلغَ مليون نسمة.
- استقبال البضائع في بغداد، والمجيء بها من كلّ مكان، حتى أصبحت أكبر مركز للتجارة في الشرق في عَهْده.
- ازدهار العِلم حتى أصبحت بغداد مركزاً للعِلم، والعلماء؛ حيث كانت المساجد تُشكِّلُ ما يشبه جامعاتٍ لطلّاب العِلم الذينَ يتلقَّونَ العِلم من أكابر الفُقَهاء، والمُحدِّثين، والقُرّاء، كما كانَ يأتيها الأطبّاء، والمهندسون من كلّ مكان.
- إنشاء هارون الرشيد لمكتبة تَضمُّ أعداداً ضخمة من الكُتُب، حيث أطلقَ عليها اسم “بيت الحكمة”.
السياسة في خلافة هارون الرشيد
لم تكن الأوضاع السياسيّة خلال فترة هارون الرشيد مُستقِرّة؛ فقد كانَت هناك بعض النزاعات الداخليّة، والخارجيّة، والتي حاوَل هارون الرشيد أن يُخمِدها، أو يَحلّها خلال فترة خلافته، ومن أهمّ الأمور السياسيّة التي واجهَت الخليفة:[٤]
- ثورة الخوارج: قادَ الوليدُ بن طريف الشاري الخوارجَ القادمينَ من شمال الجزيرة عَبْرَ دجلة، وصولاً إلى العراق؛ للتمرُّد على الخلافة، إلّا أنّ هارون الرشيد تصدّى لهم، وقتلَ قائدهم، وفَرّقَ جَمْعَهم.
- ثورة الديلم: قادَ يحيى بن عبدالله العلويّ ثورة الديلم، فواجهَها الخليفة هارون باللِّين، إلّا أنّهم لم يستجيبوا له، فردَّ عليهم بالعنف حتى قضى عليهم.
- ثورة خراسان: ثارَ أهل خراسان على والي المنطقة (ابن ماهان)؛ وذلك لظُلمه، وسرقته لأموالهم، فعلمَ الخليفة بأمره، وأمرَ بعَزْله.
- النزاع بين القيسيّة واليمانيّة: وهما قبيلتان تُقيمان في بلاد الشام، كانَ قد اشتعلَ بينهما خلاف، إلّا أنّ الخليفة أدركَ أهمّية الحفاظ على الاستقرار والقوّة في بلاد الشام؛ لحمايتها من هجمات الرّوم، فأنهى الخلاف بينهما.
- الفرنجة: سعى الخليفة إلى إيجاد علاقة مودّة واحترام مع ملك الفرنجة شارلمان.
- حروب الرّوم: خاضَ الخليفة العديد من الحروب ضدّ الروم، حيث كانت تحصل واحدة من هذه الحروب في كلّ سنة تقريباً، ولتحقيق النصر في هذه الحروب، سعى الخليفة إلى تقوية الأسطول الإسلاميّ، وإقامة دارٍ لصناعة السُّفُن، وتأمين الثغور التي قد يهاجم الروم الدولة من خلالها، وبعد العديد من المعارك، فتحَ المسلمونَ بعض الجُزُر، واضطرَّ الروم إلى طَلَب الهُدنة والمُصالَحة، فوقَّعَت ملكة الروم آنذاك (إيريني) مُصالَحة، مقابل دَفْع جِزية للمسلمين، وقد استمرّت هذه الهدنة حتى تولّى الإمبراطوريّة ملك يُدعَى (نقفور)، حيث نَقَضَ المُصالَحة، وهدّدَ الخليفة بالحرب، فخرجَ هارون إلى هرقلة قُرب القسطنطينيّة، إلّا أنّ نقفور وَعَدَه بالرجوع إلى المُصالَحة، فتَرَكه الخليفة، وبعد فترة عادَ نقفور إلى نَقْض العَهْد، فقاتلَه الخليفة، وقَتَل 40 ألفاً من جيشه، وانتصرَ عليهم.[٣]
البرامكة في عَهْد هارون الرشيد
كانت أسرة البرامكة مُقرَّبةً من الخليفة هارون الرشيد؛ فقد كَبُرَ هارون وحوله يحيى بن خالد بن البرمكيّ الذي كانَ يتمتَّع بالنُّبل، والأخلاقِ الرفيعة، والذي كان يَعُدُّه أباً له، فعيَّنَه وزيراً بعدَ تولِّيه الخلافة، وكانت أسرة البرامكة عوناً لهارون في حُكْمه، إلّا أنّ التاريخ يذكرُ ما يُعرَف ب (نكبة البرامكة)، إذ حَصَل خلاف بين هارون الرشيد، وأسرة البرامكة، وغَضب هارون الرشيد منهم، ممّا أدى إلى مقتلِ جعفر بن يحيى بن خالد البرمكيّ سنة 187هـ/803م، ولكنّه ندمَ ندماً شديداً بعدَ تلكَ الواقعةِ، ويَرِد عنه أنّه قال: (لعنَ الله من أغراني بالبرامكة، فما وجدت بعدهم لذّة ولا رجاءً، وَدِدْت والله أنّي شَطَرت نصف عمري وملكي، وأنّي تركتهم على حالهم)، ويختلف المُؤرِّخونَ في سبب تلكَ النكبةِ؛ فبعضهم يروي بأنّ الوُشاةَ، وأصحابَ المَكْرِ، أوقعوا بينَ الخليفة، والبرامكة؛ وذلك حسداً لما وصلت إليه العائلة من مَجدٍ وعزٍّ في عَهْده، إذ يروي بعض المُؤرِّخينَ أنّ أحد الوشاةِ أخبرَ الخليفة بأنّ البرامكةَ يُؤثِرونَ مصلحة العلويِّين على مصلحته؛ أي أنّهم خانوا الثقة التي أعطاها لهم الخليفة، إلى نحو غيرها من الروايات.[٢]
وفاة هارون الرشيد
تعرَّضَ هارون الرشيد لمرضٍ لا شفاءَ له، وكانت حالته الصحِّية تسوء مع الوقت، إلّا أنّه اضطرَّ إلى السفر إلى خراسان؛ لوَضْعِ حلّ للاضطّرابات والتمرُّد الذي كان بقيادة الأمويّ رافع بن الليث، وفي طريقه إلى هناك، وتحديداً في مدينة (مَشهد) التي كانَ يُطلَق عليها اسم (طوس)، لَفَظَ الخليفة هارون الرشيد آخرَ أنفاسِه، وتُوفِّيَ عام 193هـ/809م، عن عُمرٍ يُناهزُ الثالثة والأربعين.[٥]
المراجع
- ↑ عبدالله الذنيبات (2007)، المجالس الشعريّة والنقديّة في مجالس الخليفة هارون الرشيد، الأردن : جامعة مؤتة، صفحة 6، 9. بتصرّف.
- ^ أ ب “خلافة هارون الرشيد”، islamstory.com، 12-4-2010، اطّلع عليه بتاريخ 27-8-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب ت “هارون الرشيد.. والعصر الذهبي للدولة العباسيّة”، www.cia.gov، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.
- ↑ د. عبد الرحمن دركزللي، هارون الرشيد، الإمارات: جامعة الإمارات، صفحة 1،2. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم الغرايبة (26-9-2005)، “هارون الرشيد ولعبة الأمم”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.