ما بعد البنيوية
البنيويّة
ظهر مفهوم البنيويّة في أوائل القرن العشرين، وقد ظهر هذا المصطلح سنة 1929 وقد سبقه استخدام مصطلح (أبنية) من قبل الفيلسوف الروسيّ (تيتانيوف). والبنيويّة أحد المدارس اللغويّة التي كانت تتخذ مبدأً ينصّ على أنّ اللغة هيَ بنية ارتباطيّة قائمة بذاتها، وهيَ تستمد عناصرها وقيمتها من توزيع اللغة في النصوص أو الخطاب. وقد تطوّرت البنيويّة فأصبحت تقوم بدراسة مجالات مختلفة كالمجتمعات، والعقول، والآداب، والأساطير، فتعمل على دراسة ظواهر هذه المجالات من حيث ترابطها الداخليّ وتطوّرها عبرَ التاريخ، وتدرس كيفيّة تأثّر هذه المجالات بالبنى الخاصّة بها على طريقة قيامها بوظائفها.[١][٢] ويمكن تلخيص البنيويّة في عدّة مبادئ منها:[٢]
- تعدد المعنى: فالبنيويّة تهمل المعنى وتهتم بالنظم والنسق، فقد يقدم كلّ مؤلف نظرته الخاصة عن البنية.
- الاهتمام بالسياق: فالبنائيّة تهتم بشكل كبير بالسياق، وتنظر للكلمة بأنّها غير ثابتة المعنى وقد يتغيّر المعنى الذي تهدف له حسب سياقها.
- المرونة: إذ إنّ مصطلح البنيويّة خضع لأكثر من وصف، فهو مرن وفي الوقت ذاته لا يخلو من الإيهام والاختلاط.
ما بعد البنيويّة
إنّ ما بعد البنيويّة مصطلح متعلّق بحركة نشأت في فرنسا في أواخر الستينات، إذ تتعلّق هذه الحركة بموضوعات النقد الأدبيّ وموضوعات الفلسفة، وهي تتبنّى اعتقاداً بأنّ اللغة ليست وسيلة واضحة ومباشرة لإيصال الحقيقة أو الواقع، إنّما هيَ بنية أو شيفرة تمتلك معنى عن طريق التباين بين أجزاء اللغة نفسها وليس بارتباطها بالعالم الخارجيّ. تعتمد ما بعد البنيويّة على مجموعة من النظريات والعلوم هي: النظريّات اللغويّة لصاحبها فرديناند دي سوسور، وعلم الأنثروبولوجيا للعالم كلود ليفي ستروس، ونظريّات ديكيدا التفسيريّة. ومن أشهر كتّاب ما بعد البنيويّة: رولاند بارت، وجاك لاكان، وجوليا كريستيفا، وميشيل فوكو.[٣]
السیميولوجیا في ما بعد البنيويّة
تدلّ كلمة السيميولوجيا على العلم المرتبط بالعلامات والدلالات، فهيَ مصطلح ذات أصلٍ يونانيّ، والكلمة مركبة من جزئين هما (sémeion) بمعنى العلامة، و(logos) بمعنى الخطاب أو العلم. ويطلق عليه العرب مصطلح السيميائيّة أو علم الإشارات، وهيَ أحد المناهج التي تسعى لدراسة العلامات اللسانيّة وغير اللسانيّة، كما أنّه يقوم بدراسة الشيفرات والأنظمة التي تساعد على فهم الأحداث والأدلّة بوصفها علامات دالة لها معنىً محدد، وتعمل على دراسة علاقة العلامات بالأنماط المختلفة في حياة المجتمع. ويعود تاريخ السيميولوجيا إلى بداية إدراك الإنسان القديم للعالم المحيط به وإقدامه على التواصل معه، أمّا السيميولوجيا كعلم فقد نشأ على يد عالم اللغويّات السويسري فرديناند دو سوسور، وعالم المنطق الأمريكيّ تشارلز ساندرز بيرس في الزمن الحديث، وساعد على انتشارها التيار البنيويّ الذي ساد في القرن العشرين. وأحد أشهر الدراسات التي تتعلّق بالسيميولوجيا هيَ تلكَ التي أخذت تتوسّع وتتعدى ارتباطها باللسانيات فقط، حتى اشتملت أنظمة الدلالات المختلفة، وهيَ ما تسمّى بسيميولوجيّة بارت، وهي مكوّنة من أربعة عناصر رئيسيّة هيَ:[٤]
- اللغة والكلام: فرّق علماء السيميولوجيا بينَ اللغة باعتبارها مجموعة من الأنظمة والقواعد التي تمتلكها مجموعات بشريّة للتواصل، وبينَ الكلام الذي يعرّفوه بكونه التجلي التطبيقيّ للأنظمة اللغويّة.
- الدالّ والمدلول: يوضّح بارت العلاقة بين الدال والمدلول في علم السيميولوجيا بكونهما مختلفان ومتقابلان، فالدالّ لا يمكن أن يكون مدلولاً، وهما مرتبطان بالمعنى الوظيفيّ، ويعني ذلكَ بأنّ الدلالة هيَ العلامة التي ترتبط بالاستعمال في موضع معيّن، ولا أهميّة لها دونَ وجودها مع الدال في وقت معيّن.
- المركب والنظام: يربط السيميولوجيون بينَ اللغة والكلام والعلاقات التركيبيّة لهما، إذ تتمثل هذه العلاقات بالتراكيب التي تتكون من مجموعة من الكلمات المترابطة معاً، وإذا حدث ترابط بينَ هذه التراكيب بشكلٍ متسلسل فإنّه ينشأ عنها ما يُسمّى بالنظام.
- التقرير والإيحاء: يُفيد التقرير والإيحاء بفهم الدلالة الإيحائيّة للنصّ، ويتسع هذان المفهومان ليشكلا مفهوميّ التعبير والمضمون. فالتعبير هو الذي يدلّ على الجانب اللغويّ الخارجيّ أو الغلاف الذي يجسّد الفكرة بصورة مختلفة، كالغلاف الصوتيّ، أو الحركيّ، أو الخطيّ. أمّا المضمون فدوره مرتبط بالفكرة التي تقدمها اللغة التعبيريّة.
التفكيكيّة في ما بعد البنيويّة
أحد الجوانب الدراسيّة لما بعد البنيويّة هيَ الحركة التفكيكيّة، إذ تعرف بأنّها حركة بنيانيّة وضد بنيانيّة، وذلك لأنّها تعمل على تفكيك الخطابات والنظم الفكريّة بهدف الوصول إلى محور معانيها ومقاصدها، أي إنها تعمل على فكّ الارتباط بهدف النظر في خبايا الشيء وفهمه. ويتخذ التفكيك عدّة مظاهر، فأحياناً يظهر بصورة فلسفيّة، أو سياسيّة، أو فكريّة، أو على شكل أسلوب في القراءة. والقراءة التفكيكيّة تهدف لخلق شرخ بينَ ما يعرضه النص بشكل صريح، وبينَ ما يحمله من معانٍ خفيّة، كما أنّه يهدف إلى الوصول لأساس الشيء ومصدره لكشف حقيقته المخفيّة. وتعدّ التفكيكيّة أحد أهمّ الحركات في النقد الأدبيّ، فقد نشأت كنقد للبنيويّة ذاتها، وذلك في منتصف الستينات من القرن الماضي، فقد كانت نتيجةً للتمرد الذي سادَ في الفكر الأوروبيّ آنذاك، ومن أشهر ممثليها: جيل دولور، وجاك لاكان، وجاك دريدا، وفيليكس غاطاري، وميشال فوكو.[٥][٦] ومن أهمّ ما قامت عليه التفكيكية هو ما جاءَ به الفيلسوف نيتشه، ومن أهمّ المبادئ التي بنت التفكيكيّة عليها أفكارها:[٦]
- مبدأ جينالوجي: وهو مبدأ مرتبط بالتاريخ والأخلاق، وهيَ تهدف للحفر وراء الظواهر بهدف الكف عن المحركات الخفيّة.
- نقد التمركز: وهو المبدأ الذي يقوم بنقد وجود شيء محوريّ أو مصدر متعالٍ للحقيقة المطلقة.
المراجع
- ↑ Vivek Abhinav, Aakanksha Gaur، Marco Sampaolo (6-4-2018)، “Structuralism”، www.britannica.com, Retrieved 6-9-2018. Edited.
- ^ أ ب محمد بلعفير (2017)، “البنيوية (النشأة والمفهوم)”، مجلة الأندلس، العدد 15، المجلد 16، صفحة 233، 234، 241، 243. بتصرّف.
- ↑ J.E. Luebering, Marco Sampaolo (31-3-2016)، “Poststructuralism”، www.britannica.com, Retrieved 6-9-2018. Edited.
- ↑ د. وائل بركات (2002)، ” السيميولوجيا بقراءة رولان بارت “، جلة جامعة دمشق، العدد 2، المجلد 18، صفحة 56,57،60،61،62،63،65. بتصرّف.
- ↑ وفاء بن عمارة (2016)، ماهية ومنطلقات وأصول التفكيكية ، الجزائر: جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، صفحة 7-9. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد العزري (2012)، تلقي التفكيكية في النقد العربيّ الحداثيّ، الجزائر: جامعة مولود معمري، صفحة 11،12،17. بتصرّف.