الفرق بين العدل والمساواة

العدل

العَدْل في اللغة هو ضِدّ الجَوْر،[١] وهو في الحُكم أن يُثاب المرء على الحسنة بالحسنة، وعلى السيئة بالسيئة، وهو التسوية بين الشيئين أيضاً،[٢] كما ويُعرَّف العدل بأنه القصد في الأمور واستقامتها في النفوس، والعدل في الاصطلاح هو أن يعطي المرء من نفسه الواجب ويأخذه، وقيل أيضاً فيه أنه استقامة المرء على طريق الحق من خلال ابتعاده عن كل ما هو محظور ديناً، وورد أيضاً في تعريفه اصطلاحاً أنه استخدام الأمور في مواضعها وأوقاتها الصحيحة من دون تقديمٍ أو تأخير، بالإضافة إلى استعمالها في وجوهها ومقاديرها من غير إسراف أو تقصير.[٣]

وإن مفهوم العدل يعبر عن الإنصاف، كما يُعبر عن معاملة الناس بشكل متساوٍ، وعدم الانحياز لفئةٍ معينة، أو تعريضهم للظلم أو التعامل معهم بعنصرية، وذلك من خلال سن القوانين الاجتماعية، والسياسية، والجنائية، والتي من شأنها تحقيق الإنصاف بين أفراد المجتمع في مختلف المجالات الصحية، والتعليمية، وحتى في مجال الأعمال، وبصرف النظر عن أجناسهم وأعراقهم، كما يتجلى دور هذه القوانين في منح أفراد المجتمع الفرص المتساوية في الحياة، بالإضافة إلى حمايتهم في مختلف المجالات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.[٤]

وقد ورد عن العلامة عبد الله بن أحمد النسفي أن العدل هو التسوية في الحقوق بين الناس، وإعطاء كلّ ذي حق حقه، كما قال العلامة علي بن محمد الخازن أن العدل هو المساواة في المكافأة، فإن كان خيراً فخير، وإن كان شرّاً فشرّ، وقد قال البيضاوي أن الله يأمر بالعدل، والمقصود به هنا التوسط في الاعتقاد كالتوحيد الذي يتوسّط بين التعطيل والتشريك، والكسب المتوسط بين الجبر والقدر، وبالتوسط في الأعمال بين البطالة والترهب، والتوسط في الأخلاق بين البخل والتبذير، والعدل عند الفلاسفة كأفلاطون يعني اقتصار الإنسان على ما يخصه وعدم تدخله في أمور الآخرين،[٢] أما في الاصطلاح الشرعي العدل هو أن يضع المرء الأمور في موضعها التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، ويمكن القول أنه الموازنة بين جميع الأطراف بإعطاء كل ذي حق حقه دون تبخيس أو ظلم.[٥]

المساواة

المُساواة في اللغة هي مصدر الفعل ساوى، وعندما يُقال: ساوى بين شخصين؛ أي أنه جعلهما متعادلين ومتماثلين، وساوى صاحبه أي أنه ماثله وعادله، وساوى بين الناس يُقصد أنه عادَلَ بينهم وأصلح،[٦] والمساواة هي العنصر الأساسي في الإنصاف، كما تعني عدم تفضيل أحد على أحد،[٧] ويمكن القول أيضاً أن المساواة في اللغة مأخوذة من السواء وهي تعني المماثلة أو المعادلة في قدر الشيء وقيمته، فعندما يقال عن شيء أنه يساوي درهمين؛ أي أنه يعادله في القيمة، وقد ورد عن الشافعي في قوله هذا لا يساوي هذا أي أنه لا يعادله،[٨] والمساواة اصطلاحاً تعني أن يحصل المرء على ما يحصل عليه الآخرين من الحقوق، كما عليه ما عليهم من واجبات دون أي زيادة أو نقصان، وهي قيمة عظيمة تجعل جميع الأطراف سواء.[٩]

وقد ظهرت عدة آراء في تعريف المساواة تحديداً، فقد ظهر اتجاه يعرّف المساواة بأنّها إزالة كافة الفروقات بين جميع الناس ليصبحوا سواسية بصرف النظر عن أديانهم، وأجناسهم، وقد سمي هذا النوع من المساواة بالمساواة المطلقة، وأما الاتجاه الآخر فقد عمد إلى تعريف المساواة بأنّها الممثالة بين الأشياء بشكلٍ كامل، باستثناء الأمور التي أمر الشرع بعدم التسوية فيها، وهذا الاتجاه هو ما يُعبِّر عن المساواة العادلة، والتي تجمع بين المتساويين وتفرق بين المفترقين، ويمكن توضيح ذلك من خلال المساواة بين الرجل والمرأة، فالجمع بين المتساويين يكون بمساواة الرجل والمرأة في الثواب والعقاب، وفي تكاليف الشرع والخصائص الإنسانية على اختلافها، أما التفريق بين المفترقين فيكون من خلال اختلاف الرجل والمرأة من ناحية الصفات الجسدية والنفسية، والجدير بالذكر أنّ الاتجاه الأول، والذي يعبر عن المساواة بإطلاقٍ؛ ففيه نوع من العبث حيث إنه يجمع المتساوين والمفترقين على السواء، ويكمن العبث بأن المساواة المطلقة تجمع بين النقيضين، وفي ذلك انحراف عن العدل والإنصاف.[٥]

الفرق بين العدل والمساواة

ومن الفروقات بين العدل والمساواة، الآتي:

  • المساواة هي الهدف الذي ترمي إليه العدالة، فهي الغاية المرجوّة من تحقيق العدل، حيث إنّ العدل ما هو إلّا القسط الذي يلزم للاستواء، وبالتالي فإنه لتحقيق المساواة بين الأطراف دون زيادةٍ أو نقصان يلزم تطبيق العدل على أكمل وجه.[٩]
  • المساواة قيمة وهدف، أما العدالة فهي خلقاً.[٩]
  • تشتمل المساواة على التسوية فقط، بينما يشتمل العدل على التسوية والتفريق.[٥]
  • العدل أشمل من المساواة وهو ضابط لها، فالعدل أن تأخذ المرأة نصف الرجل في الميراث، وهو يقتضي أيضاً أن تتساوى الأختان في الميراث.[٥]
  • الإسلام هو دين عدل وليس دين مساواة، وذلك لأن العدل يعني الموازنة بين جميع الأطراف فيأخذ كل ذي حق حقه دون تبخيس، أما المساواة فقد تعني التسوية بين أمرين بينما يكون من الحكمة التفريق بينهما كما ذُكر سابقاً.[٥]
  • أمرت الشريعة الإسلامية بالعدل بين جميع الناس بشكلٍ مُطلق وفي كل زمان ومكان، فقد قال تعالى في كتابه الكريم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ)،[١٠] في حين أن المساواة منفيةً في بعض المواضع، فقد قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ).[١١][٥]
  • أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالعدل في معظم آياته دون المساواة، وذلك لأنّ العدل يكون في جميع الأوقات، بينما المساواة فقد تكون في أوقات معينة فقط.[١٢]
  • تتحقق المساواة في حال كان الناس متساوين في أمرٍ معين، أما عندما يكون هناك فوارق فلا تتحقق، وبذلك فإنّها واجبة وليست مطلقة، أما العدل فهو واجب مطلقاً ليس عليه قيود أو شروط، حيث يجب إعطاء كل ذي حق حقه في كل زمان ومكان وفي كل الظروف.[١٢]

فوائد العدل

للعدل فوائد عديدة ومنها:[٩]

  • رضا الخالق عن عباده، ومن ثم رضا العباد عن بعضهم.
  • يحقق العدل الأمن لصاحبه في الدّارين الدنيا والآخرة.
  • يؤدي العدل إلى دوام المُلك وعدم زواله بسهولة.
  • يُعرف أصحاب العدل ومن يُطبقونه بأنهم أهل للولاية والتقدم ورفعة المقام.
  • يحل العدل مكان الكثير من أعمال البر والطاعة.
  • يحقق للبشر السلامة من شر الظلم والجور.
  • الصدع بالحق وعدم موالاة الباطل وأهله.

فوائد المساواة

أما فوائد المساواة في الإسلام فتشتمل على:[٩]

  • القضاء على الفتن الطائفية، وذلك لأن أهل الذمة يشعرون بحقهم في المواطنة، ويحصلون عليه كما للمسلمين الحق في ذلك تماماً.
  • القضاء على الغرور عند الناس الذين يظنون بأنّهم أفضل من غيرهم.
  • التخلص من الوهن وضعف العزيمة عند الناس الذين يظنون أنهم دون غيرهم.
  • اطمئنان الأفراد إلى وجود عدالة الحكم، وإلى أنّ السياسة لا تفرق بين الناس بسبب عرقهم أو جنسهم أو أي من الفروقات وإنما هي سياسة عادلة.
  • المساواة بين الرجل والمرأة في حقهم في العبادة، وفي الثواب، والعقاب، الأمر الذي يُشعر المرأة بأن لها قيمتها وأنها ليست الجانب الأضعف في المجتمع.
  • تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع واطمئنان أفراده بسبب شعور كل فرد بأنه ليس أقل من غيره وأنه يحصل على كافة حقوقه مثل غيره تماماً.

المراجع

  1. “تعريف ومعنى عدل في قاموس المعجم الوسيط”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  2. ^ أ ب د. محمد أحمد مصطفى الكنزى, العدالة تعريفها، مكانتها في الشريعة الإسلامية وأهم أنواعها, صفحة 3-5. بتصرف.
  3. “معنى العدل لغةً واصطلاحًا”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  4. “Criminal Justice & Social Justice: The Issues of Equity & Fairness”, www.study.com, Retrieved 2018-2-28. Edited.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح د. محمود بن أحمد الدوسري (2017-10-31)، “العدل والمساواة في الإسلام (خطبة)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  6. “تعريف ومعنى مساواة في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  7. “تعريف ومعنى مساواة في قاموس المعجم الوسيط “، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  8. حسام أحمد حسان محمود، المساواة بين الأولاد، صفحة 8-9. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج ” العدل والمساواة, المساواة اصطلاحا”، www.islambeacon.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.
  10. سورة المائدة، آية: 8.
  11. سورة فاطر ، آية: 22.
  12. ^ أ ب ” أين المساواة؟”، www.alukah.net، 2013-5-14، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-28. بتصرّف.