مراحل تطور البحث العلمي
مراحل تطوّر البحث العلمي
يمتلك الإنسان غريزة حبِّ المعرفة والسعي للوصول إليها، وفهم البيئة المحيطة به، وتحليلها، وتسجيل عناصرها، وترتيب أحداثها وظواهرها، وفهم مضامينها الطبيعية والبشرية في مختلف توجُّهات ميادين المعرفة.[١] تطوّرَ سعي الإنسان لفهم الحقائق والبحث عن المعرفة بشكلٍ علمي عبر الزمن تدريجياً بشكلٍ بطيء جداً، واستغرقت هذه العملية وقتاً طويلاً، وكان من الصعب تتبُّع تاريخ البحث العلمي وخطواته بدِقّة عبر السنين، إلّا أنّه ظهرت بعض المعالم للتطور في مجال البحث العلمي عبر عصورٍ متتالية،[٢] وهي على النحو الآتي:[٣]
- تاريخ البحث في العصور القديمة: توصَّل المصريون القدماء، والرومان، واليونانيون الإغريق، والبابليون إلى المعرفة بطريقتهم الخاصّة؛ حيث تمكَّنوا من معرفة علم التحنيط، والهندسة، والجغرافيا، والفيزياء، والطب، والحساب، والفلك، وغيرها الكثير، ونقل المصريون القدماء معرفتهم عن طريق تسجيلها على ورق البردى، بالإضافة إلى حفرها على الصخور باللغة الهيروغليفية، أمّا الحضارة اليونانية فاعتمدت أسلوب التأمل والنظر العقلي المجرد، وتجدر الإشارة إلى أن أرسطو في ذلك الوقت وضع منهجاً قياسياً للبحث عن المعرفة، وأسلوباً جديداً للتفكير مستعيناً بذلك على الملاحظة والاستقراء، واعتمد الإغريق على التنقيب المستمر عن المعرفة التي توصَّلت إليها الحضارات السابقة لتحقيق منهجهم العلمي.
- تاريخ البحث في العصور الوسطى: تعود فترة العصور الوسطى إلى الحضارة العربية الإسلامية وفترة عصر النهضة في أوروبا؛ حيث استفاد العرب من النتائج التي توصَّلت إليها حضارات العالم القديم، وأضافوا إليها كمّاً هائلاً من المعرفة التي نقلوها فيما بعد إلى أوروبا، والتي اعتبرت نقطة انطلاق ازدهار الحضارة الأوروبية، ويجدر بالذكر أن طريقة منهجهم البحثي خالفت منهجية أرسطو؛ حيث اعتمدت أساليب جديدة ومبتكرة في البحث؛ كالتجريب والاستعانة بأدوات القياس للوصول إلى النتائج العلمية.
- تاريخ البحث في العصر الحديث: بدأت فترة العصر الحديث من القرن السابع عشر للميلاد؛ الذي يُعتبر القرن الذهبي في البحث العلمي وحتى الوقت الحالي، وازدهر خلال تلك الحقبة البحث في العلوم الطبيعية، والرياضيات والكيمياء وغيرها، وتطوَّرت أساليب البحث على مدى هذه الفترات لتنتقل إلى صورةٍ جديدة تختلف كليّاً عن سابقاتها؛ حيث بدأ البحث في علم الآثار، وعلم النفس، والعلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليم، وتميَّزت هذه البحوث باستخدامها للطريقة العلمية كأداة بحثٍ في مختلف المجالات على مرّ القرون.
تطوّر منهجية البحث العلمي
مرَّت منهجية البحث العلمي بعددٍ من المراحل والمستويات على مرِّ العصور إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، ويمكن تلخيص هذه المراحل بالآتي:[٤]
- مرحلة الصدفة المحضة: تُعدُّ الصدفة المرحلة الأولى من مراحل البحث العلمي؛ حيث كانت السبب والمبرِّر الوحيد الذي يراه الإنسان في وجود الظواهر دون التمعّن في الأسباب التي أدَّت إلى حدوثها.
- مرحلة المحاولة والخطأ لإيجاد الحل: كرَّر الإنسان في هذه المرحلة عدداً من المحاولات لإيجاد حلٍّ للظواهر والمشاهدات، ومن الطبيعي في هذه المرحلة أن يُخفِق الإنسان كثيراً قبل الوصول إلى الحل، الأمر الذي يمكِّنه من تكوين مجموعةٍ من القواعد العامة التي يتمُّ الاعتماد عليها لتطوير البحث العلمي.
- مرحلة الاعتماد على السلطة والدين: توصَّل الإنسان في هذه المرحلة إلى البحث العلمي عن طريق اتِّباع آراء القادة ورجال الدين على الرغم من أنها ليست جميعها صحيحة، إلّا أنّه كان من الواجب آنذاك اتِّباعها والإيمان بها.
- مرحلة الجدل والحوار: تطوَّر البحث العلمي حتّى وصل إلى مرحلةٍ يرفض فيها الانسان كلَّ ما يخالف العقل والمنطق، والاعتماد في تفسير الظواهر وأسباب حدوثها على العقل واتّباع المنطق بالإضافة إلى التجربة والبرهان.
- مرحلة الطريقة العلمية: تميَّزت هذه المرحلة بوضع العلماء للفرضيات حول المشاكل والقضايا، ثمَّ جمع البيانات للوصول إلى نتائج صحيحة تُثبت صحة هذه الفرضيات أو تدحضها، كما يُشار إلى شيوع هذه الطريقة في القضايا التي تخص العلوم الطبيعية ثمّ انتقالها إلى العلوم الإنسانية.
صنَّف عالم الاجتماع والفيلسوف أوغست كونت مراحل تطور البحث العلمي والفكر الإنساني إلى ثلاث مراحل غير منفصلة عن بعضها، وهي على النحو الآتي:[٥]
- المرحلة الحسية: امتازت هذه المرحلة بوصف الظواهر وفقاً لما يراه الإنسان ويسمعه دون فهمها أو محاولة إدراك العلاقات بين الظواهر والمشاهدات.
- مرحلة المعرفة الفلسفية التأملية: تُعرف أيضاً بمرحلة البحث عن الأسباب والعلل البعيدة عن الواقع، فقد فكَّر الإنسان في تلك المرحلة بفكرة الحياة، والموت، والخلود.
- مرحلة المعرفة العلمية التجريبية: تُعرف أيضاً بمرحلة نضج التفكير البشري، وتعتمد هذه المرحلة على تفسيراتٍ علمية منطقية للظواهر والقضايا، مع فهم وإدراك الروابط الموجودة بينها.
تأسيس منهجية البحث العلمي
تُعدُّ منهجية البحث العلمي الطريقة الواضحة التي تربط بين القضايا والمشاكل على أرض الواقع مع تصوُّر العلماء والباحثين وحلولهم حولها، فقد تمّ تأسيس منهجية للبحث العلمي على يد أرسطو الذي اعتمد فيها على مبدئين، وهما: الهيكل المنطقي المتمثّل في المسلمات والنتائج، والبحث الإجرائي الذي يعتمد على المشاهدة، ثمّ الاستنباط، ثمّ التسليم، وتجدر الإشارة إلى أن ابن الهيثم اعتمد منهجيةً أخرى تجرَّدت من الأهواء الشخصية، وبُنيت على أساسٍ عقليٍ وحسي، الأمر الذي تطوَّر عنه المنهج العلمي المعتمَد في بداية فترة عصر النهضة في أوروبا، ومن بعد ذلك أكّد الفيلسوف فرانسيس بيكون على هذه الأفكار واعتبر الملاحظة هي الطريق الصحيح للفهم والتوصُّل إلى الحقائق، ثمّ بعد ذلك اعتمد العالم غاليليو غاليلي مبدأ التوازن بين ما يتمّ ملاحظته وبين الفرضيات التي تنشأ عن البحث العلمي.[٦]
وللتعرف أكثر على البحث العلمي بشكل عام يمكنك قراءة المقال تعريف البحث العلمي
المراجع
- ↑ أ. د محمد أزهر سعيد السماك (2019)، طرق البحث العلمي: أسس وتطبيقات، عمان-الأردن: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ مصطفى دعمس (2008)، منهجية البحث العلمي في التربية والعلوم الإجتماعية، عمان-الأردن: المنهل، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ د.محمد صادق (2014)، البحث العلمي بين المشرق العربي والعالم الغربي، كيف نهضوا..؟ ولماذا تراجعنا..؟ (الطبعة الأولى)، القاهرة-مصر: المجموعة العربية للتدريب والنشر، صفحة 16-19. بتصرّف.
- ↑ “البحث العلمي والبحث التربوي”، www.bts-academy.com، 31-1-2018، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ↑ د.ربحي مصطفى عليان، د.عثمان محمد غنيم (2000)، مناهج وأساليب البحث العلمي (النظرية والتطبيق) (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: دار صفاء للنشر، صفحة 21-22. بتصرّف.
- ↑ د. كمال دشلي (2016)، منهجية البحث العلمي، حماة-سوريا: مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية -منشورات جامعة حماة، صفحة 26. بتصرّف.