من علماء المسلمين في الجغرافيا

بعض إنجازات العلماء المسلمين في الجغرافيا

يزخرُ التاريخ بالروايات، والإنجازات الخاصّة بأقوام، وعصور، وأُمَم مَضت، وتَركت لمَن بَعدها أعظم الآثار، والعِبر، حيث ورَّثَت الأجيال قِصصاً تروي لحظة الهزيمة، ومواطن الانتصار، وذُلّ الضعف، وقوّة الافتخار، فلكلِّ حاصدٍ ما زرع، والتاريخ مدرسة لا يُغلَق بابها، ولا يُستثنى منها أحد، ولا تضيقُ جدرانها لكثرة طُلّابها، وكُتُبها، ومُعلِّميها، فهنيئاً لمَن تعلَّم منها، واجتهد لها؛ حتى يُخلَّد اسمه، وجُهده، ويُكتَب له بإخلاصه، وسَعْيه أن يُغيّر العالَم، والتاريخ لعدّة قرون تجيء بعده، بحيث تُثني عليه، وتُشيِّد صَرْحاً مَعرفيّاً على أساسٍ بنَته يداه.

دشَّنت الفتوحات الإسلاميّة، وقوافل التجارة، وكثرة الأسفار، والترحال خبرة علميّة، وعمليّة تتَّسِم بالتسامُح، والإيجابيّة؛ فالثقافة الإسلاميّة لم تصطدم مع العلم، ولم تُبنَ على الأساطير، والخُرافات، إذ كان للعلماء المسلمين دوافع نبيلة، وغايات تسمو بتجاربهم العلميّة، وتُشبع فضولهم المعرفيّ في شتّى المجالات، فهم من أوائل الذين جابوا البحار، وأتقنوا فنون المِلاحة، وصنعوا أدوات البحّارة المُحترِفين، وحتى في الصحاري لم يكن لأحد أن ينافسهم في الاستدلال على مسيرهم اهتداءً بالنجوم، والقمر؛ فذاع صيتهم في إعداد، وتنفيذ الخُطَط الحربيّة المُحكَمة، علماً بأنّ موقع الجزيرة العربيّة ساهم في إثراء خبرة المجتمع، وتكوين علاقات واسعة، والاطِّلاع على مختلف الثقافات؛ بسبب رحلات الحجّ السنويّة، وقد شَهِدت لهم بذلك الفتوحات، والتراجم، والمُؤلَّفات، والاكتشافات -لا سيّما الجغرافيّة- التي لم يسبقهم إليها أحد.[١]

عمَّت الفتوحات الإسلاميّة الأرجاء؛ من الصين شرقاً، وحتى أوروبّا غرباً، حيث كانت هذه الأراضي تنعم بالأمان الذي أتاح لسُكّانها السفر، والتجوُّل في تلك الأراضي كلّها دون خوف، أو قلق، وقد وصفها البيرونيّ؛ حيث تجوَّل في الصين، والهند، والمغرب، وإسبانيا، والحَبَشة، وابن وهّاب الذي وصف العاصمة الصينيّة، والرحلات البحريّة إليها من البصرة، وابن فضلان الذي ارتحل من بغداد إلى إحدى المُدن الروسيّة، أمّا ابن جبير فقد سافر من شرق العالَم الإسلاميّ إلى غَرْبه، وابن بطّوطة الذي سافر من طنجة إلى جُزُر المالديف، مروراً بالهند، والصين، وإيران، والعراق، وبلاد الشام، وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى العالِم المَقدسيّ الذي رَسَم أوّل خريطة مُلوَّنة في العالَم، كما أنّه كَتَب في المجالات الجغرافيّة كلّها؛ لكثرة ترحاله، وممّا لا شَكّ فيه أنّه قد كان لهذه الأسفار أثرها في توثيق التجارب، وتأكيد المعارف؛ فالجغرافيا التي وضعها العلماء المسلمون خلال أسفارهم انعكست على العالَم بالنَّفع؛ حيث صحَّحت ما سبقها من الجغرافيا اليونانيّة، وباتت مرجعاً أكثر موثوقيّة ممّا سواها لعدةّ قرون.[٢]

أهمّ العلماء المسلمين في الجغرافيا

لم يقتصر العلماء المسلمون على دراسة الجغرافيا في مناطق نفوذ دولتهم، بل عَبروا البحار، والصحاري، والغابات، والأنهار، وطوّروا أدواتهم المِلاحيّة، ومنها الأسطرلاب، وتجوّلوا شمالأ، وجنوباً، وشرقاً، وغرباً، كما أنّهم استعانوا بعلم الفلك، وقراءة النجوم، ممّا أعانهم على تحديد خطوط الطول، ودوائر العَرض بدقّة أكبر، ومن الجدير بالذكر أنّ من أوائل، وأهمّ علماء الجغرافيا المسلمين:[٣]

  • البيرونيّ.
  • ياقوت الحمويّ.
  • هشام الكلبي
  • محمد الخوارزميّ.
  • أحمد السرخسيّ.
  • اليعقوبيّ.
  • أبو الحسن المسعوديّ.
  • ابن رسته.
  • المَقدسيّ.
  • أبو زيد البلخيّ.
  • الإصطخريّ.

توَّجَ بعض العلماء المسلمين رحلاتهم، وخبراتهم بتوثيق مشاهداتهم، ومعارفهم، حيث كان من أهمّ إنجازاتهم رَسْم الخرائط بحسابات رياضيّة، وفلكيّة دقيقة، مُستخدِمين الأسطرلاب، وأدوات أخرى؛ لقياس، ووصف مَعالِم الأرض، وأبعادها، ممّا كان له الأثر في عِلم الجغرافيا ككلّ، ومن هذه الإنجازات ما يلي:[٤]

  • أطلس الرحّالة، والبحّار العُثمانيّ علي ماكار ريس المحفوظ في مكتبة متحف قصر توب قابي في إسطنبول، وهو يُعَدُّ من أكثر الأطالس إبداعاً.
  • خريطة الإصطخريّ (أبو القاسم الكرخيّ)، حيث دوَّن في كُتُبه تقاليد الشعوب، وأحوال المناخ.
  • كتاب (تاريخ جُزُر الهند الغربيّة) للعالِم العُثمانيّ محمد أمير النِّكسريّ، حيث يروي فيه مغامرات استكشافه لأمريكا، كما أنّه ضمَّنه ترجمات عديدة، وبه وسّع مدى رسم الخرائط التي تتعلَّق بالجغرافيا الإسلاميّة.
  • خريطة أبي القاسم بن حوقل، أو النصيبينيّ؛ وهو مُؤرِّخ، ورحّالة، حيث كانت هذه الخريطة مقلوبة كعادة رسم الخرائط حينها؛ أي أنّ الشمال كان نحو الأسفل، والجنوب نحو الأعلى.
  • كتاب (تُحفة الأخبار في أسفار البحار) للخطيب الشلبيّ، والذي أشاد، ودوَّن فيه مآثر، وإنجازات العُثمانيّين في خدمة الحدود البحريّة، ورعاية شؤون المِلاحة.
  • خريطة الجغرافيّ الفارسيّ أبي زيد البلخيّ، وهو تلميذ الكِنديّ.
  • كتاب (ديوان لغات التُّرك) للكاتب العُثمانيّ محمود الكاشغريّ، والذي ألَّفه؛ ليساهم في تعليم اللغة التركيّة لغير الناطقين بها، إذ ضمَّنَه خريطة دائرية مُفصَّلة جمع فيها أماكن سَكَن الأتراك، وأظهر فيها سور الصين العظيم.
  • خريطة الرسّام، والجغرافيّ العُثمانيّ بيري ريس؛ وهي خريطة عالَميّة تُعَدُّ أقدم الخرائط التركيّة الموجودة حاليّاً في إسطنبول.
  • خريطة العالِم محمد الإدريسيّ، والتي تُعتبَر من أشهر الخرائط في علم الجغرافيا خلال العصور الإسلاميّة.

بعض ابتكارات المسلمين التي غيَّرت العالَم

لا يمكن لأحد أن يحتكرَ العِلم؛ فهو لغة العالَم المُشترَكة، وميدان تنافُسها، وإثبات جدارتها على مَرّ العصور؛ ففي العصور الوُسطى، شَهِدت أوروبّا عصورَها المُظلِمة بالجَهل، والتخلُّف، في حين سَطَع نور العِلم في بلاد المَشرق؛ حيث كانت بغداد، ودمشق، والقاهرة، وقُرطبة، والمُدن العربيّة منارات للعلم تُفاخر بما قدَّمته من عِلم، وعُلماء، فاحتوَت علوم الفَلَك، والطبّ، والكيمياء، والرياضيّات، وأسَّست لعلوم جديدة كان لها شَرَف ابتكارها، ونتيجة لذلك انتشرَت المُؤلَّفات العربيّة، ووصلت إلى أوروبّا التي استنارت بالعِلم فيها مُنهِية بذلك عصور ظلامها، وبداية عصر نهضتها الحديث.[٥]

اجتازت مُنجزاتهم الحدود، والأزمان؛ فالكثير منها كان مُنطلقاً لاختراعات لا يزال العالَم اليوم مُندهشاً من طُرُق ابتكارها، وعبقريّتها، وتشهد بذلك الكاميرا التي اخترعها ابن الهيثم، وهو أعظم عُلماء عَصْره، وخريطة العالَم التي وضعها الإدريسيّ، والتي تُعتبَر أدقّ خريطة وَصَفت العصور الوُسطى لتبقى مرجع المسافرين لقرون بَعدها، وكذلك الحال مع الأدوات المُستخدَمة في العمليّات الجراحيّة اليوم، حيث كانت نشأتها في القرن العاشر الميلاديّ على يد الجرّاح الزهراويّ في قُرطبة، وعبّاس بن فرناس الذي ابتكر الطوابع البريديّة، وبادر بمحاولة الطيران الأولى.

ومن الجدير بالذكر أنّ قائمة الاختراعات العربيّة التي أُنجِزت في العصور الإسلاميّة تطول، حيث إنّ منها: الصابون، ولعبة الشطرنج، والقهوة العربيّة، وأسلوب تزويد الملابس، والأغطية بالبِطانة القماشيّة، وفنون العمارة الإسلاميّة، وبناء القباب، والأقواس، وآليّة تبريد، وتدفئة القلاع، وصناعة الخنادق، والأنفاق، والطواحين الهوائيّة.[٦]

ومن المهمّ بمكان ذِكر أنّه في الصناعات الحربيّة استُوحِيَ القوسُ المُدبَّب من نَمَط العمارة الإسلاميّ، والذخيرة المدفعيّة، أمّا أقلام الحبر التي نستخدمها اليوم فيعود أصلها إلى سُلطان مصر عام 953م؛ حيث طلب صناعة قلم خاصٍّ به بحيث لا يُلوِّث يديه، ولا ثيابه، وفي ما يتعلَّق بزرياب، فقد ابتكر الوجبات الغذائيّة، وإليه يعود اختراع النظّارة، كما يُعتبَر السجّاد اختراعاً عربيّاً، وكذلك الشيكات التي تُستخدَم في التعامُلات البنكيّة اليوم، وقد أبدع ابن حزم، والإدريسيّ، وغيرهم في إثبات كُرَويّة الأرض، وحساب مُحيطها، بالإضافة إلى العالِم جابر بن حيّان الذي ابتكر آليّة التقطير، والأكسدة، والتبخير، والترشيح، حتى أنّه اعتُبِر مُؤسِّس الكيمياء الحديثة، أمّا في المجالات الصناعيّة، فإنّ ناقل الحركة، والمكابس الضاغطة، والساعات الميكانيكيّة، وآليّة ضخّ المياه للريّ كلُّها اختراعات تُنسَب للعالِم الجزريّ الذي يُعتبَر مُؤسِّس علم الروبوتات أيضاً.[٦]

أمّا في مجال التعليم، فإنّ الخوارزميّ يُعَدُّ أوّل من أبدع النظام الجَبريّ في الرياضيّات، وحتى أبسط المُقتنَيات، كفرشاة الأسنان اليوم، والتي تُعتبَر فكرة مُستوحاة من السواك، ومن الجدير بالذكر أنّ الأميرة فاطمة الفهريّ تُعَدُّ مُؤسِّسة أوّل جامعة تَمنحُ الدرجات العلميّة لمُنتسِبيها، أمّا مجال الترفيه، فقد أثراه المسلمون، وأبدعوا في تصميم الآلات الموسيقيّة حيث يُعتقَد إلى الآن أنّ أوزان الموسيقى مُستمَدّة من الأبجديّة العربيّة.[٧]

المراجع

  1. “Geography”, al-islam.org, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  2. Salah Zaimeche (2002), A Review of Muslim Geography, United Kingdom : FSTC Limited, Page 1-13, Part 1. Edited.
  3. Asad Raza , “Muslim Contributions to Geography”، islamicinsights.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  4. “Top 10 Maps from Muslim Civilisation, when North was South and South was North, towards Mecca”, 1001inventions.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  5. “The greatest scientific advances from the Muslim world “, theguardian.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  6. ^ أ ب “How Islamic inventors changed the world”, independent.co.uk,11-3-2006، Retrieved 27-12-2018. Edited.
  7. Olivia Sterns (29-1-2010), “Muslim inventions that shaped the modern world”، edition.cnn.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.