مفهوم الإنسان في الفلسفة

الإنسان

يُعرف الإنسان في اللغة بأنه الكائن الحي القادر على التفكير، أو هو اسم جنس لكائن لديه القدرة على التفكير، والكلام والاستدلال بالعقل، وتُطلق كلمة إنسان لغوياً على المفرد والجمع.[١] ووفقاً لقاموس إكسفورد، فإن مفهوم الإنسان يدل على التسميات القائمة على وصف الكائن البشري أو الجنس البشري، كما ورد في قاموس كامبريدج أن مصطلح الإنسان يتم إطلاقه على مختلف الكائنات البشرية التي تعيش على الأرض، سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً.[٢][٣]

وتعود كلمة الإنسان في أصلها عند العرب إلى معنى الظهور، فالإنس عكس الجن، وقد ذكر العرب معنى آخر للإنسان وهو النسيان، فكما ورد عن ابن عباس على لسان بن منظور: (إنما سُمي الإنسان إنساناً، لأانه عُهد إليه فنسي).[٤] أما عند الغرب فتعود كلمة إنسان إلى مصطلحين، المصطلح الأول فرنسي وهو همين (بالفرنسية: Humain)، والمصطلح الثاني لاتيني وهو هومانوس (باللاتينية: Humanus) وهو مشتق من هومو الإنسان. وقد أصبح لفظ الإنسان المصطلح المتفق عليه لفظاً وكتابةً مع الإنسانية، وكان ذلك في القرن الثامن عشر الميلادي،[٥] ويُعرف الإنسان على أنه الرئيسيات الحاملة للثقافة، وهو يتصل بالقردة العليا تشريحياً، ولكن دماغه أكثر تطوراً، كما يتميز بقدرته على الكلام والاستدلال، ويمتلك جسداً منتصباً يحتوي على الأطراف التي تمكنه من التحرك والانتقال.[٦]

وقد لوحظ في علم التشريح أن القردة العليا مثل الغوريلا، والشمبانزي، وبونوبوس، تمتلك مجموعة من القدرات المعرفية المتقدمة التي يمكن أن تتطور، ولذلك فإن الفجوة بينها وبين الإنسان تكمن في الإدراك. ولفترة ما اعتُبر الإنسان العنصر الوحيد للعائلة المعروفة بالهومينيداي أي القردة العليا (بالإنجليزية: Hominidae)، ولكن هناك نتائج أثبتت أن الشمبانزي والبونوبوس لديها ارتباط بالبشر وأن آخر السلف المشترك بينهم عاش قبل ستة إلى سبعة ملايين سنة، لذلك يتم جمع الجنس البشري أو الإنساني مع القرود الكبيرة في تصنيف يدعى هيومينيداي.[٦]

الإنسان في الفلسفة

بدأت النظرة التي بنتها الفلسفة الغربية زمن أفلاطون وأرسطو، رؤية الإنسان على أنه كائن يتميز بعقله الذي هو مناط التكليف، وأساس المسؤولية والجزاء، أي أنه كائن عاقل، ولكن الفلسفة المعاصرة أحدثت انقلاباً كبيراً في تحديد ماهية الكائن الإنساني، وشمل هذا الانقلاب تقييماً لأبعاده المعرفية وقدراته العقلية، فهي لم تؤكد على التصورات الفلسفية السابقة للإنسان ولم تعطِ الأبعاد العقلية أي اعتبار، بل على العكس قامت بتهميش هذا الجانب واعتباره مجرد قوى لا شعورية أوغريزية.[٧]

ويُعتبر نيتشه من أشهر الفلاسفة الذين اهتموا بإزالة العقل من موضوع التصوّرات الفلسفية للإنسان، حيث شكّل هذا الموضوع محور دراساته الفلسفيّة، وكان مدخلاً لتحديد وتعريف الإنسان، فقد رأى نيتشه أن العقل هو غريزة كالغرائز الأخرى التي من شأنها أن تُبقي الإنسان على قيد الحياة، وهذه هي وظيفته فقط لا غير، وتم اعتبار الأبعاد الغريزية المكون الأساسي والمركزي للذات الإنسانية، وأن ماحصل في الثقافة الإنسانية من اضطرابات يرجع إلى تبديل وظيفة العقل، وتحميله مسؤولية كبيرة مثل الحقيقة والأخلاق، وهذا ما جاء في كتابه العلم المرح، كما أنه قلل من القيم الأخلاقية التي يتسم بها العقل مثل الرحمة والتسامح، ووصفها في بحثه الذي حمل عنوان (جنيالوجيا الأخلاق) على أنها أخلاق ضعف وعبودية ولا تدل على القوة والسيادة.[٧]

وبذلك انتهى نيتشه إلى الدعوة بتغير وظيفة العقل وقلبها من معرفية إلى مجرد وسيلة لخدمة الغرائز، وبذلك يكون قد لغى فكرة الأنا هو الذي يفكر، وقد أيدته الأبحاث الأنثروبولوجية، وظهرت النظرية الداروينية القائلة إن الإنسان أصله حيوان، وقد كان لها حضور كبير في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وخاصة في المجال الثقافي، والصحفي، ومجال الأدب، والروايات.[٧]

الإنسان في الوجودية

الوجودية هي عبارة عن تيار فكري فلسفي ظهر في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويرجع اسمها إلى طبيعة اهتمام أعضائها بوجود الإنسان أو الوجود البشري، ويستخدم الوجوديون مصطلحات كثيرة يعبرون فيها عن الإنسان مثل ما هنالك، والوجود، والأنا والوجود لذاته، وهناك تعريفات عدة في تيار الوجودية للإنسان فمثلاً يعرفه هايدجر بأنه المخلوق الذي يكون في العالم الذي يحدده الموت، ويجربه القلق، ويعرّفه سارتر بأنه الكائن الذي لا يعرف الراحة أبداً، ويحيا بمعارضة ذاته، وترى الوجودية أن الإنسان شخص قلق، وممزق ولديه شعور عميق بالمسؤولية، وأن الشخص الذي يكذب غير مرتاح الضمير.[٨]

وتقوم فكرة الإنسان في الوجودية على أنه لايجوز اعتباره جزءاً من فئة، وأنه لا أحد يحل محله، وأن لكل إنسان موقف وجودي خاص به، ويقوم مبدأ الوجودية على أن الإنسان له وجود قائم بحد ذاته وهو متفرد برأيه وغير موجه من أحد ويتحمل مسؤولية وجوده، وقد أثارت الوجودية انتقاداً كبيراً لأنها دعت إلى التأمل وعدم إعطاء القيم الإنسانية أي قيمة، ورفضت قبول الإنسان للقيم الجاهزة حتى لو كانت عن طريق الوحي.[٨]

ومن نظريات الوجودية نظرية سارتر، حيث تعتبر نظرية سارتر الوجودية إلحادية، أراد بها تضليل الناس، فادّعى أن الإنسان هو المسؤول عن وضع مقايس الحق والخير، وبذلك خالف جميع الفلاسفة المؤمنين، فقد أعطى الإنسان ما هو لله، مثل وضع مقايس الحق، والخير والجمال، بمعنى أنه أنكر الخالق وأسقط مسؤوليته، وأنكر الضمير الذاتي المثالي، ونظر إلى الإنسان على أنه شخص حر صانع لنفسه، وخالق لقيمه ومعاييره، وأن العاطفة لا وجود لها في حياته، وبذلك فإن الوجودية تسلب الإنسان جميع المعاني التي يمكن أن يُكرَّم من أجلها.[٩]

الإنسان في الواقعية

ظهرت الواقعية عند الأدباء الإغريق، كما ظهرت في البدايات الأولى لعصر التنوير الأوروبي، وذلك بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين، وأصبحت تياراً أساسياً في القرن التاسع عشر، وقد ركزت الواقعية على أهمية الإنسان وتحريره من القيود، وأعادت الاعتبار للعقل البشري، وتُعرَّف الواقعية في الإصطلاح على أنها مذهب فلسفي يرى أن وجود الأشياء الخارجية لا يتوقف على إدراك العقل لها، فهي موجودة سواءً وُجد من يدركها أو لم يوجد، وحسب ما يرى إميل زولا وهو ممثل المدرسة الواقعية في الأدب الفرنسي، أن الإنسان ما هو في جوهره إلا حيوان مفترس يتخذ غرائزه الحيوانية أساساً لأفكاره، وأن الخير يزول بمجرد تقابله مع صراعات الحياة، فتظهر الحقيقة الشريرة للإنسان، كما قام دعاة الواقعية بربط الإنسان الغربي بغرائزه، ووجهوا نظره إلى التراب لا إلى السماء، وعملوا على إفساده وتحريك شهواته، وجعلوا كل شيء مباح عنده.[١٠]

الإنسان في الشيوعية

ترجع الشيوعية في تفسيراتها في كل شيء إلى التفسير المادي، ومعنى ذلك أنها ترى أن الإنسان ما هو إلا مادة شأنه شأن الخالق، وجميع مجالات الحياة المرتبطة به، مثل الأسرة، والقيم المعنوية والمبادئ الفكرية، وتسنتد في رأيها هذا إلى أنها تعتبر المادة هي الأصل لكل شيء، وأنها الأساس الذي انبعثت منه الكائنات الحية وغير الحية، والمادة التي هي بنظر الشيوعية الخالق الذي أنشأ الحياة، والإنسان، ومشاعره وأفكاره.[١١]

الإنسان في الرأسمالية

تقدس الرأسمالية الفرد، وتؤمن بالإنسان إيماناً مطلقاً لا حدود له، وتجعله محور الحياة كلها، وفكرتها عن الإنسان أنه مجرد من الأفكار الأخلاقية والروحية، أي أنه كائن مادي بحت يهتم بغاياته ومصالحه، ولا يعطي المجتمع أي اعتبارات أو أهمية من رفعة معنوية وسمو أخلاقي، كما أن الدولة الرأسمالية تهتم بحماية الأفراد ومصالحهم الشخصية، وبتلك النظرة يبقى الإنسان في الرأسمالية يشعر بالخطر، وأنه في صراع مستمر سلاحه الوحيد فيه هو قوته الخاصة، وتحقيق مصلحته فقط هو هدفه. كما أن النزعة المادية التي قامت عليها الرأسمالية كانت سبباً في تخلي الإنسان فيها عن الأخلاق، وذلك لأن مصلحته الشخصية هي الهدف الأسمى والأعلى الذي يسعى إلى تحقيقه بأي وسيلة وإن كانت غير أخلاقية.[١٢]

المراجع

  1. “تعريف و معنى الإنسان في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف.
  2. “human”, www.en.oxforddictionaries.com, Retrieved 2018-4-9. Edited.
  3. “human”, www.dictionary.cambridge.org, Retrieved 2018-4-9. Edited.
  4. علي محمد عبد الله، الإنسان حكمة الروح والجسد: تأويل المعاني والدلالات، صفحة 9. بتصرّف.
  5. “human”, www.en.oxforddictionaries.com, Retrieved 2018-3-2. Edited.
  6. ^ أ ب “Human being”, www.britannica.com,2018-2-2، Retrieved 2018-3-2. Edited.
  7. ^ أ ب ت “الإنسان بوصفه حيوانا!”, www.aljazeera.net,2006-4-18، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-2. بتصرف.
  8. ^ أ ب محمد عطا أبو سمعان، منزلة الإنسان ووجوده في المذاهب الفكرية المعاصرة دراسة نقدية في ضوء الإسلام ، صفحة 68-70. بتصرّف.
  9. محمد عطا أبو سمعان، منزلة الإنسان ووجوده في المذاهب الفكرية المعاصرة دراسة نقدية في ضوء الإسلام، صفحة 75-76. بتصرّف.
  10. محمد عطا أبو سمعان، منزلة الإنسان ووجوده في المذاهب الفكرية المعاصرة دراسة نقدية في ضوء الإسلام ، صفحة 81-85. بتصرّف.
  11. محمد عطا أبو سمعان، منزلة الإنسان ووجوده في المذاهب الفكرية المعاصرة، صفحة 40-41. بتصرّف.
  12. محمد عطا أبو سمعان، منزلة الإنسان ووجوده في المذاهب الفكرية المعاصرة، صفحة 53-54. بتصرّف.