قفا في مغاني الدار نسأل طلولها – الشاعر البحتري
قِفَا في مَغاني الدّارِ نَسألْ طُلُولَها،
عَنِ الأُنَّسِ المَفْقُودِ كانوا حُلولَهَا
مَتى أجمَعَتْ سُعدَى رَحيلاً، فإنّهُ
قَليلٌ لسُعدَى أنْ نُخَشّى رَحيلَهَا
وَلَوْ آذَنَتْنَا بالتَحمَّلُِ، غُدْوَةً،
لَشَيّعَ رَكْبٌ بالدّمُوعِ حُمُولَهَا
شَنِئْتُ الصَّبَا إذْ قيلَ وَجّهنَ نَحْوَها،
وَعادَيْتُ مِنْ بَينِ الرّياحِ قَبُولَهَا
وَلوْ ساعدتْ سُعدى على الحُبّ ذا هوًى
أبتْ قوْلَ وَاشيها، وَعاصَتْ عَذولَهَا
إذا أرْسَلَتْ طَيفاً يُذَكّرُني الجَوَى،
رَدَدْتُ إلَيها، بالنّجاحِ، رَسُولَهَا
أجِدَّ الغَوَاني مَا تَزَالُ مُجِدّةً
تَبَارِيحَ شَجْوٍ، ما بَرَدْتُ غَليلَهَا
تَعَلّقْ بأسْبَابِ الوَزِيرِ، وَلا تُبَلْ
أمُبَرَمَها عُلّقْتَهُ أمْ سَحيلَهَا
نَوَاظِرُ مُعْتَلٍّ يُصَرَّفُ لحْظُها،
وَإنْ أغْفَلَ العُوّادُ سَهواً غَليلَهَا
مُضِيءٌ، وَأبْهَى المَشرَفيّاتِ أنْ ترَى
مؤثَّرَها مِنْ جَوْهَرٍ، أوْ صَقيلَهَا
عَظيمُ كَرَاديسِ المَوَاكِبِ، قادِرٌ
على الدّرْعِ أنْ يَغتالَ عَنه فضُولَهَا
إذا قَلّبَ الآرَاءَ ألْغَى خَسيسَهَا،
وَأزْلَفَ مُخْتَاراً إلَيْهِ أصِيلَهَا
إذا أوْطَأ الشُّقْرَ الدّمَاءَ، مُشايِحاً،
أعَادَ إلى تِلكَ الشّياتِ حُجُولَهَا
يُؤمَّلُ جَدْوَاهُ، وَمَرْجُوُّ نَيْلِهِ،
كمَا غَنِيَتْ مِصْرٌ تُؤمِّلُ نِيلَهَا
لُهًى سَوَّدْتْهُ دُونَ قَوْمٍ ،وَلَمْ يَدَعْ
جَوادُ الرِّجالِ أَنْ يَسُودَ بَخِيلَهَا
تُرَاحُ الغَوَادي أنْ تُشَاهِدَ عِنْدَهُ
شَبَائِهَهَا مِنْ سَيْبِهِ، وَشُكُولَهَا
تَقَرّى جُنوبَ الأرْضِ جوداً وَنائلاً،
وَطَبّقَ عَدْلاً حَزْنَها وَسُهولَهَا
وَلَوْ سِيقَتِ الدّنْيَا إلَيْهِ بِأسْرِهَا،
وَلمْ يَتْلُهَا حَمْدٌ لَعَافَ قَبُولَهَا
بَقيتَ، فكأيِنْ جِئتَ بادىءَ نِعْمَةٍ،
يَقِلُّ السّحَابُ أنْ يَجيءَ رَسيلَهَا
وَأعطَيْتَ طُلاّبَ النّوَافِلِ سُؤلَهمْ،
فمِنْ أينَ لا تُعطي القَصَائدَ سُولَها
وَوَلّيتَ عُمّالَ السّوَادِ، فَوَلّني
قَرَارَةَ بَيْتي مُدّةً لَنْ أُطيلَهَا
قَصَرْتُ مَسَافَاتِ المدائِحِ عَامِداً
وَحقُّكَ أَنْ تُعْطى بِجَدْوَاكَ طُولَهَا
حَبسْتُ القَوَافِي عَنْكَ وهْيَ نَوَازِعٌ
تُجَاذِبُ مِنْ شَوقٍ إِليكَ كُبُولَهَا
فَهَا أَنَا إِنْ تُطْلِقَ سَبِيِلي ميَُسَّراً
إِلى بَلَدِي أُطْلِقْ لَديْكَ سَبِيلَهَا
وَمَا شَكَرَ النَّعْمَاءَ مِثْليَ شَاكِرُ
إِذا قَائِلُ الأَقوامِ جَزَى فَعُولَهَا
فَكَيْف َتَرَاني صَانِعاً في كَثِيرِهَا
إِذا كُنْتُ أُجْزَى بالكثِيرِ قَلِيلَهَا