كم سنة نام أهل الكهف
سبب لجوء الفتية للكهف
كان من أبرز ما دفع أصحاب الكهف إلى اللجوء إلى كهفهم أنَّهم كانوا يوحّدون الله -تعالى- ولا يُشركون به شيئاً، في حين كان الحاكم في ذلك الوقت يعبد الأوثان، ولم يلبث أن دعاهم إلى عبادة الأوثان؛ فرفضوا دعوته وأصرّوا على التمسّك بعبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له، يقول -تعالى-: (وربطنا عَلى قُلوبِهِم إِذ قاموا فَقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ لَن نَدعُوَ مِن دونِهِ إِلـهًا لَقَد قُلنا إِذًا شَطَطًا)؛[١] فالشرك افتراءٌ على الله -تعالى- وظلمٌ للنفس الإنسانيّة، وما كان من الفتية إلّا أن اعتزلوا مجتمع الشرك ولجؤوا إلى الكهف وناموا فيه مدّة طويلة بأمر الله -تعالى-.[٢]
كم سنة نام أهل الكهف
مدّة نوم أصحاب الكهف تُقدَّر عند أهل الكتاب بثَلاثَمئة سنة شمسيّة، أمَّا عند العرب فهي تزيد تسع سنين قمريّة، قال -تعالى-: (وَلَبِثوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مِائَةٍ سِنينَ وَازدادوا تِسعًا قُلِ اللَّـهُ أَعلَمُ بِما لَبِثوا لَهُ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَبصِر بِهِ وَأَسمِع ما لَهُم مِن دونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشرِكُ في حُكمِهِ أَحَدًا)،[٣] وبهذا تصبح المدّة ثلاثمئة سنة شمسيّة، وثلاثمئة وتسع قمريّة؛[٤] فالفارق بين كل مئة سنة قمرية وبين مثلها شمسيّة ثلاث سنين؛ فتزيد المئة سنة قمريّة ثلاث سنين عن المئة سنة الشمسيّة.[٤]
وعندما انتهت مدّة النوم التي قدَّرها الله -تعالى- لأهل الكهف، استيقظوا و كان التساؤل فيما بينهم كم لبثنا، قال -تعالى-:(وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم)؛[٥] فظنَّ كلٌ منهم أنََّ مدّة نومهم لم تتجاوز اليوم أو بعض اليوم،[٦] وقد كان أهل الكهف قد دخلوا إلى كهفهم في فترة الصباح، وعندما استيقظوا كان الوقت حينها آخر النهار، ولهذا قالوا لبثنا يوماً ولمَّا رأوا أنّ الشمس لا زالت ظاهرة قالوا بعض يوم، أمَّا عن سبب قولهم ربّكم أعلمُ بما لبثتم فيقول ابن عباس -رضي الله عنه- : “هُوَ رَئِيسُهُمْ رَدَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ إِلَى أَشْعَارِهِمْ وَأَظْفَارِهِمْ وَبَشَرَةِ وُجُوهِهِمْ رَأَى فِيهَا آثَارَ التَّغَيُّرِ الشَّدِيدِ فَعَلِمَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي الْأَيَّامِ الطَّوِيلَةِ “.[٧]
وقد كان اكتشاف أهل الكهف للمدّة الحقيقيّة لمكثهم من الآيات الدالّة على قدرة الله -تعالى-؛ فقد كانوا كالنيام ولكن عند النظر إليهم لا يَظنّ الناظر أنَّهم نيام وإنّما يظنّهم مستفيقين، وقد كان كلبهم باسط ذراعيه عند الباب، والشمس تُشرق وتَغرب عليهم، واستمرّوا على ذلك الحال حتّى أذن الله -تعالى- للحياة أن تعود إليهم، وبعد ذلك ألجأهم الجوع إلى إخراج أحدهم إلى السوق متخفيّاً ومعه قطعة من الفضّة، والخوف يملأ قلبه من أن يُكشف أمره فيُقتل هو وأصحابه؛ لأنَّهم آمنوا بالله -تعالى- ورفضوا أن يعبدوا غيره معه، ولم يَعلم هذا الرجل أنَّه قد نام هو وأصحابه ما يزيد عن ثلاثمئة سنة؛ فاكتشف بأنّ العالم قد تغيَّر، ولم يبقى في المدينة شيء على حاله المعهودة لديهم، وعندما أخرج قطعة النقد التي كانت معه؛ ليشتري بها طعاماً تعجَّب البائع من قِدَم العملة النقديّة وسأله عن حاله؛ فأخبره بالخبر، وقد كان أهل المدينة على التوحيد آنذاك، وعندما سمعوا بقصّتهم تبعوا ذاك الرجل إلى أن دخل إلى الكهف وقضى الله -تعالى- بقبض أرواحهم هو وأصحابه.[٨]
وتجادل النّاس في حالهم، ورأى بعضهم أن يبنوا عليهم مسجداً ليصلّوا فيه ويتقرّبوا إلى الله -تعالى-، وهذا حال الضعفاء إذا وجدوا عبداً صالحاً تمسَّحوا به وتقرّبوا منه ظنّاً منهم أن فعلهم هذا يُقرِِّبهم من الله -تعالى-، وقد اختلف الناس في عددهم؛ فمنهم من رأى أنَّهم كانوا ثلاثة ورابعهم كلبهم، ومنهم من رأى أنَّهم خمسة وسادسهم كلبهم، ومنهم من رأى أنَّهم سبعة وثامنهم كلبهم، والحقيقة أنَّ عددهم لا يعلمه إلّا الله -تعالى-؛ فقد قال: (سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَستَفتِ فيهِم مِنهُم أَحَدًا).[٩][٨]
العبرة المستفادة من طول مكث أهل الكهف
تحتوي قصة أصحاب الكهف كما غيرها من قصص القرآن على العديد من الدروس والعبر سواءً في أحداثها الرئيسيّة أو في تفاصيلها الدقيقة، وقد أراد الله -تعالى- من طول مكث أهل الكهف أن يؤكّد على عقيدة البعث بعد الموت، قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[١٠] كما أنَّ هذه المدة من أبرز ما يُستدلّ به على قدرة الله -تعالى-، وقد أراد الله -تعالى- منها إقامة الحجّة على المُنكرين وزيادة إيمان المؤمنين،[١١] وقد ظهرت رعاية الله -تعالى- لأصحاب الكهف في بقاءهم في الكهف لمدّة طويلة دون أن تبلى أجسامهم أو أن يتأثّر الإيمان في قلوبهم توفيقاً منه لأنّهم عباده؛ فكانت هذه النومة من دلائل قدرة الله -تعالى- وعظيم إحسانه للمؤمنين، وفي ذلك دلالة على أنَّ كل ما بالكون يجري وفق ما قدَّر وأراد.[١٢]
المراجع
- ↑ سورة الكهف، آية: 14.
- ↑ محمد ملكاوي (1405هـ – 1985م)، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (الطبعة الأُولى)، السعودية: مكتبة دار الزمان، صفحة 225-226. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 25-26.
- ^ أ ب مححمد طنطاوي (1998)، التفسير الوسيط (الطبعة الاولى)، مصر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 502، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 19.
- ↑ ياسر برهامي، القصص القرآني، مصر: الشبكة الإسلامية، صفحة 5، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ مفاتيح الغيب (1420)، فخر الدين الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 445، جزء 21. بتصرّف.
- ^ أ ب نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي الكويت: موقع الشبكة الإسلامية، صفحة 5، جزء 57. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 22.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 99-100.
- ↑ (1-6-2010)، “البعث بعد الموت في آيات القرآن الكريم”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-7-2020. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن السعدي (1422)، تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن (الطبعة الاولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 288، جزء 1. بتصرّف.