قصة أهل كهف

خلق الله عزّ وجلّ الكون بكل ما فيه، وسخره لخدمة الإنسان، وغمره بالنعم التي لا تعد ولا تحصى، ووعده بجنة عرضها السموات والأرض، وفطره على فطرة سليمة، وجعل الغاية من خلق الإنسان عبادة الله وحده ولا يشرك به شيئاً، وقد أرسل جميع رسله برسالة واحدة وهي التوحيد، وأكرمه بذلك، فجعله عزيزاً، فلا يُذل ولا ينصاع لأمر غيره، ولكن كثيراً من الناس أبوا إلا الضلال، واتباع أهوائهم وشهواتهم، فتركوا عبادة خالقهم، وعبدوا ما لا يضرهم ولا ينفعهم، وما لا يسمع ولا يبصر، فعبدوا البشر والحجر، ولم يكتفوا بعبادتها وحدهم، فأكرهوا الخلق على عبادتها أيضاً، ومن أبى أنزلوا به أشد العذاب؛ فيوم القيامة سيكفرون بعبادتهم، عندها سيتجرعون مرارة ما كسبت أيديهم، ويذوقوا السوء والعذاب الأليم.

ومع ذلك بقي البعض محافظاً على دينه وتوحيده، ولم يجدوا سبيلاً للنجاة من الشرك والمشركين إلا الفرار بعيداً، تاركين وراءهم رغد العيش، وسعادة الحياة الدنيا، والنعيم الفاني، وآثروا عبادة الله وحده، والنعيم الباقي. ومن هؤلاء أشخاص خلّد الله سبحانه وتعالى قصتهم بذكرها في القرآن الكريم، هم “أصحاب الكهف”، فما هي قصتهم؟ هذا ما سنطلعكم عليه في هذا المقال.

قصة أهل الكهف

كان هناك قرية يحكمها ملك ظالم كافر، وضلّ أهلها عن الصراط المستقيم، فعبدوا آلهة مزعومة، واستبسلوا في الدفاع عنها، وآذوا كل من يخالفهم ويكفر بها، ومع ذلك فقد حَفظَ الله دينه رغم أنوفهم، فظهرت ثلة قليلة من الشباب التي وقفت في وجه الطغيان، وأنكرت عليهم كفرهم، وطلبوا منهم إثبات صحة قولهم وزعمهم، ولكن دون فائدة؛ فقرروا الفرار بدينهم والنجاة بأنفسهم، واللجوء إلى مكان آمن يتعبدوا الله فيه، ولحق بهم كلبهم، فألهمهم الله عزّ وجل اللجوء إلى الكهف، حيث سينشر لهم رحمته فيه، ويكون سبباً لنجاتهم.

جلس الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على بابه ليحرسهم، وهنا وقعت آية من آيات الله عزوجل، فقد نام الفتية نوماً عميقاً، وكذلك كلبهم، وغطوّا في سبات عميق، ولكن ليس نوماً طبيعياً، بضع ساعات، بل عدداً من السنين، فقد لبثوا في الكهف نائمين ثلاثمئة عام، وازدادوا تسعة، وفي هذه الأثناء تولى الله عزّ وجل أمرهم أيضاً، فقد كانت تشرق الشمس وتغيب، دون أن تصيبهم أشعتها أو تضر بهم، ومن رحمته أن جعل أجسادهم تتقلب باستمرار، كي لا تهترئ وتتلف، وبعد انقضاء هذه المدة، استيقظوا من نومهم، وأخذوا يسألون بعضهم البعض كم لبثوا نائمين، فقالوا يوماً أو بعض يوم، ولم يشعروا بطول المدة.

أحس الفتية بالجوع، فاختاروا واحداً منهم ليذهب إلى المدينة لإحضار الطعام، وأوصوه بالحذر الشديد، والتخفي قدر الإمكان، فلما ذهب فوجئ بما رآه، فالمدينة قد تغيرت، وكذلك الناس واللباس، فقد أهلك الله من سبق، وأبدلهم بأناس مؤمنين، وحاكم صالح، فاشترى الطعام من أحد الباعة، ودفع إليه بالنقود، فتعجب البائع من لباسه الغريب، ومن شكل النقود، فهي ليست نقودهم، فذهب به إلى السلطان.

كشف الله عزّ وجلّ للناس أمرهم وقصتهم، وجعلها آية دالة على وجوده، وقدرته على البعث، وإحياء الموتى، ففرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين، فقرر الملك والناس الذهاب معه لرؤية الكهف وبقية الفتية، ولكن حكمة الله اقتضت أن أمات الفتية جميعهم في تلك اللحظة، فاختلف الناس في أمرهم وماذا يصنعون بهم، فاستقر الأمر على أن يبنوا فوقهم مسجداً، تكريماً لهم.