وسائل الضبط الإداري

تعريف الضبط الإداريّ

كلمة الضَّبط في اللُّغة العربيّة لها عِدَّة معانٍ؛ فهي تعني: دقَّة التحديد، حيث يُقال: ضَبَط الأمر؛ أي حدَّده على وجه الدقَّة، وتعني أيضاً: وقوع العينَين، ثمّ إلقاء اليدَين على شخص كان خافياً، ويتمّ البحث عنه؛ فيُقال: ضَبَط شيئاً ما؛ أي وجده، وعَثَر عليه، كما أنّها تعني: التدوين الكتابيّ لأحداث، ومعلومات مهمّة تمّ رَصْدها، ومُشاهدتها؛ خوفاً من نسيانها، أو تحريفها، ويُقال: ضَبَط الواقعة؛ أي حرَّرها، ودوَّنها في المَحضر، والضبط هو: انصياع الأمور، وخضوعها للقانون الحاكم لها بعد أن كانت خارج السيطرة، أمّا الضبط اصطلاحاً، فهو يعني من الناحية الشكليّة: السُّلطة التنفيذيّة بما تحتويه من جهات إداريّة، وموارد بشريّة، أمّا من الناحية الوظيفيّة، فهو يدلُّ على: النشاط الذي تختصُّ بمُمارسته الجهات الإداريّة؛ في سبيل حماية النظام العامّ، والمُحافظة عليه.[١]

ويُمكن تعريف الضبط الإداريّ على أنَّه: السُّلطة الإداريّة التي تمنع الاضطرابات المُحتمَلة من خلال أساليب قانونيّة، ومادِّية تشتمل على التهديد باستعمال القُوَّة العامّة، أو الاستعمال المُباشر لهذه القُوَّة، كما أنَّه يُمثِّل مجموعة الإجراءات، والأنشطة ،والقرارات، والأوامر التي تتَّخذها الإدارة، والهيئات المعنيّة؛ في سبيل المُحافظة على النظام العامّ في المُجتمع، ويُمكن تعريف الضبط الإداريّ أيضاً على أنَّه: مجموعة القواعد التنظيميّة التي تتَّخذها السُّلطة العامّة، وتفرضها على أفراد المُجتمع، ومُؤسَّساته؛ بهدف تنظيم النشاط الفرديّ، وصَوْن الحُرِّيات العامّة، ممّا يُؤدّي إلى الوصول إلى تحقيق الصالح العامّ.[١]

وسائل الضبط الإداريّ

هناك العديد من الوسائل التي تتَّبعها سُلطات الضبط الإداريّ؛ في سبيل الوصول إلى حماية النظام العامّ، وتحقيق أهدافه، وتنقسم هذه الوسائل بشكلٍ رئيسيّ إلى وسائل قانونيّة، وأخرى مادِّية، وفيما يأتي شرحٌ لكلِّ نوعٍ منها:[٢]

الوسائل القانونيّة

وهي القرارات المُتعلِّقة بالضبط الإداريّ، وهي على عِدَّة أنواع كما يأتي:[٢]

  • القرارات التنظيميّة (لوائح الضبط الإداريّ): وهي مجموعة من القرارات، واللوائح الصادرة عن السُّلطة التنفيذيّة، حيث تهدف هذه القرارات إلى حماية النظام العامّ بمختلف عناصره، من خلال وَضْع قواعد عامّة، ومُجرَّدة؛ لضبط النشاطات الخاصَّة، والحقوق، والحرِّيات التي يعجز القانون عن ضبطها ضَبطاً مُفصَّلاً، وهي بذلك تكون مُستقِّلة عن القانون العامّ للدولة، وتَحكُم هذه اللوائح مجموعة من الشروط الأساسيّة، مثل: عدم مُخالفتها للقواعد القانونيّة، وأن يتمّ سَنُّها، وإصدارها على شكل قواعد عامّة، ومُجرَّدة، وليس لحالة فرديّة بذاتها، كما أنَّها يجب أن تُحقِّق في تطبيقها العدل، ومبدأ المساواة بين الأفراد، ومن الجدير ذكره أنَّ هذه اللوائح تختلف في مضمونها وِفق القيد المفروض على الحُرِّيات، والحقوق، ومن أهمّ هذه المضامين:[٢]
    • اللوائح المُخصَّصة لفرض الإلزام بإجراء مُعيَّن خلال مُمارسة النشاط، مثل: إلزام الوحدات الصناعيّة باتّخاذ كافَّة التدابير؛ للحدِّ من استخدام الموادّ التي تُؤثِّر في طبقة الأوزون.
    • اللوائح المُخصَّصة لفرض المنع، أو الحظر على أداء نشاط مُعيَّن، مثل: إصدار قرار تنظيميّ من رئيس البلديّة يقضي بمَنْع دخول الشاحنات التي تتجاوز وزناً مُعيّناً إلى شوارع البلديّة وِفق فترة زمنيّة مُعيَّنة.
    • اللوائح المُتعلِّقة بفرض الحصول على إذنٍ؛ لمُمارسة نشاط مُعيَّن، مثل: فرض رُخصة الصَّيْد، أو رُخصة القيادة.
    • اللوائح الخاصَّة بإخطار سُلطة الضبط؛ لتُؤدّي واجبها المُتمثِّل بالمُحافظة على النظام العامّ، مثل: التصريح باستغلال المُنشآت المُصنَّفة ضمن الفئة الرابعة.
  • القرارات الفرديّة: وهي قرارات تُصدرها سُلطات الضبط الإداريّ، وتخصُّ فرداً مُعيّناً، أو مجموعة أفراد، أو حالة مُحدَّدة؛ بهدف الحفاظ على النظام العامّ في الدولة، وتشتمل هذه القرارات على عِدَّة أمور، ومن أهمّها:[٢]
    • توجيه أمر بأداء عمل ما، أو النهي عن الإتيان به، مثل: مَنْع التظاهرات، والتجمُّعات، وإصدار أمر بهدم مبنى مُعرَّض للانهيار، والأمر بمَنْع عرض فيلم، أو برنامج ما.
    • السماح بمُمارسة نشاط مُعيَّن، ومَنْح رُخصة بشأنه، شريطة أن يُمارَس النشاط وِفق ضوابط، وشُروط مُحدَّدة، مثل: مَنْح ترخيص باقتناء سلاح ناريّ، أو رُخصة بشأن تنفيذ مشروع ما، أو إقامة شخص أجنبيّ في الدولة.
    • تطبيق عُقوبة ما، أو توجيه بشأن فعلٍ ما.
  • الجزاءات الإداريّة: وهي التدابير الوقائيّة، والمُؤقَّتة التي يتمّ إصدارها من قِبل سُلطات الضبط الإداريّ؛ بهدف حماية النظام العامّ، ويكون ذلك من خلال إخضاع الأفراد لحُكم القواعد القانونيّة، وهي تختلف عن الجزاءات العقابيّة في أنَّها لا تخضع للضمانات الإجرائيّة، مثل: الوجاهة، والدفاع، كما أنَّها مُؤقَّتة، وغير نهائيّة، وهي تُوجَد على صورتَين:[٢]
    • الجزاءات الماليّة: وهي التي تشتمل على مصادر قيِّمة ماليّة، أو مادِّية، مثل: مُصادرة الموادّ المُخدِّرة.
    • الجزاءات غير الماليّة: مثل: سَحْب رُخصة قيادة، أو رُخصة مبنى، أو توقيف نشاط ما، أو مَنْع نَشْر جريدة ما لفترة مُؤقَّتة.

الوسائل المادِّية

وهي مجموعة من الأعمال المادِّية التي تُؤدّيها سُلطات الضبط الإداريّ؛ بهدف حماية النظام العامّ، وتحقيق أهداف الضبط الإداريّ الخاصّ، وتتمثَّل هذه الوسائل بتنفيذ الأوامر، والقوانين بالقُوَّة الجبريّة، ودون الحاجة إلى وجود ترخيص قانونيّ، أو إذن من الجهة القضائيّة، وذلك مع ضرورة وجود نصٍّ قانونيّ يُتيح ذلك في الحالات الضروريّة، والاستثنائيّة، ويتمّ اللجوء إليها في حالة عدم مُطاوعة الأفراد للقرارات التنظيميّة، أو الفرديّة التي تُصدرها سُلطات الضبط الإداريّ، ومن الجدير بالذكر أنَّ الجهة الإداريّة هي من تتحمَّل كافَّة المسؤوليّات عن استخدامها لأسلوب التدخُّل الإجباريّ؛ لذلك يتوجَّب تحرِّي الدقَّة المُتناهية، والالتزام بالشروط الموضوعة لهذا الأسلوب، ومن أهمّ هذه الشروط:[٢]

  • التدخُّل الإجباريّ في الحالات الضروريّة فقط، مثل: وجود خطر كبير يُهدِّد أمن النظام العامّ.
  • التدخُّل الإجباريّ في الحالات التي يتعذَّر فيها دَفْع الخطر المُهدِّد بالوسائل القانونيّة العاديّة، والسبيل الوحيد لردع هذا الخطر هو التدخُّل الإجباريّ.
  • الهدف الأساسيّ من التدخُّل الإجباريّ هو حماية النظام العامّ، وتحقيق مصالحه.
  • التدخُّل الإجباريّ في سبيل دَفْع الخطر فقط، ودون الحاجة إلى التضحية بمصلحة الأفراد؛ من أجل الصالح العامّ، وذلك بمُراعاة الضرورة، والحاجة.
  • التدخُّل الإجباريّ من قِبل الأطراف المعنيّة فقط، وتنفيذه من قِبل مُوظَّف ذي اختصاص بالموضوع.

أهداف الضبط الإداريّ

تسعى سُلطات الضبط الإداريّ إلى تحقيق جُملة من الأهداف الأساسيّة، منها التقليديّة، ومنها الحديثة، والمُواكبة؛ للتطوُّر، ومن أهمّ هذه الأهداف:

  • الأهداف التقليديّة، وهي:[٣]
    • الأمن العامّ: حيث يسعى الضبط الإداريّ إلى تحقيق الأمن، والاطمئنان للمواطن على نفسه، وماله، وعدم شُعوره بالخوف، أو التهديد، وذلك من خلال تجنُّب وقوع الحوادث التي تضرُّ بالأفراد، أو الأموال، مثل: انهيار المباني، أو المُظاهرات، أو الزلازل.
    • الصحَّة العامّة: يسعى الضبط الإداريّ إلى المُحافظة على صحَّة الأفراد، وحمايتهم من الأوبئة، والأمراض، وذلك من خلال إجراء التطعيم؛ للحماية من الأمراض المُعدِية، وتوفير مصادر المياه الصالحة للشُّرب، والتأكُّد من صلاحيّة الموادّ الغذائيّة، وغيرها من الإجراءات التي تضمن حماية صحَّة الأفراد.
    • السكينة العامّة: أي تحقيق الهدوء في الشوارع، والأماكن العامّة، ومَنْع الإزعاج، والضوضاء، والفوضى، بالإضافة إلى مَنْع استخدام الوسائل المُقلِقة لراحة الأفراد.
  • الأهداف الحديثة، وهي:
    • المحافظة على الأخلاق، والآداب العامّة: حيث يَهدف الضبط الإداريّ إلى حماية القِيَم، والمبادئ الأخلاقيّة التي يحترمها أفراد المُجتمع، وذلك من خلال مَنْع النشاطات، والمُمارسات التي تضرُّ بأخلاق الشباب، مثل: مَنْع بعض حفلات الرقص، واللهو.
    • حماية النظام العامّ الجماليّ: حيث تسعى سُلطات الضبط الإداريّ إلى المحافظة على جمال، ورونق الدولة، وضمان سُهولة السَّير في الطُّرُق، والساحات، وذلك من خلال مَنْع أيِّ إجراء، أو نشاط من شأنه المساس بالبيئة الطبيعيّة، والعامّة لمرافق المدينة، مثل: تَرْك موادّ البناء في الطُّرُق، ورَمْي المُخلَّفات، والنفايات.
    • حماية النظام العامّ السياسيّ، والاقتصاديّ: تسعى سُلطات الضبط الإداريّ إلى تنظيم العلاقات الاقتصاديّة، والجوانب الاجتماعيّة، وذلك من خلال تقييد الأنشطة الاقتصاديّة الفرديّة، وحماية المَرافِق الاقتصاديّة، وتوفير الموادّ الغذائيّة، كما يَهدف الضبط الإداريّ إلى تنظيم أعمال السُّلطة السياسيّة، ويكون ذلك من خلال مَنْحها صلاحيّة تُتيح لها تحقيق غاياتها السياسيّة.

المراجع

  1. ^ أ ب سليماني هندون، سلطات الضبط في الإدارة الجزائرية، صفحة 15-20. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح د.خرشي إلهام، الضبط الإداري، صفحة 67-79. بتصرّف.
  3. لوصيف خولة..السلطات والضوابط، الضبط الإداري، صفحة 14-19. بتصرّف.