مظاهر الحياة العقلية للعرب في الجاهلية

العرب في الجاهلية

لم يشتغل أهل جزيرة العرب بالزراعة؛ لأنَّ أراضيها صحراويّة وقليلة المياه، ولأنّ الإنسان صنيعة الإقليم فقد نشأ العرب على ما تتطلّبه بلادهم من ترحال؛ طلباً للغذاء وقوت يومهم، فغلب عليهم طابع البداوة على الحضارة، حتّى انصرف كثير منهم إلى تربية الماشية، وتعدّى بعضهم على احتياجات البعض الآخر، فنشأ بينهم التنازع والخلافات، التي أدَّت إلى الغزو، وانتقال البعض من خيامهم إلى خيام بديلة في مناطق أخرى، بينما تميّزت الحياة العقليّة للعرب في العصر الجاهلي بعدّة مظاهر، أهمّها ما يأتي :

مظاهر الحياة العقلية للعرب في الجاهلية

النثر

كان العرب مضرب المثل في بلاغة القول وفصاحة اللسان، فقالوا النثر المبدع على الرغم من عدم وصوله إلينا، إلا قليلاً منه؛ لأنّ الأمّية الشائعة في الجزيرة العربيّة في ذلك الوقت، حالت دون كتابة النصوص حينها، وما وصل إلينا من النثر الجاهلي ينحصر بالخطب والوصايا والأمثال.

فالخطبة كانت ذات شأن هام لدى الجاهليّين؛ لأنّ دواعي الحروب والمصالحة والمصاهرة كانت تحتاج إلى خطباء يتكلّمون فيعبّرون عمّا في نفوسهم، لذلك حرصت كلّ قبيلة من القبائل أن يكون لها خطيب يتكلّم بلسانها، حتّى يذيع محاسنها ومواقفها المشهورة بين القبائل، وأمَّا الأمثال فإنّها كانت تجري على ألسنة الناس جميعاً، ولا تختصّ بها طبقة دون أخرى، ولذلك ورد إلينا كثير من الأمثال الجاهليّة التي تميّزت بإيجاز اللفظ، وجمال العبارة، وتصوير البيئة تصويراً دقيقاً.

الشعر

الشعر عند العرب هو الكلام المقفّى الموزون، والتصوّرات الشعريّة كانت فطريّة عند العرب، فكانوا يصوغون الشعر بعبارات قصيرة سهلة الحفظ والتناقل آنذاك، وظلّوا دهراً طويلاً يقول شاعرهم من الرجز بيتين أو ثلاثة إذا بلغت فيه ذروة الشعر، للمفاخرة أو المشاتمة أو المنافرة، وكانوا كلّما نبغ فيهم نابغة أدخل في النظم تحسيناً، حيث يُقال إنّ المهلهلَ أوّل من قصد القصائد، وامرأ القيس أوّل من أطالها، وتفنّن في نظمها.

كما ذكروا أنّ أبا تمّام صاحب كتاب الحماسة، كان يحفظ من أشعار العرب حوالي 14 ألف أرجوزة، غير القصائد والمقاطيع، وكان حمّاد الراوية يحفظ 27 ألف قصيدة على كلّ حرف من حروف الهجاء ألف قصيدة، وكان الأصمعي يحفظ 16 ألف أرجوزة، وكان أبو ضمضم يروي أشعاراً لحوالي مئة شاعر كلّ منهم اسمه عمرو.

المظاهر الأخرى

كما احتاج العرب الجاهليّون إلى مطاردة أعدائهم؛ لاستنباط الأدّلة التي تكشف عن مخابئهم، ولجؤوا إلى توقيت حدوث الجو من المطر والأعاصير ونحوها، حتّى اعتنوا بالتنبّؤ بحدوث الأمطار، وهبوب الرياح قبل حدوثها، ودعاهم الغزو إلى العصبيّة لتأليف الأجزاء فعمدوا إلى الأنساب يترابطون بينها، وأقاموا في بوادي حتّى صفت أذهانهم وعقولهم، فاعتنوا بإلقاء الشعر بهدف وصف وقائعهم، وبيان أنسابهم، والتعبير عن عواطفهم، ومما لا شكَّ فيه أنّ ملكة البلاغة تطوّرت لدى العرب، ولولاها ما ألّفوا الكتب؛ لأنّهم كانوا أمّيين لا يقرؤون ولا يكتبون.