دموع عليها السكب ضربة لازم – الشاعر البحتري
دُموعٌ عَلَيها السّكبُ ضرْبَةُ لازِمِ،
تُجَدّدُ مِنْ عَهدِ الهَوَى المُتَقادِمِ
وَقَفْنَا، فحَيّيْنَا، لأهْلِكِ باللّوَى،
رُبُوعَ دِيَارٍ دارِسَاتِ المَعَالِمِ
ذَكَرْنا الهَوَى العُذرِيّ فيها فأُنسيَتْ،
عَزَاها مَشوقاتُ القُلُوبِ الهَوَائِمِ
خَلَعْنَا بِهَا عُذْرَ الدّموعِ، فأقبلتْ
تَلُومُ، وَتَلْحي كلّ لاحٍ وَلائِمِ
أأنْتِ دِيَارُ الحَيّ أيّتُهَا الرُّبَى الـ
ـأنيقَةُ، أمْ دارُ المَهَا وَالنّعَائِمِ
وَسِرْبُ ظِباءِ الوَحشِ هذا الذي أرَى
أمامكِ، أمْ سرْبُ الظّبَاءِ النّوَاعِمِ
وَأدْمُعُنَا اللاّتي عَفَاكِ انْسِجامُها،
وَأبْلاكِ، أمْ صَوْبُ الغُيوثِ السّوَاجِمِ
وَأيّامُنَا فيكِ اللّوَاتي تَصَرّمَتْ
مَعَ الوَصْلِ، أمْ أضْغاثُ أحلامِ نائمِ
لَقَدْ حكَمَ البَينُ المُشَتِّتُ بالبِلَى
علَيكِ، وَصرْفُ البَيْنِ أجوَرُ حاكمِ
لَعَلّ اللّيَالي يَكَتْسِبْنََ بَشاشَةً،
فيَجمَعنَ من شَملِ النّوَى المُتَقاسَمِ
وَوُرْقٍ تَداعَى بالبُكَاءِ بَعَثْنَ لي
كَمينَ أسًى بَينَ الحَشَا وَالحَيازِمِ
وَصَلْتُ بدَمْعي نَوْحَهُنّ، وَإنّما
بكَيتُ لشَجوِي، لا لشَجوِ الحَمائمِ
وَداوِيّةٍ للبُومِ وَالهَامِ، وَسْطَهَا
رَنينُ ثَكَالى أعْوَلَتْ في مَآتِمِ
تَعَسّفتُها، واللّيلُ قد صَبغَ الرُّبَى
بلَوْنٍ منَ الدّيجورِ أسوَدَ فاحِمِ
إلى مَلِكٍ تُرْمَى الكُماةُ إذا ارْتَمَتْ
بأُمّ الرّدَى، مِنْهُ بلَيثٍ ضُبَارِمِ
بأرْوَعَ مِنْ طَيٍّ، كَأنّ قَميصَهُ
يُزَرُّ على الشّيخَينِ: زَيْدٍ وَحَاتِمِ
سَمَاحاً وَبَأساً كالصّوَاعِقِ وَالحَيَا،
إذا اجتَمَعَا في العارِضِ المُتَرَاكِمِ
أغَرُّ، قَمارِيٌّ، يُطَحطَحُ في الوَغَى
بهِ جَبَلُ الجَيشِ الكثيفِ المُصَادِمِ
إذا ما الهَجيرُ اشتَدّ أسْنَدَ نَفْسَهُ
إلى الصّبرِ في وَقْعِ الظُّبَى وَالسّمائِمِ
غَدا ابنُ حُمَيْدٍ يَغْنَمُ الحَمدَ مالُه،
وَيَعلَمُ أنّ الحَمدَ أجدَى المَغانِمِ
مُدَبِّرُ رَأيٍ، لَيسَ يُورِدُ عَزْمَهُ،
فيَقرَعَ، في إصْدارِهِ، سنَّ نَادِمِ
أدِلاّؤهُ في الخَطبِ إنْ كانَ مُشكِلاً
بَديهاتُ عَزْمٍ كالنّجومِ العَوَاتِمِ
يُلاقَى بهِ الخَطْبُ الجَليلُ، فيَنثَني
لمُتّقِدِ الآرَاءِ، مَاضِي العَزَائِمِ
حَليفُ نَدًى، يأوِي إلى بَيت سُؤدَد
رَفيعِ الذُّرَى وَالسَّمكِ عالي الدّعائمِ
وَما اشتَدّ خَطبُ الدّهرِ، إلا ألانََهُ
حُمَيدُ بني عَبدِ الحُمَيدِ الأكارِمِ
قَوَاعِدُ هذا البَيتِ عَن مَجدِ طَيِّءٍ،
وإِنْ كَانَ هذا البَيتِ مِنْ مُلكِ هاشِمِ
أُسُودٌ يَفِرُّ المَوْتُ مِنْهُمْ مَهَابَةً،
إذا فَرّ مِنْهُ كلُّ أرْوَعَ صَارِمِ
مَصَارِعُهم حوْلَ العُلاَ، وَقبورُهُمْ
مَجامعُ أوْصَالِ النّسورِ الحَوَائِمِ
أبا مُسْلِمٍ، إنْ كانَ عِرْضُكَ سالماً،
فَمَالُكَ مِنْ جَدْواكَ لَيسَ بسالِمِ
إذا ارْتَدّ يَوْمُ الحَرْبِ لَيلاً رَدَدْتَه
نَهَاراً، بلألاءِ السّيوفِ الصّوَارِمِ
وَإن غلَتِ الأرْوَاحُ أرْخَصْتَ سَوْمَها
هُنالكَ في سُوقٍ، من المَوْتِ، قَائِمِ
بضَرْبٍ يَشيدُ المَجدَ في كلّ مَوْقفٍ،
وَيُسرِعُ في هَدْمِ الطُّلَى وَالجَماجمِ
فتَصرِفُ وَجْهَ البِيضِ أَبْيَضَ مُشرِقاً
بوَجهٍ، مِنَ الهَيجاءِ، أَغْبَرََ قاتِمِ
أمَا وَالذي باهى بكَ الغَيثَ ما اصْطُفي
فَعالُكَ، إلاّ للعُلاَ وَالمَكَارِمِ