بمثل لقائها شفي الغليل – الشاعر البحتري
بِمِثْلِ لِقَائِهَا شُفيَ الغَليلُ،
غَداةَ تَزَايَلَتْ تِلْكَ الحُمُولُ
بَعيدَةُ مَطلَبٍ، وَجَمادُ نَيلٍ،
فَها هيَ ما تُنالُ، وَلاَ تُنِيلُ
إذا خَطَرَتْ تَأرّجَ جَانِبَاهَا،
كما خطرَتْ على الرّوْضِ القَبولُ
وَيَحسُنُ دَلُّها، وَالمَوْتُ فيهِ،
وَقد يُستَحْسَنُ السّيفُ الصّقيلُ
وَقَفْنَا، وَالعُيُونُ مُشَغَّلاتٌ،
يُغَالِبُ دَمْعَها نَظَرٌ كَليلُ
نَهَتْهُ رِقْبَةُ الوَاشِينَ، حَتّى
تَعَلّقَ لا يَغِيضُ، وَلاَ يَسيلُ
غَدَتْ قُضْبانُ أسْحِلَةٍ عَلَيْها،
لفَرْطِ الجَدلِ، أوْشحةً تجولُ
يُقَوِّمُ مِنْ تَثَنّيها اعْتِدالٌ،
يَكادُ يُقالُ من هَيَفٍ: نُحولُ
مَشَينَ على خَمَائلِ ذي طَلُوحٍ،
وَقد ضَاقَتْ بما فيها الحُجُولُ
أقُولُ أزِيدَ مِنْ سَقَمٍ فُؤَادِي،
وَهَلْ يَزْدَادُ منْ قَتلٍ قَتيلُ
وَلَيْسَ يَصِحُّ للمَخْبُولِ قلبٌ
يُعِلُّ خَبَالَهُ اللَّحْظُ العَليلُ
تَنَاسَى عَهْدَهُ سَكَنٌ خَليٌّ،
وَنَاءَ بوِدّهِ خِلٌّ مَلُولُ
فَما دَامَ الحَبيبُ عَلى وِصَالٍ،
وَلاَ أدّى أمَانَتَهُ الخَليلُ
أذُمُّ إلَيْكَ مَنْ أحْمَدتُ، إنْ لمْ
يَكُنْ عَدَدٌ بحَيثُ هُمُ قَلِيلُ
لَنَا في كلّ دَهْرٍ أصْدِقاءٌ
تَعُودُ عِدًى، وَحالاتٌ تحولُ
وَقَدْ تَعفُو الظّنُونُ بمنْ يُرَجّى،
فتُخْلَفُ مثلَ ما تَعفُو الطّلولُ
وَمَا فُقِدَ الجَميلُ لقُرْبِ عَهْدٍ،
فَنَسألَ عَنهُ، بل نُسِيَ الجَميلُ
وَيَلْؤمُ سائِلُ البُخَلاءِ حِرْصاً
وإشْفَاقاً، كَمَا لَؤمَ البَخيلُ
بَنَاتُ العِيدِ تَعتَادُ الفَيَافي،
إذا شِئْنَا استَمَرّ بهَا الذّميلُ
وما طرفا زمَانِ المرْءِ إلاّ
مقامٌ يرتضيهِ أو رحيلُ
لقد ضَمِنَ العلاءَ بَديءُ جُودٍ،
نِجَارُ أبي العَلاءِ بِهِ كَفيلُ
يَلَذُّ الأرْيَحيّةَ للعَطايا،
كما لَذّتْ لشارِبِها الشَّمُولُ
لَهُ مِنْ مَخْلَدٍ وَبَني أبيهِ
شَمائلُ ما تخيبُ وَما تُخيلُ
أُنَاسٌ بَيتُ سُؤدَدِهمْ مطافُ الـ
ـمَعالي، وَاسْمُ نائِلهمْ جَزِيلُ
إذا ذُكِرُوا بِشُهرَةِ يوْمِ فَخرٍ،
تَنَاسَبَتِ النَّبَاهةُ وَالخُمُولُ
لَئِنْ مَدّوا إلى الَعلْيا أكُفّاً،
لَهُنّ على أكُفّ النّاسِ طُولُ
فإنّهُمُ، وَإنّا، حيثَُ نَغْدُو،
وإنْ كانَتْ تُدَبّرُنا العُقُولُ
نُيَسِّرُ للّتي تَمْني المَوَاني،
وَنَذهَبُ حَيثُ تُرْسلُنا الأصُولُ
أبا عيسَى، وَأنْتَ المَرْءُ تَعْلُو
لَهُ النّفْسُ الشّرِيفَةُ وَالقَبيلُ
وَفَرْتُكَ لا هوًى بِكَ في وُفُورٍ
إذا ما حانَ منْ حَقٍّ نُزُولُ
وَلكنْ جاهُ ذي خَطَرٍ شَرِيفٍ،
أرَاهُ وَهْوَ، من جودٍ، بَدِيلُ
إذا ما القَوْلُ عادَ لَنَا بِطَوْلٍ،
فَفَيضٌ مِن فَعالِكَ ما تَقُولُ