يا مغاني الأحباب صرت رسوما – الشاعر البحتري
يَا مَغَاني الأحْبَابِ صرْتِ رُسُومَا،
وَغَدَا الدّهْرُ فيكِ عِندي مَلُومَا
ألِفَ البُؤسُ عَرْصَتَيكِ، وَقد كُنْـ
ـتِ لَنَا قَبْلُ روْضَةً، وَنَعيما
رَحَلَ الظّاعِنُونَ عَنكِ، وأَبْقَوَا
في حَوَاشِي الأحْشاءِ حُزْناً مُقِيما
أينَ تِلْكَ الظّبَاءُ أَصْبَحْنَ في الحُسْـ
ـنِ بُدوراً، وَفي البِعَادِ نجُومَا
قَدْ وَجَدْنَ السّلُوّ بَرْداً سَلاماً،
إِذْ وَجَدْنا الهَوى عَذاباً ألِيمَا
يا أبَا الفَضْلِ، والذي وَرِثَ الفَضْـ
ـلَ عَنِ الفَضْلِ حادِثاً، وَقَدِيمَا
قد لَعمرِي أعدتْ شَمَائِلُكَ الدّهْـ
ـرَ، فأضْحَى مِنْ بَعْدِ لُؤمٍ كَرِيمَا
لكَ مِنْ ذي الرّئاسَتَيْنِ خِلالٌ
مُعطَياتٌ في المَجْدِ حظّاً جَسيما
جُمَّلٌ فيكَ، لَوْ قُسِمْنَ على النّا
سِ لَمَا أصْبَحَ اللّئيمُ لَئِيمَا
شِيَمٌ غَضّةٌ، تَرُوحُ، وَتَغْدُو
أرَجاً في هُبُوبِها، وَنَسِيما
قد تعالَتْ بكَ المآثِرُ حتى
قد حَسِبْناكَ للسّماكِ نَديماً
كُلَّ يَوْمٍ آمَالُنَا فيكَ لِلأمْـ
ـرِ الرّئَاسيّ تَقتْضِيكَ النّجُومَا
آلَ سَهْلٍ! أنْتُمْ غُيوثُ بني سا
سانَ جُوداً، ونَجْدَةً، وَحُلُوما
أيُّ فَضْلٍ، وأيُّ بَذْلٍ وَجُودٍ،
لَمْ يُحالِفْ ذا الجُودِ إبْرَاهِيمَا
كِسْرَوِيٌّ تَلقاهُ في الحَرْبِ لَيْثاً
قَسْوَرِيّاً، وفي النّدِيّ حَكِيمَا
واضِحُ الوَجْهِ والفَعالِ، إذا ما
كَانََ وجْهُ الزّمَانِ جَهْاً بَهيما
هِبرِزِيٌّ، قَدْ نَالَ منْ كُلِّ فَنٍّ،
من فنونَ الآدابِ، حظّاً عَظيمَا
وَرَقيقُ الألْفاظِ يَرْصَفُ في الأسْـ
ـماعِ دُرّاً، وَلُؤلُؤاً مَنْظُوما
أتْعَبَتْهُ العُلاَ، فأبْقَتْ نُدُوباً
مُتْعِبَاتٍ بجِسْمِهِ، وَكُلُومَا
فَتَرَاهُ في حَالَةٍ مَحْسُوداً،
وَتَرَاهُ في حَالَةٍ مَرْحُومَا
كُلَّ يَوْمٍ يُفيدُهُ البَذْلُ والجُو
دُ متى كانَ ظاعِناً، أو مُقِيمَا
حَمْدَ عَافٍ، وَذَمَّ لاحٍ، فيَغدو
في جَزِيلِ اللُّهَى حَميداً ذَمِيما