هم ألى رائحون أو غادونا – الشاعر البحتري

هُمُ أُلَى رائِحُونَ، أو غَادُونَا
عن فرَاقٍ، تُُمسُونَ، أوْ مُصْبِحُونَا
فَعَلى العِيسِ في البُرَى تَتَبارَى
عَبرَةٌ أمْ عَلى المَهَا في البُرِينا
ما أرَى البَينَ مُخلِياً، مِنْ وَداعٍ،
أنْفُسَ العاشقينَ، حتّى تَبِينَا
مِنْ وَرَاءِ السُّجُوف-ِ كُثبانُ رَمْلٍ،
تَتَثَنّى أفْنَانُهُنّ فُنُونَا
وَبِوِدّ القُلُوبِ، يَوْمَ استَقَلّتْ
ظُعُنُ الحَيّ، لَوْ تكونُ عُيُونا
مَنزِلٌ هَاجَ لِي الصّبَابَةَ، والشَّـ
ــيْبُ قَرِيني فيهِ، فَسَاءَ قَرِينَا
يَوْمَ كانَ المُقَامُ في الدّارِ شَكّاً
يَبعَثُ الحُزْنَ، والرّحِيلُ يَقينَا
إنّ تِلكَ الطّلُولَ مِنْ وَهَبينَا
أحزَنَتْ خَالِياً، وَزَادَتْ حَزِينَا
فاترُكَاني، فَما أُطيعُ عَذُولاً،
واخذُلاني، فَما أُرِيدُ مُعِينا
شَرَفاً، يا رَبيعَةُ بنُ نِزَارٍ،
خَصّ قَوْماً، وَعَمَّكُمْ أجمَعِينَا
غَدَرَ النّاسُ أوّلاً وأخِيراً،
وَكَرْمْتُمُ، فَكُنْتُمْ الوَافِينَا
ما نَقَضْتُمْ عَهداً، وَلاَ خُنْتُمْ غَيْـ
ـباً، وَحَاشَا لمَجدِكُمْ أن يَخُونَا
نحنُ في خِلّةِ الصّفَاءِ، وأنتُمْ
كاليَدَينِ اصْطَفَتْ شِمَالٌ يَمِينا
ضَمّنَا الحِلْفُ، فاتّصَلْنَا دِياراً
في المَقَامَاتِ، والتَفَفْنَا غُصُونَا
لمْ تُقَلَّبْ قُلُوبُنَا يَومَ هَيْجَا
ءَ، وَلَيْستْ أيدي سَبَا أيْدِينَا
وأبيكُمْ لَقَدْ نَهَضْتُمْ عَبَاديـ
ـدَ بِنُعْمَى مُحَمّدٍ، وَثُبِينَا
وَلَئِنْ أحْسَنَ ابنُ يُوسُفَ لله
يَرَاكُمْ، في حُبِّهِ، مُحسِنِينَا
قَد شَكَرْتُمْ نُعماهُ بالأمسِ حتّى
لعُدِدْتُمْ، بشُكْرِهِ، مُنعِمِينَا
وإذا ما مَوَاهبُ العُرْفِ لمْ تُقْـ
ـضَ بِحُرّ الثّنَاءِ، كانتْ دُيُونَا
وأحَقُّ الإحسانِ أنْ يُصرَفَ الحَمْـ
ـدُ إلَيهِ، مَالَمْ يكُنْ مَمْنُونَا
وأمّا لَوْ يَشاءُ يَوْمُ ابنِ عَمْرٍو
لأبَادَ العَمْرَينِ، والزّيْدِينَا
سَارَ يَستَرْشِدُ النّجُومَ إلَيِهِمْ،
في سَوَادِ الظّلماءِ، حتّى طُفينا
مَارِقاً منْ جَوَانِحَ اللّيلِ يَبغي
عُصْبَةً، من حُماتهم، مَارِقِينَا
أذْكَرَتْهُمْ سِيمَاهُ سيما عَليٍّ،
إذْ غَدا أصْلَعاً عَلَيْهِمْ بَطِينَا
آثَرَ العَفْوَ عَالِماً أنّ لله
تَعَالَى عَفْواً عَنِ العَافِينَا
زِدْهُمُ، يا أبَا سَعيدٍ، فَما السُّؤْ
دُدُ إلاّ زِيَادَةُ الشّاكِرِينَا
تِلْكَ ساعَاتَهُمْ مَعَ ابنِ حَمِيدٍ
طَالَ مِقْدَارُها، فعُدّتْ سِنِينا
عَاقَرُوا المَوْتَ في جِفَافي ِ رِكَابَيْـ
ـهِ، وَقد نازَلُوا الأُلوفَ مِئِينَا
يَرْجُفُ الحِلفُ في صُدُورِ قَنَاهُمْ،
وَتَحِنُّ الأرْحَامُ فيهِمْ حَنِينا
أو َلَمْ تُنْبِهِمْ، بساحَةِ سِنجا
رَ، إلى آمِدٍ، إلى مَاردِينَا
ألْسُنٌ تَنشُرُ الثَنَاءَ، وأكْبَا
دٌ تَثَنّى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَلينَا
بَلْ مَتَى العَقْدُ مِنْ لِوَائكَ والرَّقَّةُ
مَعْقُودَةٌ بِقِنَّسْرِينَا
نِعمةٌ، إنْ يَجُدْ بهَا الله يَوْماً،
لا يَجِدْنا لشُكْرِها مُقْرَنِينا
إنْ تَسَلْنَا تُخْبَرْ بخَيرِ أُنَاسٍ،
غَابَ عَنهُمْ مَحمودُ عَدلكَ حينَا
قد ذَمَمْنا مِنْ دَهرِنا ما حَمِدنا،
وَسَخِطْنا مِنْ عَيشِنَا ما رَضِينا
تَكرَهُ العاجزَ الضّعيفَ، إذا جَا
ءَ، وكنتَ القَوِيَّ فينا الأمِينا
ثَبّتَ الله وَطْأةً لكَ، أمْسَتْ
جَبَلاً رَاسِياً على المُشرِكِينا
رُبّما وَقْعَةٌ شَمَلْتَ بهَا الرّو
مَ فَبَاتُوا أذِلّةً، خَاضِعِينَا
قَدْ أمِنّا أنْ يأمَنُوكَ عَلَى حَا
لٍ، وَلَوْ صَيّرُوا النّجُومَ حُصُونَا
فَزّعُوا باسمِكَ الصّبيَّ، فعَادَتْ
حَرَكاتُ البُكاءِ منْهُ سُكُونَا
وَتَوَافَتْ خَيْلاكَ من أرْضِ طَرْسُو
سَ، وَقاليقَلا، بأَرْدَنْدُونَا
عابِساتٍ، يَحمِلنَ يَوْماً عَبوساً،
لأُنَاسٍ، عَنْ خَطْبِهِ، غافِلِينَا
زُرْتَ بالدّارِعِينَ أَهْلَ البَقَلاّ
رِ، فأجلَوْا عَن صَاغِرِي صَاغِرِينا
قَدْ طَوَاهُنّ طَيُّهُنّ الفَيَافي،
واكتَسَينَ الوَجيفَ حتّى عَرِينَا
كَوُعُولِ الهِضَابِ رُحْنَ ومَا يَمْـ
ـلِكْنَ إلاّ صُمّ الرّماحِ قُرُونَا
جُلْنَ في يَابِسِ التّرَابِ فَمَا رُمْـ
ـنَ طِعَاناً، حتّى وَطِئْنَ الطّينَا
وَنَفِيرٍ إلى عقَرْقَسَ، أنْفَرْ
تَ، فكُنْتَ المُظَفَّرَ المَيْمُونَا
إذْ مَلأتَ السّيُوفَ منهُمْ وَمِنّا،
وَغَمَسْتَ الرّمَاحَ فيهِمْ وَفِينَا
ثمّ عَرّفْتَهُمْ جِبَاهَ رِجَالٍ
صَامِتِيّينَ في الوَغَى، مُصْمَتِينَا
لمْ يَكُنْ قَلْبُكَ الرّقيقُ رَقيقاً،
لا وَلاَ وَجهُكَ المَصُونُ مَصُونَا
ما أطاقُوا دَفْنَ الذي أظْهَرُوهُ،
كَبُرَ الحِقْدُ أنْ يَكُونَ دَفِينَا
بَعض بَغضائكم، فلَيسَ مُفِيقاً،
أوْ يَرُدَّ الأدْيَانَ بالسّيفِ دينَا
هَمُّهُ في غَدٍ بتَفْلِيقِ هَامٍ
في قُرَى العَازَرُونَ وَالمَازَرُونَا
وَلَعَمْرِي مَا مَاءُ زَمْزَمَ أحْلَى
عِنْدَهُ مِنْ دَمٍ بِزَارِمّينَا
يَجعَلُ البِيضَ، حينَ يأسُرُ، أغلا
لاً لأسرَاهُ، والمَنَايا سُجُونَا
غَيرَ وَانٍ في طاعَةِ الله، حَتّى
يَطْمَئِنَّ الإسْلامُ في طِمّينَا