كم من وقوف على الأطلال والدمن – الشاعر البحتري
كَمْ من وُقُوفٍ على الأطلال وَالدِّمَنِ،
لم يَشفِ، من بُرَحاءِ الشّوْقِ، ذا شجنِ
بَعضَ المَلامَةِ، إنّ الحُبّ مَغلَبَةٌ
للصْبرِ، مَجْلَبَةٌ للبَثّ وَالحَزَنِ
وَما يُرِيبُكَ مِنْ إلْفٍ يَصُبُّ إلى
إلفٍ، وَمِنْ سَكَنٍ يَصْبُو إلى شَكَنِ
عَينٌ مُسَهَّدَةُ الأجْفَانِ، أرّقَهَا
نَأىُ الحَبيبِ، وَقلبٌ نَاحِلُ البدَنِ
أسقَى الغَمَامُ بلادَ الغَوْرِ مِنْ بَلَدٍ
هاجَ الهَوَى، وَزَمانَ الغَوْرِ من زَمَنِ
إنّي وَجَدتُ بني الجرّاحِ أهلَ ندًى
غَمرٍ، وَأهلَ تُقًى في السّرّ وَالعلَنِ
قَوْمٌ أشَادَ بِعَلْيَاهُمْ، وَوَرّثَهُمْ
كسرَى بنُ هُرْمُزَ مَجْداً وَاضِحَ السَّنَنِ
تَسمُو بَواذِخُ ما يَبْنونَ مِن شَرَفٍ،
كما سما الهَضْبُ من ثَهلانَ أوْ حَضَنِ
وَلَيسَ يَنفَكُّ يُشرَى في دِيارِهِمِ،
وَافي المَحَامِدِ بالوَافي مِنَ الثّمَنِ
ألْفَاعِلُونَ، إذا لُذْنَا بِظِلّهِمِ،
ما يَفعَلُ الغَيثُ في شُؤبوبِهِ الهَتِنِ
لله أنْتُمْ، فأنْتُمْ أهْلُ مَأثُرَةٍ
في المجدِ، مَعرُوفةِ الأعلامِ وَالسَّنَنِ
فَهَلْ لكُمْ في يَدٍ يُنْمَى الثّنَاءُ بها،
وَنِعْمَةٍ ذِكْرُها بَاقٍ عَلى الزّمَنِ
إنْ جِئتُموها، فلَيستْ بكرَ أنعُمكُم،
وَلا بَديءَ أيَاديكُمْ إلى اليَمَنِ
أَيَّامَ جَلَّى أنُو شِرْوَانُ جَدُّْكَُمُ
غَيَابَةَ الذُّلِّ عن، سَيفِ بنِ ذي يَزَنِ
إذْ لا تَزَالُ لَهُ خَيْلٌ مُدافِعَةٌ
بالطّعْنِ وَالضّرْبِ من صَنعاءَ أوْ عدَنِ
أنتُمْ بَنو المُنعِمِ المُجدي، وَنحنُ بنو
مَنْ فَاذَ منكُمْ بعِظمِ الطَّوْلِ وَالمِنَنِ
وَقَدْ وَثِقتُ بِآمَالي التي سَلَفَتْ،
وَحُسنِ ظَنّيَ في الحاجاتِ بالحَسَنِ
ببارِعِ الفَضْلِ، يأوِي مِنْ شَهامَتِهِ
إلى عَزَائِمَ، لم تَضْعُفْ وَلمْ تَهِنِ
مَا إنْ نَزَالُ إلى وَصْفٍ لأنْعُمِهِ
فينا، وَشُكْرٍ لِمَا أوْلاهُ مُرْتَهَنِ