كفي الملامة أو دومي على العذل – الشاعر البحتري
كُفِّي المَلاَمَةَ أَو دُومِي عَلَى العَذَلِ
ما اللَّوْمُ أَكْثَرُ هِمَّاتي ولا شُغُلِي
لَوْ ذُقْتِ مَا ذُقْتُهُ مِنْ حَرِّ بَيْنِهِمُ
لَكُنْتِ فِي شُغُلٍ عنِّي وعَنْ عَذَلِي
هذِي دِيارُهُمُ تُنْبِيكِ أَنَّهُمُ
أَيْدِي سبَا بَيْنَ مُحْتَلٍّ ومُرْتَحِلِ
أَخْلَتْ مَعَالِمَهُمْ نَوًى غَمَرَتْ
حشَايَ مِنْ كَمَدٍ آنٍ ومِنْ خَبَلِ
لَمَّا عَفَتْ جَدَّدَتْ شَوْقِي فَجدَّدَهَا
دَمْعٌ تَرَقْرَقَ مِنْ جارٍ ومُنْهَمِلِ
ومَا اسْتَدَرَّتْ جُفُونُ العَيْنِ إِذْ بَكَأَتْ
أَخْلاَفَ دِرَّتِهَا كالنُّؤْيِ والطَّلَلِ
يا دِمْنَةً أَحْدثَتْ مِنْها النَّوى دِمَناً
أَخْلَتْ مَرَابِعَها قَفْراً مِنَ الغَزَلِ
إِنَّ الأُلَى احْتَمَلُوا أَبْقَى احْتِمَالهُمُ
في القَلْبِ قاطِنَ شَوْقٍ غَيْرَ مُحتَمِلِ
وَفِي الأَكِلَّةِ مِنْ تَحْتِ الأَجِلَّةِ أَمْثَالُ
الأَهِلَّهِ بيْن السِّجْفِ والكِلَل
أُدْمٌ أَوانِسُ كالأْدْمِ الكَوَانِسِ أَوْ
دُمَى الكَنَائِسِ ، لَكِنْ لَسْنَ بالعُطُلِ
أَشْبهْنَ مِنْهُنَّ أَعْطَافاً وأَجْيِدَةً
والرَّبْرَبَ الْعِينَ في الأَحْدَاقِ والكَحَلِ
إِذا السُّجُوفُ انْفَرَتْ عن بيضِها انْحَسرَتْ
مِنَ السُّجُوفِ حُتُوفُ اللَّحظِ والمُقَلِ
مَا ارْتَادَ مُرْتَادُ رَيْبِ الدَّهْرِ مِنْ سَبَبٍ
إِلى النُّفُوسِ بِمِثْلِ الأَعْيُنِ النُّجُلِ
زِينَتْ بِخَالِدٍ الدُّنَيا وزِينَتُها
وَأَبْسمَ المُلْكُ عَنْ عِزٍّ وعَنْ جَذَلِ
سَيْفٌ مِن اللهِ لم يُهْزَزْ لِمُعْضِلَةٍ
إِلا انْفَرَتْ قِطَعاً عن أَنْهَجِ السُّبُلِ
بِهِ اسْتَقَرَّ عِمَادُ الدِّينِ وانْكَشَفَتْ
عَنهُ الدُّجَى وَهْي بيْن الدَّحْضِ والزَّلَلِ
إِذا اكْتَسَى المَلِكُ الجبَّارُ أُبَّهَةً
غَشَّاهُ بالسَّيْفِ ثَوْبَ الذُّلِ والخَمَلِ
كَمْ مَارِقِ مَرَقَتْ فيهِ أَسِنَّتُهُ
والموْتُ يصْدُرُ عَنْ عَلٍّ وعن نَهَلِ
وناكِثٍ نَكَثَتْ فِي الدِّين أَشْرَتُهُ
عَنْهُ وقَدْ نَشِبَتْ فيهِ شَبَا الأَسلِ
لمَّا رأَى خَيْلَهُ تُزْجِي سَحَابَ ردًى
يَنَهَلُّ هَيْدَبُهَا بالصَّيِّبِ الخَضِلِ
فِي موْضِعٍ ضَنِكٍ تُمْسِي مَعَاقِلُهُ
إِذا اسْبَطَرَّ شِهَابُ المَوْتِ كالعْقُلِ
تَغْدُو أَسِنَّتُهُ زُرْقاً فَيَكْحَلُهَا
يَوْمَ الكرِيَهَةِ في الأَحْدَاق والكَحَلِ
إِذا انْتَضَى السِّيْفَ يَوْمَ الرَّوْعِ أَغْمَدَةُ
مُخَضَّباً مِنْ دَمِ الأَعْدَاءِ في القُلَلِ
فَإِنْ تأَوَّدَتِ الأَرْمَاحُ ثَقَّفَهَا
بكَاهِلٍ بَطَلٍ مِن فَارِسٍ بَطَلِ
إِذا اغْتَدَى اغْتَدَتِ الآمَالُ تَقْدُمُهُ
إِلى نُفُوسِ العِدَى بالخَيْلِ والوَجَل
إِذا ارْتَدَى بِنِجادِ السَّيْفِ عاتِقُهُ
قُلْتَ الحَمَائِلُ قَدْ نِيطَتْ عَلَى جَبَلِ
تَنْدَى مَنَاصِلُهُ حَتْفاً ، ورَاحَتُهُ
عُرْفاً يَفِيضُ كَفَيْضِ المُسْبِلِ الوَبِلِ
تَبِيتُ أَعْدَاؤهُ تُطْوَى على وَجَلٍ
مِنْهُ ، وَأَمْوالُهُ تُطْوَى عَلَى وَجَلِ
غَيْثُ العُفَاةِ ،وفَكَّاكُ العُنَاةِ ، وقَتَّالُ
العُداةِ غَدَاةَ الرُّوعِ والوَهَلِ
أَغَرُّ لَيْسَ لَهُ فِي البَأْسِ مِنْ مَثَلٍ
وَلاَ لَهُ في النَّدَى والجُودِ مِنْ مَثَلِ
بِسَيْفِهِ أَصْبَحَ الإِسلامُ وهْوَ حِمىً
رَاضٍ عِنِ المُلْكِ والإِسلامِ والدُّولِ
لَوْلاَ تَدَاهُ ، ولَوْلاَ سَيْفُ نِقْمَتهِ
دَارَتْ رَحَى الدِّينِ والدُّنيَا على ثِكَلِ
وَلاَ تُمْدُّ يَدٌ يوْماً إِلى طَمَعٍ
وَلاَ ثَنَتْهَا أَكُفُّ اليَأْسِ بالشَّلَلِ
إِذا تَصَعَّبَتِ الأَيَّامُ قَلَّدَها
رَأْياً يَرُدُّ شَبَا الأَيَّامِ عن فَلَلِ
تَبِيتُ أَعْيُنُ صَرْفِ الدَّهْرِ قَاذِيَةً
بالعِزِّ مِنْ دُونِهِ تُغْضِيعَلَى قَبَلِ
مَا زالَ يَمْلِكُ وَفْْراً غَيْرَ مُدَّخَرٍ
عَنِ العُفَاةِ وعِرْضاً غَيْرَ مُبْتَذَلِ
يكادُ يَعْلَمُ ما تُخْفِي الصُّدُورُ مِنَ الآمَال
حَتَّى لَقَدْ أَجْدَى ولَمْ يُسلِ
إِذا رأَيْتَ عَطَاياهُ وَنَائِلَهُ
خِلْتَ السَّمَاحَةَ لم تُفْقَدْ ولم تَزُلِ
إِذا الخُطُوبُ امْتَرَتْ أَخْلافَ دِرَّتِهِ
دَرَّتْ بِخِلْفَيْنِ مِنْ شَرْيٍ ومِنْ عَسَلِ
حَلَّت رِكَابُ العُلاَ والمَجْدِ أَرْحُلَها
بهِ ، وشالَتْ رِكَابُ البُخْلِ بالبَخَلِ
في كُلِّ يَوْمٍ لهُ وَعْدٌ يُحَقِّقُهُ
حَتَّى يُقَطِّعَ قَبْلَ المَطْلَ والعِلَلِ
لِخَالِدِ بْنِ يْزِيدٍ بِكْرُ مَكْرُمَةٍ
لَوْ رامَ هَادِيَهُ العَيُّوقَ لم يَنَلِ
أَرسَى قَوَاعِدَهُ مَعْنُ بْنُ زَائدَةٍ
في باذِخٍ مِنْ شَوَاةِ النَّجْمِ مُحْتَلَلِ
إِذا سَرَايا عَطَاياهُ سَرَتْ أَسَرَتْ
يَدَ المَكَارِمِ ، واسْتَغْنَتْ عَنِ العُقُلِ
لَمْ يَغْزُ ساحَتَهُ رَاجٍ سَمَاحَتَهُ
يَوْماً فَيَرْجِعُ إِلاَّ غَانِمَ القَفَلِ
كَأَنَّهُ وَبَنُو شَيْبَانَ تَكْنُفُهُ
بَدْرٌ بَدَا فِي نُجُومِ السَّعْدِ بالكَمَلِ
أَحْيا يَزِيدَ بِعُرْفٍ مِنْ مآثِرهِ
أَحْيَتْ مَآثِرَ مِنْ آبَائهِ الأُوَلِ