أدمع قد غرين بالهملان – الشاعر البحتري
أدْمُعٌ قَدْ غُرِينَ بالهَمَلانِ،
وَفُؤادٌ قَدْ لَجّ في الخَفَقَانِ
إنَّ يَوْمَ الكَثِيبِ أفْقَدَنَا نَضْـ
ـرَةَ تِلْكَ القُضْبَانِ والكُثْبَان
باِفتِرَاقٍ ألَمّ بَعْدَ اجْتِمَاعٍ،
وَتَنَاءٍ أقَامَ بَعْدَ تَدانِ
إبْكِيَا هَذِهِ المَغَاني التي أخْـ
ـلَقَهَا بُعْدُ أَهْلِها المْرِزَمَانِ
أُسْعِدَ الغَيْثُ إذْ بَكَاها وإنْ كَانَ
خَلِيّاً مِنْ كُلّ مَا تَجِدَانِ
جَادَ فِيهَا بِنَفْسِهِ، فاستَجَدّتْ
حُلَلاً مِنْهُ، جَمّةَ الألْوَانِ
فَهْيَ تَهْتَزُّ بَيْنَ إفْرِنْدِهِ الأخْـ
ـضَرِ، حُسناً، وَوَشْيِهِ الأُرْجُوَاني
في سَمَاءٍ مِنْ خُضرَةِ الرّوْضِ فيها
أنجُمٌ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَانِ
واصْفِرَارٍ مِنْ لَوْنِهِ، وابيضَاضٍ
كاجتِمَاعِ اللُّجَيْنِ والعِقْيَانِ
وتُرِيكَ الأحْبَابَ يَوْمَ تَلاقٍ،
باغْتِبَاقِ الحَوْذانِ والأُقْحُوَانِ
صَاغَ منها الرّبيعُ شَكْلاً لأخْلا
قِ حُسينٍ ذي الجودِ والإحسانِ
فَكَأنّ الأشْجَارَ تَعْلُو رُبَاهَا
بنَثيرِ اليَاقُوتِ، والمَرجَانِ
وَكأنّ الصَّبَا تَرَدّدُ فيها
بِنَسِيمِ الكَافُورِ، والزّعْفَرَانِ
قد تَصَابَيْتُ، فاعذِرِي، أوْ فَلُومي،
لَيْسَ شيءٌ سِوَى الصّبَا من شَاني
وَتَذَكّرْتُ وَافِدَ الشَّيْبِ فاستَعْـ
ـجَلتُ حَظّي في الرّاحِ والرَّيحانِ
عِندَ عَدْلٍ مِنَ الزّمانِ إذا اسْتَقْـ
ـبَلَ خَيْرٌ مِنِ اعتِدَالِ الزّمانِ
وَلَقَدْ أمْزُجُ المُدامَ بِفَتْرٍ،
بَلْ بسِحرٍ مِنْ مُقلَتَيْ أرْسَلانِ
وأُعاطي كُؤوسَها المَلِكَ الأبْـ
ـلَخَ، فِعلَ النَّدْمَانِ والنَّدْمَانِ
فكأنّي أُنَادِمُ القَمَرَ البَدْ
رَ عَلَيْها، في ذَلِكَ الإيوَانِ
يَزْدَهِيهِ مِنَ العُلاَ كِبْرِيَاءٌ
فيهِ، أنْ يَزْدَهي على الإخْوَانِ
وَعَلَيْهِ مِنَ النّدَى سِيميَاءٌ،
وَصَلَتْ مَدْحَهُ بكُلّ لِسَانِ
غَمَرَتْهُ جَلالَةُ المُلْكِ، واستَوْ
لَتْ عَلَيْهِ شَمَائِلُ الفِتْيَانِ
وَاصِلٌ مَجْدَهُ بِعِقْدِ الثّرَيّا،
وَيَداهُ بالجُودِ مَوْصُولَتَانِ
يَا أبَا القَاسِمِ المُقَسِّمِ في المَجْـ
ـدِ ليَوْمِ النّدَى وَيَوْمِ الطّعانِ
قَدْ وَرِثْتَ العَلياءَ عَن أَرْدَشِيرٍ،
وَقَبَاذٍ، وَعَنْ أنُوشِرْوَانِ
وأرَى اللّيْلَ والنّهَارَ سوَاءً،
حينَ تَبدو بوَجهِكَ الإضْحِيانِ